شهد الاقتصاد العالمي خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حالة من التعايش امتجزت فيها الفرص مع التحديات, والأزمات مع الرخاء, والدمار مع الانتعاش, والتقدم والتراجع والتذبذب ارتفاعا وانخفاضا. في هذا الصدد أعدت جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية الصينية دراسة علي هذه الحالة, اختارت فيها عبارة لقد كانت أفضل الأوقات وكانت أسوأ الأوقات في آن معا, وهي إحدي أشهر العبارات الكلاسيكية للروائي البريطاني تشارلز ديكنز لتوصيف حالة الاقتصاد العالمي خلال السنوات العشر الماضية. وقالت الدراسة: إذا كان العالم قد شهد حالة من الاضطراب في التسعينيات بعد انتهاء الحرب الباردة, فإن نسيج التنمية الاقتصادية العالمية أصبح واضحا بشكل متزايد في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين, فعلي مدي السنوات العشر الماضية أخذ الاقتصاد العالمي يتطور بأنواع مختلفة من طرق التنمية, وأثبتت الأزمة المالية العالمية التي بدأت أواخر عام2008 في وول ستريت أن النظام الاقتصادي والمالي الغربي بمواطن ضعفه الموروثة لم يكن أبدا نموذجا يمكن تطبقه عالميا, حيث اختارت غالبية الدول النامية والصاعدة والناشئة أنماط التنمية الخاصة بها وفقا لأوضاعها الوطنية الخاصة فنجحت في الظهور كقوة إيجابية لتعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي. وتابعت الدراسة تقول: رغم الانتكاسات الكبيرة التي شهدها الاقتصاد العالمي خلال العقد الماضي, إلا أنه تمكن من الحفاظ علي النمو مع حدوث زيادات في الإنتاج العالمي وتوسع في التجارة الدولية وتعمق في تقسيم العمل الصناعي الدولي والعولمة والأقلمة. ومن خلال الاستفادة من العلوم والتكنولوجيا, خاصة تكنولوجيا الاتصالات تسارعت خطي جولة جديدة من العولمة بصورة ملحوظة منذ الثمانينيات, وتم تضمين المزيد من الأسواق المحلية والمزيد من الموارد في النظام الاقتصاد العالمي, وزادت الثروة التي كونتها البشرية, واتسعت التبادلات الاقتصادية بين الدول, وتحسين مستوي معيشة معظم الأفراد. وأشار توماس فريدمان مؤلف العالم منبسط إلي أن الاستثمار خلال فترة فقاعة الإنترنت في البنية التحتية الإنترنت مثل كابلات الألياف البصرية العابرة للمحيطات هو الذي أرسي الأساس المادي لنمو العولمة بصورة أكبر بعد الأزمة, وحاليا يسود الاعتقاد بأنه من الضروري تدعيم القواعد المالية العالمية, وإعادة تشكيل النظم الاقتصادية والمالية العالمية, بينما أصبح مفهوم تنمية مستديمة خضراء ومنخفضة الكربون, وتقوم علي حماية البيئة أكثر شيوعا, ويمكن أن يصبح كل هذا القوة المحركة للاقتصاد العالمي خلال السنوات العشر المقبلة وعلي خلفية التنمية المستمرة للاقتصاد العالمي ككل, أصبحت تنمية كل دولة وكل منطقة خلال العقد الماضي مختلفة تماما, ففيما بدأت الدول المتقدمة تقودها الولاياتالمتحدة العقد الأول من القرن الجديد بأزمة وأنهته بهزة أكبر, من فقاعة الإنترنت إلي فقاعة سوق الإسكان ثم إلي الأزمة المالية, ومن أزمة إلي رخاء ثم إلي أزمة أكبر, فكان إلي حد ما عقدا مليئا بالصعاب بالنسبة للدول المتقدمة, وكما قال سيمون جونسون كبير خبراء الاقتصاد السابق بصندوق النقد الدولي: إن التنمية المختلة للقطاع المالي وسيطرة المضاربة دفعت الاقتصاد العالمي إلي دائرة من الرخاء والهلاك, بالمقابل وبالنسبة لغالبية الدول النامية كان العقد الماضي مستقرا بشكل نسبي, حيث شهد تنمية مستمرة وتقدما اقتصاديا واجتماعيا كبيرا, ووفقا لهذا تغير ميزان القوي بين الدول المتقدمة والدول النامية بشكل نسبي فيما راح الهيكل الاقتصادي العالمييتطور نحو مستقبل متوازن ورشيد علي نحو أكبر, خاصة وقد حدثت تغييرات في منظمات دولية كبري مثل صندوق النقد الدولي, والبنك الدولي, ومجموعة الثمانية, ومجموعة العشرين, وعلي سبيل المثال حلت مجموعة العشرين محل مجموعة الثمانية لتصبح المنتدي الرئيسي للحوكمة الاقتصادية العالمية. وفي معرض استشراف الدراسة الصينية للسنوات العشر المقبلة وجدت أن نمط الاقتصاد العالمي سيتغير, فبعد الأزمة المالية العالمية التي تحدث مرة في القرن سيشهد العقد المقبل تغييرات وتعديلات وأوجه تنمية كبيرة في الاقتصاد العالمي. وتشير مختلف العلامات إلي أن تنمية الاقتصاد العالمي ستسلك ثلاثة اتجاهات رئيسية: أولا: سيتغير الوضع الاقتصادي العالمي بصورة أكثر سرعة حيث ستدخل الحكومات الوطنية تعديلات مهمة علي مناهجها لتحقيق التنمية. فقد حطمت الأزمة المالية العالمية الاستهلاك والمضاربة اللذين تحركهما الديون في أمريكا, الأمر الذي ضخ أيضا قوة دفع جديدة لإعادة الهيكلة الاقتصادية في الدول المتقدمة, وتحاول الاقتصادات المتقدمة استعادة التوازن بين الادخار والاستهلاك, والاقتصاد الفعلي والاقتصاد الحقيقي. ومن ناحية أخري تحتاج الدول النامية إلي خفض اعتمادها علي الصادرات, وتحسين نظام الضمان الاجتماعي, وتحديث نظم توزيع الدخل, وتوسيع الطلب المحلي, ورفع مستوي المعيشة. وبخلاف العوامل غير القابلة للتوقع مثل شن الحروب واسعة النطاق, وانتشار الأوبئة, واندلاع الكوارث الطبيعية, فإنه من المتوقع أن تدخل غالبية الاقتصادات الصاعدة عقدا جديدا من التنمية والتقدم, بينما سيظل إصلاح حوكمة الاقتصاد العالمي يزداد عمقا, وبالإضافة إلي هذا, ونظرا لكون القضايا البيئية تتزايد بروزا, فإن مفهوم التنمية المستديمة سيصبح أكثر شيوعا, وستحقق اقتصادات الكربون المنخفض والاقتصادات الخضراء والاقتصادات الصديقة للبيئة تنمية أكبر في أنحاء العالم. ثانيا: سيشهد النظام المالي والنقدي العالمي تعديلات مهمة, فقد كشف اندلاع الأزمة المالية العالمية تماما عدم قدرة النظام الحالي علي الاستدامة, وتدعيم الرقابة المالية لا يعني احتواء الابتكار المالي, أو إنكار ردور النظام المالي في العمليات الاقتصادية الحديثة, وإذا لم يتم تعديل القواعد المالية العالمية فإن ما يسمي بأزمة مالية عالمية تحدث مرة في القرن من المحتمل أن تظهر مرة أخري في غضون عقود قليلة, وبالإضافة إلي هذا فإن خطر النظام النقدي الدولي الذي تتم فيه التعاملات بالدولار الأمريكي, سيزداد تدريجيا, وعليه يتعين زيادة سلة العملات الرئيسية في المنظومة الاقتصادية العالمية. ثالثا: ستستمر العولمة في التطور مع تعايش المخاطر والفرص جنبا إلي جنب, وفي العقد المقبل ستستمر العولمة في تحويل الإنتاج العالمي وأنماط الاستهلاك والتجارة العالمية, الأمر الذي سيجعل العالم منبسطا علي نحو متزايد, وستتيح شبكات الاتصال منخفضة التكلفة والملائمة والحديثة فرصا لمزيد من الأشخاص للمشاركة في عملية العولمة, ومن ناحية أخري هناك احتمالات بأن يغرق عدد من الدول الضعيفة في مشكلات أكبر بسبب الحروب, أو الأمراض, أو الكوارث الطبيعية في ظل المنافسةالشديدة في السوق العالمية, وستحافظ القوي الاقتصادية التقليدية علي تفوقها بالتحديث الصناعي وإلاستهزم في المنافسة, بينما تواجه الاقتصادات الصاعدة أيضا مشكلات مثل ما يسمي بشرك الدخل المتوسط. وخلصت الدراسة الصينية إلي القول بأن كل دولة لديها فرصها وتحدياتها, بينما سيكون العقد المقبل مثل أي عقد في التاريخ, تؤكد الدروس المستقاة أن الفرص تفضل دوما الدول والشركات المستعدة, والأفراد المستعدين لمواجهة التحديات وتجاوزها, وتحقيق الاستفادة الكاملة من الفرص.