استيقظت علي تليفون من أحد زملاء المهنة.. يخبرني بما نشرته صحيفة الجارديان عن ثروة الرئيس مبارك. بالغريزة الصحفية عبرت له عن شكوكي فيما حكاه لي.. ليس لأني أعرف مقدار ثروة الرئيس وأسرته.. ولكن لأن توقيت النشر يدعو إلي الريبة أو الشك.. أحسست بأنها لعبة أجهزة مخابرات تريد أن تلقي المزيد من البنزين والزيت علي النار المشتعلة. صحيفة الجارديان لا تصل إلينا هذه الأيام بسبب ارتباك وتعطل حركة الطيران.. لم أستطع الحصول علي نسخة ورقية من إدارة التوزيع في الأهرام.. طبعت النص المنشور علي موقع الصحيفة.. أخذت في قراءته لم أصدق نفسي.. قصة صحفية مفبركة ومختلقة.. ولا أساس لأي معلومة واردة فيها. في اليوم الأول.. في العام الأول.. في المادة الأولي.. في المحاضرة الأولي في كلية الإعلام بجامعة القاهرة.. درست ألف باء الصحافة: الخبر ومصادره.. قل لي ما هي المصادر التي اعتمدت عليها.. لا أريد أن تذكر اسمها.. لكن حدد بالضبط من أين حصلت علي المعلومات قبل إذاعتها علي الناس.. وإلا تكون كلاما مرسلا وشائعات وأكاذيب وافتراءات يتم تركيبها من سطر وارد من هنا.. وسطر شارد من هناك. العجيب أن هذه ليست صحيفة تصدر تحت بير السلم.. والأعجب أن وكالات مثل بلومبرج.. ومحطات مثلCNN.. وقنوات مثل الجزيرة.. ومواقع علي الإنترنت.. تلقفت هذه الفبركة وأعادت نشرها علي نطاق واسع. طبعا.. الظروف مواتية تماما.. لأن يصدقها كثيرون.. وينقلوها إلي بعضهم.. ويتبادلون إرسالها.. حتي رأيتها مكتوبة علي شعارات في ميدان التحرير.. وسمعت أحد شباب المتظاهرين يستشهد بها في حديث له مع قناة العربية. الجارديان تنسب معلوماتها إلي خبراء في شئون الشرق الأوسط.. ونكتشف أن هؤلاء الخبراء هم الدكتورة أماني جمال أستاذة العلوم السياسية في جامعة برنستون الأمريكية.. ثم تنسب معلوماتها إلي ما تسميه صحيفة الخبر الناطقة بالعربية.. وتقول الجارديان: إن هذه الصحيفة العربية التي لم أسمع بها من قبل نشرت قبل عام تقريرا حول ثرورة الرئيس العقارية في أمريكا.. ثم تقول علي لسان الدكتورة أماني إن هذه الثروة تتراوح من أربعين إلي سبعين مليار دولار. الخلاصة: صحيفة مجهولة اسمها الخبر.. وأستاذة غير معروفة في العلوم السياسية اسمها أماني.. المصدران اللذان اعتمدت عليهما الجارديان في حصر وتقدير ثروة الرئيس. إنها حقا صحافة محترمة! مستعد أصدق هذا الرقم بشرط أن تقول لنا صحيفة الجارديان من أين جاءت به؟ فليس معقولا أن نبني هذا الاتهام الخطير علي الصحيفة المجهولة.. والدكتورة أماني.