عملية صنع البطل تتم في أي ركن ومكان وزمان, والصراع أصل حياة الإنسان, قال الشافعي في بيت شعر مشهور أصبح مثلا: تغرب عن الأوطان في طلب العلي, وسافر ففي الأسفار خمس فوائد, ولم يقصد بالطبع الهجرة بغير إياب, ولاكان يخطر في باله التسلل بين الدول التي صارت إحدي علامات القرن الحالي. هذا نموذج قديم لابطال في جب التاريخ والإنسان بطبعه متنقل, سواح والاساطير تدل علي ذلك وتعكس فكرة المحارب العظيم الذي يصارع ظروف الحياة فينتصر عليها تارة وتخذاله الاجواء تارة أخري, وتتوقع ان يقوم وينهض ويكتب لحياته معني اسطوريا ساحرا يشبه فن المعجزات, رغم انه انسان بسيط معه ايمانه وحيلته ذكاؤه الذي يخدمه في الملمات, السؤال هنا عن كيفية قولبة هذه الافكار في نثر فني لرواية مستخدما الاسلوب المباشر في الحكي, وكأنه يريد إلا يشابه الملاحم والاساطير أو يقتبس من اللغة الشعرية وينمي هذا القص بالموروث أو المحفوظ أو المتداول, والسطور تعكس احوال زمن البدايات المبكرة وتجول وسط حوادث تاريخية مدهشة, فهذه قصة تنتمي لعصرها فعلا وحدثا وفكرا, لكنها أيضا لاتغفل الماضي ذكرا أو حديثا بل تضعه في خلفيات الاحداث بطريقه سلسة مريحة لاتقطع به التواصل أو تغرق في بحار التفاصيل, بداية تقع هذه الرواية حرب الهوية ل خالد موافي في مائتين وثمانين صفحة من الحجم المتوسط من إصدار سنابل للكتاب ويبدو انها في طريق الظهور في معرض القاهرة الدولي للكتاب, فالطباعة ممتازة والغلاف لافت, البطل في الرواية يعطيك إحساسا بانه المؤلف نفسه وان هذه حكايته أو جزء منها وقد قرر ان يشاركك متعة مغامرته في بلاد الشمال البعيدة, لذلك نراه يذكر رحلة ابن فضلان وزير الخلافه العباسية الذي رحل حتي الروسيا البعيدة( بلاد الصقالية) ويمسك باهداب القصة القرآنية لذي القرنين الذي طاف الشرق والغرب ويهم إلي الشمال, وهو مغزي ان يصحب في حقيبة سفره تهذيب رحلة إبن بطوطة, البطل يعطي هذا التسلسل ومقدم علي رحلته, وبغير ان يقول للقاريء مباشرة أو مواربة انه في رحلة كبيرة عظيمة شائكة, يشبع احساسه الداخلي بهذا, بغير توضيح المعالم ويحرك العريزه التي هي موجودة اصلا في القاريء, نحو الترحال والسفر وطواف الآفاق, صيغت الجمل بطرق فنية مؤثرة ولاهثه احيانا أو مكثفة, وتتوالي في عدة مواقف قاصدا التسجيل والرصد والتوثيق لكي ينصرف ذهنك لحظتها الي انها سيرة ذاتية وبها من الحقائق الكثير, وبشكل غريزي ابوي يخشي الاستسلام للغربة والضياع علي ابنائه وابناء اصدقائه ومعارفه, يتفاعل مع الحياة في مدينته الصغيرة ويتحول ببطء إنسانيا من فرد مهتم بنفسه وحياته واسرته الي شخصية شعبية عامة تدرك عمق الفجوة بين الشرق والغرب, الواقع الذي يعيشه في حرب عنصرية خفيه, تقوم بها المجتمعات وتؤيدها الحكومات نحو اولئك الافراد البسطاء التعساء, الذين تركوا بلادهم لاسباب كثيرة وحروب بغيضه واساليب ماكره ومذابح, الغرب الأوروبي السبب الرئيسي والمباشر فيها, بأثرها في روض داخل مجتمع أوروبي راقي, بل أرقي نبع حضاري جميل في الغرب عموما السويد, هذه الدولة التي تقبع علي قمة العالم جغرافيا واقتصاديا وصناعيا وحتي حضاريا, لاتصل هي أو غيرها من جيرانها الي القمة انسانيا ابدا ولا اخلاقيا فالرقي والترقي يتحكم فيهما بشر مثلنا لديهم ذات ضيق الافق والكذب والنفاق وادعاء الشيء وفعل تقضيه ومممارسة العنصرية للون والجنس والعرق والدين وحتي الفكر والثقافة ضدك انت الشرقي أو الاتي حتي من الجنوب الأوروبي الأفقر والأقل تقدما صناعيا أو اقتصاديا, لايترك خالد موافي في روايته شيء من هذا يمر مرور الكرام فالبطل عاش لقرابه الثلاثين عاما بينهم خبر كل شيء من الخوف الفطري الغريزي الي تجربة المشارفة علي الموت, وحدث نفسه بالكثير( هي ليست لغة ستدربين عليها! ستتركين دينك وتعتنقين بدلا منه الإسلام, ديني ودين أولادك, لماذا ماهو الخطأ في اعتقادك الذي دفعك كاقتراح هذا؟. تمضي الرواية( حرب الهوية) خالية من الصخب المباشر والهتاف الهادف لاشعال الغيرة المتطرفة التي يحلو لبعض الروائيين في هذا العصر علي انتهاجها طمعا في بريق الشهرة السريعة واثارة الجدل ويقولون مبررين ذلك بأنه لابد من نغز المجتمع إلي حد إيلامه واسالة دموعه من الوجع وحقا فعلها كثيرون ولكنهم بفعلتهم تلك عبأوا مشاعر القراء نحو كرة الاخر لا ايقاظ مجتمعاتهم وحضهم علي اظهار الخصال الفريدة النظيفة فيهم ولذلك وربما لان الكاتب خالد موافي ينظر من خارج اطار الصورة وبعيد الي حد ما عن( حسابات رجالات الفكر والثقافة في المشهد) وغرضه الاساسي( زراعة وتنمية هويته الثقافية المصرية) ربما لتلك الاسباب جاءت روايته شفافة في نقدها لمجتمع عاش فيه ومجتمع جاء منه ولم يفغل المصادر الثلاثة التي نمت واصلت الحضارة الغربية الاوروبية وهو جانب يعرفه الاكاديميون في أوروبا ويعترفون بأنها إغريقية لاتينيه عربية وعبرهم انتقلت المعارف وقبلت وقولبت ودخلت في صلب وعمق وجدانهم ولانها ظاهرة لعينيه فقد اوردها ودلل علي وجودها وناطحهم بالرأي والبرهان حين انكروعا واقام من اجل ذلك جسورا ثقافية وتربويه فلم يستسلم كغيره للاسترخاء وما ايسره واقربه لكلتا يديه, يدخل الكاتب بروايته تلك في عمق التجربة الانسانية التي جاءت بأدم مع حواء من جنة الارض إلي مشقتها وغربتها وتوهانها, ويفترض انه يعيد تأكيد شخوص التاريخ والكتب الدينية وحتي الاسطورية عبر تجربة الرواية الذاتية ولايجد مشقه في رسم تفاصيل شخصيات الرواية ولم يفعل ذلك, انها حقيقية تطل نظرات عيونها من خلف السطور والحروف وحتي حكاية الاخوين الشعبية الفرعونية, تجد ملامحها في علاقته بأخيه الأكبر ومحاولات استبعاده من الارث, أو هي ترديد لقصة قابيل وهابيل ولدي آدم أو حتي اوزوريس واخوه ست لكن خالد هنا يقنعك انها ليست اساطير وانها فعلا حدثت بالفعل وانه لم يخرج من مصر هاربا أو كارها بل عائدا بما تعلم ويعلم مصطحبا معه فروعه وغارسا اياها في ارض ابوه/ وامه, النقاط الرئيسية هنا تحيرك لانه يرويها وقد ابتعد مسافة كافيه عن الاسطورية والحوادث الخرافيه وجنح للواقع المخادع ثم يلفت نظرك شيء انه أيضا روي قصة نظيفة اخلاقيا علي خلاف العادة التي ينتهجها كل من كتب عن الحياة في الغرب وأوروبا, فالجنس والعلاقات ووصفها تحضر بقوه وعناصر الغواية تتمثل, ولايمكن لشاب عاش منذ العشرينات من عمره وحتي جاوز الخمسينات في بلد بنات الاصفر والعيون الازرق والاخضر إلا وله حكايات جريئة وشهوانية, لان حتي الذي يزور فقط يدعيها؟! لكن تركيز الروايه علي الموضوع الذي يستحوذ علي الانتباه جعله يحل هذه المعضله التي قد تتبادر للذهن في السياق, فيجعله أب لبنت في زواج مبكر دافعه الاستقرار وتحصين الوجود, فيحميه ذلك من الغوايه... غواية تذكرك بأن خطيئة آدم الاولي عصيانه لامر ربه.. فيهبط من الجنة لكن خالد بطل الرواية تعلم الا يستسلم للغواية أو همسها, بلغنا في الحديث عن رواية, حرب الهوية منتهي وحان وقت السكوت ولست بناظر في أي شيء, ان الفقيه هو الفقيه بفعله, ليس بنطقه ومقاله. روائي عضو نادي القصه المصري