النصيحة العاجلة التي يمكن تقديمها لجميع الأطراف ذات الصلة بما جاء في خطاب الرئيس مبارك بمناسبة عيد الشرطة تتلخص في ضرورة أن تعيد قراءته مرة ومرات حتي تستوعب الكلمات المفردات والمعاني, وكلها تشير إلي نقلة نوعية في معركة مصر ضد قوي الشر المتربصة بها, وأن العقاب قادم لا محالة لكل من يتورط بالعبث بأمن مصر واستقرارها. من الصحيح تماما أن البعض يراهن دائما علي المخزون الذي لا ينضب من الصبر المصري المعروف جيدا, وأن الرصيد المفتوح من هذا الصبر كان يسمح لهؤلاء بالتمادي واتخاذ مواقف يجري تبريرها والاعتذار عنها لاحقا بحجج تقبلها القاهرة علي مضض, ليس اقتناعا بها وانما اشفاقا علي صاحبها من تداعيات الحساب وقسوته التي لن يتحملها خاصة إذا كان محسوبا من الأشقاء, أما الأصدقاء فالتفسيرات العلنية سرعان ما يجري الاعتذار عنها وتبريرها بوجود قوي تحاول التأثير علي العلاقة القوية التي يحرص عليها هذا الصديق أو ذاك. تحمل الذاكرة المصرية الكثير من المواقف المؤلمة والصادمة والمؤسفة من أطراف تدرك قبل غيرها أبعاد الدور المصري الذي يبقي غالبا بعيدا عن أضواء الدعاية المفرطة ومحاولات اثبات الوجود كما تفعل دول مستجدة وناشئة تبحث عن مكان ومكانة وسط الكبار. وتحملت مصر حماقات وادعاءات باطلة وحملات شرسة استهدفت خلط الأوراق والتشويه المتعمد لعطاء لا ينقطع وجهد لا يتوقف وصولا للسلام العادل والشامل بلا تفريط في الحقوق التاريخية الثابتة وترسيخا للأمن والاستقرار في المنطقة التي تحولت إلي ساحة للصراع ووكر للإرهاب وحقل لتجارب نشر الفتنة والفوضي والانقسام. كانت مصر أول من خاض الحروب دفاعا عن فلسطين ودفعت ثمنا غاليا من دماء الشهداء الأبرار ومن ثرواتها, وجاء اليوم الذي نجد فيه من يزايد علي مواقفها, وكانت أول من أطلق مبادرة للسلام فإذا بمن يري نفسه قادرا علي الامساك بالملفات الشائكة والعالقة مما أدي إلي تعقيد الأمور واخراجها من سياقها الصحيح وافساد الفرص التي كان من شأنها تغيير مجري الأحداث وانتزاع الأرض قبل تهويدها ومواصلة العدوان عليها. وكانت مصر أول من خاض المواجهة الشرسة مع الإرهاب في وقت كان فيه العالم غافلا عن مخاطره المحدقة, وصدرت عن بعض العواصم مواقف وتصريحات وحملات رسمية وإعلامية بعيدة كل البعد عن الحقائق التي تفرضها معطيات التعامل مع قوي الإرهاب, ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وانما وصل لمنح الملاذ الآمن للمتورطين في المنظمات الإرهابية بدعوي حق اللجوء السياسي والانساني, وعندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر تغيرت المفاهيم والمواقف وأدرك الجميع أنه لا أحد في مأمن من الضربات الإرهابية التي لا تعترف بدين أو وطن. وهنا يكون السؤال, إذا كانت مصر قد تحملت ذلك كله وتسامحت مع الشقيق والصديق في تلك المواقف وغيرها, فما الجديد هذه المرة؟ والاجابة كما أشرنا منذ البداية واضحة في خطاب الرئيس مبارك عندما قال: إن العملية الإرهابية بالاسكندرية تمثل مرحلة يائسة للإرهاب للعودة بشروره إلي أرض مصر. بمدخل جديد ونهج واسلوب جديد, نهج جديد يحاول الوقيعة بين الأقباط والمسلمين, يسعي إلي شق صفهم والنيل من تماسكهم ووحدتهم كأبناء وطن واحد تعرض عبر السنوات الماضية لإرهاب لا يعرف وطنا أو دينا, ولم يفرق يوما بين أرواح ودماء قبطي أو مسلم, نهج واسلوب جديد لإرهاب غريب عن مجتمعنا, يحمل بصمات أصابع خارجية ويستدعي لأذهاننا أشكالا دموية للإرهاب في منطقتنا وخارجها, لا عهد لنا بها ويلفظها المجتمع المصري بشخصيته وتراثه وثقافته. وهكذا تخطت العملية الدنيئة بالاسكندرية الخطوط الحمراء التي لا تجعلها عملية إرهابية تستهدف القتل والتدمير فقط ولكن زرع الانشقاق والفتنة بين أبناء الشعب الواحد وهو ما أعلن الرئيس مرارا وتكرارا أنه لن يسمح به أبدا. لو كانت عملية إرهابية نري مثيلا لها في أرجاء الدنيا ولا تفرق بين دولة كبري أو غيرها لبقيت القضية في اطار مفهوم حيث من المستحيل نظريا القضاء تماما علي المخاطر الإرهابية بنسبة مائة في المائة مهما كان الجهد والأداء الأمني, ولكن أن تمتد الأيدي العابثة إلي محاولة المساس بتلاحم هذا الشعب ووحدة الوطن, تكون النقلة النوعية, حاضرة وجاهزة لنقل المعركة كما قال الرئيس إلي اوكار الإرهاب في الداخل والخارج, ولن يفلت مرتكبوه من العقاب. وبذلك يكون الصبر المصري قد نفد وحان وقت العقاب أيا من كانوا وراء العمل الإجرامي, وفي أي مكان كانوا فيه ليوفر لهم الملاذ والمأوي. بات علي من يدعي أنه الشقيق المسارعة إلي التحرك والفعل وليس بالكلمات وحدها ليثبت جديته وبراءته من العصابات الإرهابية, ولن يكون مجديا اضاعة الوقت في البحث عن مبررات تجعله عاجزا عن الوفاء بالحد الأدني المطلوب تجاه مصر وشعبها. أما الصديق أيا كان اسمه وصفته فعليه أن ينطق حقا أو يصمت, والرسالة الواضحة التي أعاد بها الرئيس مبارك التذكير بأن عهد الوصابة علي مصر قد ذهب إلي غير رجعة يجب أن تكون نصب أعين من يريدون استمرار تلك الصداقة التي قامت وتقوم علي أساس الندية والأحترام المتبادل وصدقا نكرر النصيحة لا تراهنوا أبدا علي تسامح مصر وعلي مخزون الصبر فيها, فقد حانت لحظة الحقيقة, وحان وقت العقاب.