كان من المفترض أن نواصل هذا الأسبوع في سلسلة العلاقة مع السودان والتي سنعود إليها لاحقا إن شاء الله, غير أن الحدث يفرض نفسه ويجعل من الصعب تجاوزه.. والحدث هنا هو منتدي دندرة الاقتصادي الذي انعقدت دورته الثانية في مطلع هذا الأسبوع تحت عنوان طاقات الجنوب.. فرص وتحديات. هذا المنتدي الرائد الذي تنظمه الأسرة الدندراوية سنويا في مقرها العام في قرية دندره بمحافظة قنا, عبر مركز دندرة التنموي, يمثل بلا شك واحدة من أهم المبادرات التي تقوم علي عملية التنمية بالمشاركة, وتعبر عن الاهتمام بقضايا التنمية المحلية المتكاملة, وتعظيم قيم الانتماء لهذا الوطن والشعور بالمسئولية وأن علي كل منا دور يجب أن يؤديه للارتقاء بمعدلات التنمية البشرية وتدعيم التماسك المجتمعي, والإسهام في دفع عملية النمو المتوازن. يهتم مركز دندرة التنموي طوال العام بقائمة طويلة من الاهتمامات والأنشطة, التي تشمل تدريب مئات الشباب والشابات علي مهارات وأنشطة متعددة بالتعاون مع مركز حرفي التابع لوزارة الصناعة, او تعليم اللغات والتقنيات الحديثة بالتعاون مع مركز التعليم المستمر بالجامعة الأمريكية, أو عشرات الندوات علي مدار العام تجوب مختلف أنحاء محافظات الصعيد والبحر الأحمر, ويشارك فيها أساتذة جامعات ومتخصصون وخبراء, لرفع الوعي والتفاعل المباشر وتقديم الحلول المجتمعية, في مجالات عديدة مثل الزراعة والرعاية الصحية والأنشطة الثقافية والتوعية العامة. اشتمل المنتدي علي عرض تجارب مميزة وناجحة للتنمية بالاعتماد علي قدرات وإمكانيات المجتمعات المحلية, من ماليزيا وإندونيسيا ومصر والسودان, وجلسات حوارية تحدث فيها عدد من خبراء الاقتصاد السياسي والتنموي وعلي رأسهم الدكاترة طه عبدالعليم وإبراهيم نوار وأحمد شوري, ونجيب عيسي من لبنان. كما شارك بشكل فاعل كل من الكاتب الكبير أحمد الجمال والإعلامي المعروف حافظ الميرازي وقدمت أوراق أخري عديدة تحمل بحوثا تطبيقية لتطوير مجالي الزراعة والسياحة.. وكان هناك أيضا ملتقي للشركات للتوظيف, ومعرض للحرف اليدوية والتراثية التي يرعاها مركز دندرة التنموي. وقد شارك في أعمال المنتدي حضورا وتفاعلا قيادات تنفيذية كان علي رأسها محافظ الأقصر الدكتور محمد بدر, وقيادات شعبية ومحلية من كل الأطياف, كان علي رأسهم عدد كبير من أعضاء مجلس الشعب الحاليين والسابقين والقيادات القبطية علي رأسها نيافة الأنبا شاروبيم. بالإضافة إلي جمع غفير من أبناء محافظات الصعيد تجاوز عدده الآلاف في نظام وتفاعل كاملين, الأمر الذي يدل بوضوح تام علي أن أنشطة المنتدي وفعالياته تلبي احتياجا حقيقيا لهذه المجتمعات المحلية, وتخاطب هموم وانشغالات شرائحها وتكويناتها المختلفة. وهكذا يمكن القول إن ما تقوم به الأسرة الدندراوية عبر مركز دندرة التنموي برعاية وتوجيه من الأمير هاشم الدندراوي, يمثل في الحقيقة تجسيدا حيا لمفهوم التنمية بالمشاركة, التي تحتاج الي تعاون ثلاثة أطراف: القطاع الحكومي والقطاع الأهلي والقطاع الخاص.. فالبعد الغائب الذي يكسب سياسات الدولة فاعليتها هو الاهتمام بالاستثمار في العامل البشري ورأس المال الإنساني والاجتماعي, الأمر الذي يتجلي بأفضل وأبهي ما يكون في منتدي دندرة الاقتصادي.. الذي يثبت دورة بعد أخري أن قيم العمل والخير والإخلاص باقية في هذا الوطن وتنتظر فقط الأيدي المخلصة والقلوب العامرة بالعطاء.