ننشر أسعار الذهب في بداية تعاملات الأربعاء 12 يونيو    أسعار اللحوم والأسماك اليوم 12 يونية    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأربعاء 112 يونيو 2024    وصول صناديق أسئلة امتحان مادتي الاقتصاد والإحصاء لمراكز التوزيع بحراسة أمنية مشددة    حبس شقيق كهربا في واقعة التعدي علي رضا البحراوي    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: موقف السيسي التاريخي من العدوان على غزة أفشل مخطط التهجير    الأصعب لم يأت بعد.. الأرصاد تحذر من ارتفاع الحرارة اليوم    هل يشترط صيام يوم عرفة بصوم ما قبله من أيام.. الإفتاء توضح    ماذا يحدث داخل للجسم عند تناول كمية كبيرة من الكافيين ؟    جدول مباريات اليوم الأربعاء.. الجولة الرابعة من الدورة الرباعية المؤهلة إلى الدوري المصري    ارتفاع أسعار النفط وسط تفاؤل بزيادة الطلب    محاكمة عصام صاصا في اتهامه بتعاطي المخدرات ودهس عامل.. اليوم    دون إصابات.. إخماد حريق عقار سكني بالعياط    ET بالعربي: "خطوبة شيرين عبد الوهاب على رجل أعمال.. وحسام حبيب يهنئها    الجيش الأمريكي: تدمير منصتي إطلاق صواريخ للحوثيين في اليمن    استشهاد 6 فلسطينيين برصاص إسرائيلي في جنين بالضفة الغربية    «مشكلتنا إننا شعب بزرميط».. مصطفى الفقي يعلق على «نقاء العنصر المصري»    شولتس ينتقد مقاطعة البديل وتحالف سارا فاجنكنشت لكلمة زيلينسكي في البرلمان    تتخطى ال 12%، الإحصاء يكشف حجم نمو مبيعات السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي    حكم الشرع في خروج المرأة لصلاة العيد فى المساجد والساحات    اتحاد الكرة يحسم مشاركة محمد صلاح في أولمبياد باريس 2024    هيئة الدواء: هناك أدوية ستشهد انخفاضا في الأسعار خلال الفترة المقبلة    تأثير التوتر والاكتئاب على قلوب النساء    زواج شيرين من رجل أعمال خارج الوسط الفني    فيديو صام.. عريس يسحل عروسته في حفل زفافهما بالشرقية    رئيس الأساقفة جاستين بادي نشكر مصر بلد الحضارة والتاريخ على استضافتها    رئيس لجنة المنشطات يفجر مفاجأة صادمة عن رمضان صبحي    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها في الأضحية والمضحي    أيمن يونس: أحلم بإنشاء شركة لكرة القدم في الزمالك    عاجل.. تريزيجيه يكشف كواليس حديثه مع ساديو ماني في نهائي كأس الأمم الإفريقية 2021    أوروبا تعتزم تأجيل تطبيق أجزاء من القواعد الدولية الجديدة لرسملة البنوك    هذا ما يحدث لجسمك عند تناول طبق من الفول بالطماطم    "بولتيكو": ماكرون يواجه تحديًا بشأن قيادة البرلمان الأوروبي بعد فوز أحزاب اليمين    خلال 3 أشهر.. إجراء عاجل ينتظر المنصات التي تعمل بدون ترخيص    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج ب عيد الأضحى: كل عام وأنتم بخير    الكويت: ملتزمون بتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنفيذ الدمج الشامل لتمكينهم في المجتمع    رسميًا.. تنسيق الثانوية العامة 2024 في 5 محافظات    الفرق بين الأضحية والعقيقة والهدي.. ومتى لا يجوز الأكل منها؟    هل الأضحية فرض أم سنة؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    البنك المركزي المصري يحسم إجازة عيد الأضحى للبنوك.. كم يوم؟    ظهور حيوانات نافقة بمحمية "أبو نحاس" : تهدد بقروش مفترسة بالغردقة والبحر الأحمر    والد طالب الثانوية العامة المنتحر يروي تفاصيل الواقعة: نظرات الناس قاتلة    تحرك جديد من الحكومة بشأن السكر.. ماذا حدث؟    يوسف الحسيني: القاهرة تبذل جهودا متواصلة لوقف العدوان على غزة    حازم إمام: نسخة إمام عاشور فى الزمالك أفضل من الأهلي.. وزيزو أفيد للفريق    برلماني: مطالب الرئيس ال4 بمؤتمر غزة وضعت العالم أمام مسؤولياته    رئيس جامعة الأقصر يشارك لجنة اختيار القيادات الجامعية ب«جنوب الوادي»    63.9 مليار جنيه إجمالي قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    رمضان السيد: ناصر ماهر موهبة كان يستحق البقاء في الأهلي.. وتصريحات حسام حسن غير مناسبة    تريزيجية: "كل مباراة لمنتخب مصر حياة أو موت"    بالفيديو.. عمرو دياب يطرح برومو أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    نقيب الصحفيين الفلسطينيين ل قصواء الخلالى: موقف الرئيس السيسي تاريخى    عصام السيد يروى ل"الشاهد" كواليس مسيرة المثقفين ب"القباقيب" ضد الإخوان    حظك اليوم| الاربعاء 12 يونيو لمواليد برج الميزان    رويترز عن مسئول إسرائيلي: حماس رفضت المقترح وغيّرت بنوده الرئيسية    اليوم.. «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية بلة المستجدة ببني مزار    شيخ الأزهر لطلاب غزة: علّمتم العالم الصمود والمثابرة    قافلة مجمع البحوث الإسلامية بكفر الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب 8‏
صهيونية في ظل الأهرامات

لا يخلو الأمر من ترجيح أو طرح افتراض أن هناك طرفا من التواطؤ بين الصهيونية والنازية‏..‏ فالحركتان تتشابهان في النزعة العنصرية الاستعلائية‏,‏ وفي تناولها لتغلغل الفكر الصهيوني في مصر
تقول الباحثة الإسرائيلية روث كيمحي مؤلفة كتاب صهيونية في ظل الاهرام‏:‏ إن الظرف التاريخي والبشري والسياسي في مصر كان مهيأ لاستقبال الفكرة الصهيونية‏,‏ ثم فوجئ اليهود المصريون الذين حصلوا علي كل شئ في مصر ومن مصر بأن عليهم أن يكونوا أداة ومصدرا للجباية بتحويل تبرعات لقادة الصهيونية في فلسطين‏..‏ كما سخروا إمكاناتهم لهذه الفرصة إذ تحولت مزارع في الطالبية بالجيزة ودسوق بمحافظة كفر الشيخ إلي مراكز تدريب وتأهيل شباب يهود للهجرة إلي فلسطين لدعم المشروع الصهيوني‏..‏ وتقول إنه بحلول عام‏1943‏ كان يهود مصر يتبرعون سنويا بمائة الف جنيه للصهاينة في فلسطين‏,‏ كما كانوا يستثمرون نصف مليون جنيه في مشروعات صهيونية هناك‏..‏ اما افتراض التواطؤ الصهيوني النازي فيمكن الإمساك بخيطه من التضخيم من حجم الدعاية النازية في مصر منذ‏1942‏ وكأن أدولف هتلر علي أبواب الاسكندرية‏,‏ بهدف زرع الخوف في يهود مصر وحملهم علي البحث عن ملاذ في أرض الميعاد ليكونوا رصيدا بشريا للمشروع الصهيوني في فلسطين‏.‏
وتقول الباحثة إنه في ديسمبر‏1943‏ قام أحد اعضاء الإدارة الصهيونية وهو موشي شارتوك فيما بعد بزيارة القاهرة صادق فيها علي مشروع تسور بتعيين لجنة مؤقته برئاسة ال‏maitre(‏ المحامي‏),‏ كما تقرر تعيين كاسترو ايضا ممثلا شرفيا للوكالة اليهودية في مصر لضمان قيام التعاون بين الاتحاد الفيدرالي الصهيوني في مصر وبين الوكالة اليهودية في القدس‏.‏
وفي يناير عام‏1944‏ عين كاسترو رسميا رئيسا للجنة المؤقتة للاتحاد الفيدرالي الصهيوني في مصر وفي خطاب التعيين الرسمي حرصت الوكالة اليهودية علي التأكيد ان تعيين رئيس للاتحاد الفيدرالي واللجنة المؤقتة التابعة له أمر مخالف لما وصفته بالمبادئ الديمقراطية للحركة الصهيونية‏,‏ لكنها لم تجد بدا من ذلك بسبب الوضع الشاذ القائم في مصر وهو عدم وجود اتحاد فيدرالي صهيوني فيها وفي خطاب رسمي آخر عين كاسترو وايضا رئيس شرفيا للوكالة اليهودية في مصر وافتتح مكتب صهيوني رئيسي في الطابق الرابع من مبني مرموق في شارع عماد الدين رقم‏116‏ في قلب القاهرة‏,‏ وعند مدخل المبني علقت لافتة كتب عليها‏:(Jewish.agency.forpalestine)‏ وسمحت السلطات البريطانية بفتح المكتب كمكتب إسرائيلي ليكون مفوضية تابعة لقسم الهجرة بالوكالة اليهودية التي تقوم بإصدار تصاريح الهجرة إلي فلسطين وسرعان ما تحول هذا المكتب إلي مركز للنشاط والحياة الصهيونية في القاهرة ونقلت اليه مكاتب الهستدروت الصهيوني وصناديق جمع التبرعات التي عرفت ب الوطنية ومكاتب لجنة رعاية الجنود الصهاينة ومكتب ليفي إفراهام ممثل منظمة الهجاناة في مصر وفي هذا المركز كانت تعقد اسبوعيا المؤتمرات والاجتماعات‏,‏ كما كانت تلقي فيه دروس تعليم اللغة العبرية‏,‏ وكذلك اقيمت مكتبة لإعارة الكتب الأدبية الصهيونية‏,‏ ومن هذا المكتب بدأ تدشين النشاط الصهيوني في مصر بعد إعادة تنظيمه‏.‏
حركة لها زعيم
وكالعادة دائما فقد دبت الخلافات بين الاتحاد الفيدرالي الصهيوني الجديد ولجنته باعتباره تنظيما جامعا لكل المؤسسات الصهيونية في مصر وباعتباره تنظيما طليعيا حمل علي عاتقه منذ أول يوم لتأسيسه مهمة تدريب الشباب اليهودي والصهيوني وتأهيله في مصر استعدادا لتهجيره حيث الكيان الوليد علي أرض فلسطين العربية وبين التنظيمات الصهيونية الطليعية التي تعمل في نفس الحقل ايضا أي في تدريب الشباب وتأهيله استعدادا لتهجيره وعلي رأسها حركة الحارس الشاب وفرعها في مصر العبري الشاب الطليعية ايضا واتخذت الأخيرة من تعيين لجنة الاتحاد الفيدرالي من قبل الإدارة الصهيونية ستارا لصراعها العلني الذي خاضته ضد الاتحاد لكسب الرأي العام في المعسكر الصهيوني في مصر‏,‏ ولسحب الشرعية من التنظيم الصهيوني الجديد‏,‏ إلا أن الحركة العالمية اليهودية لاحتلال فلسطين‏(‏ الحركة الصهيونية‏)‏ تدخلت لفض النزاع واستطاعت إقناع حركة الحارس الشاب بالانضمام إلي الاتحاد الفيدرالي الصهيوني وهكذا فتح الطريق امام التنظيم الجديد لكي يمارس نشاطه الصهيوني في مصر من أوسع أبوابه وأعلنت الحركة الصهيونية علي لسان ممثلها تسور لدي عودته إلي فلسطين قادما من القاهرة أن الحركة الصهيونية في مصر وجدت لها زعيما كاسترو‏.‏
وفي يناير عام‏1944‏ انتخب كاستروا ايضا مديرا للمكتب الكبير مكتب منظمة بني بريت في مصر والسودان التي كانت دائما تنفي أي علاقة لها بالصهيونية وتحول مكتب كاسترو‏,‏ إلي مركز لنشاط الحركة اليهودية العالمية لاحتلال فلسطين‏(‏ الحركة الصهيونية‏)‏ في مصر‏,‏ وعلي الفور قام كاسترو بتشكيل اللجان البلدية‏,‏ لجنة في القاهرة برئاسة يعقوب وايزمان واخري في الاسكندرية برئاسة روفائيل دوبك‏,‏ وهاتان اللجنتان خلفتا الهستدروت الصهيوني بالقاهرة والإسكندرية اللذين ظلا يمارسان عملهما حتي يناير عام‏1944,‏ وإلي جانب هاتين اللجنتين كان هناك وفد مقيم في مصر للوكالة اليهودية مكون من يعقوب تسور وروث كاليجر ومدربي الشباب الصهيوني الثلاثة‏(‏ وكلهم كانوا من صهاينة فلسطين استقدمتهم الحركة لممارسة نشاطها وتنفيذ مخططها من مصر‏)‏ وعمل هذا الوفد وكذلك لجنتا الاتحاد الفيدرالي في تنسيق وانسجام كامل فيما بينهم وبين كاسترو‏,‏ وكانوا يتعاونون مع اللجان الصهيونية في القاهرة والإسكندرية‏,‏ كما ساعدوا في اقامة مختلف اللجان التي شكلت في مصر فيما بعد‏,‏ ومنها لجنة الإصدارات والنشر التي كانت موكلة بإعداد نشرات معلوماتية وترجمة وإصدار الكتب الأدبية الصهيونية‏,‏ وأخذ رئيس الاتحاد الفيدرالي يتردد بكثرة علي القدس ليقيم علاقات وطيدة مع قادة الوكالة اليهودية الذين كانوا يكلفونه بمهام عامة خدمية كثيرة‏,‏ وبتشجيع منه تم للمرة الأولي توحيد كل حملات جمع التبرعات الصهيونية في لجنة واحدة واطلق عليها اسم الجباية الصهيونية الموحدة وكان الاتصال الهاتفي بين المبعوثين الصهاينة في مصر وبين القدس يتم يوميا‏,‏ وكانت المراسلات تتم بشكل مستمر وكانت المواد الإعلامية والتعليمية بما فيها الصحف اليومية دافار وهاآرتس وفلسطين بوست تصل الي القاهرة يوميا‏,‏ واتسع النشاط الثقافي بمقر الاتحاد الفيدرالي وكانت تجري فيه مرة كل أسبوع صحيفة شفوية‏!‏ وكان المبعوثون الصهاينة يلقون كل مساء محاضرات عن قضايا الساعة الصهيونية واليهودية‏,‏ كما كانت تعرض الأفلام عن الحياة في إسرائيل‏.‏
كل ألوان الطيف
وقد أسهم هذا النشاط في جذب الكثير والكثير من اليهود غير المتصهينين بالجالية اليهودية‏,‏ وكانت كل يوم تلقي ثلاثة دروس في اللغة العبرية‏,‏ وكان بعض المصريين من غير اليهود يحضرون هذه الدروس أيضا وأخذ كاسترو يضم للاتحاد حركيين جدد من القاهرة والإسكندرية لتنظيمه الصهيوني‏,‏ منهم أثرياء وكثيرون ممن كانوا متزوجين من مسيحيين مسيحيات ومسلمين كما أخذ يضم أيضا شخصيات لم تكن تمارس أي نشاط يهودي أو صهيوني في مصر وحول كاسترو منزله الي ملتقي للمثقفين شمل كل ألوان الطيف شيوعيين واشتراكيين وغيرهم لمناقشة القضايا الفكرية والسياسية وأخذ عدد الأعضاء بالقاهرة والإسكندرية وبورسعيد وبعض المحافظات الأخري بالاتحاد الفيدرالي من اليهود والصهاينة يتزايد يوما بعد يوم‏,‏ ورصدت الوكالة اليهودية لنشاط الاتحاد الفيدرالي بالقاهرة‏240‏ جنيها شهريا لسنة العمل‏1943‏ 1944‏ ثم رصدت‏100‏ جنيه مصري شهريا بعد ذلك للاتحاد‏,‏ وكان كاسترو يطالب برصد ألف جنيه سنويا للإنفاق علي نشاط اتحاده الفيدرالي الصهيوني‏,‏ إلا أن الوكالة رفضت طلبه‏.‏
وفي زيارته لفلسطين في عام‏1944‏ عقد كاسترو مؤتمرا صحيفا في تل أبيب أعلن فيه أن يهود مصر تبرعوا لحملة فداء الأسري وحدها التي كان يرأسها هو بمبلغ‏100‏ ألف جنيه مصري وأنهم استثمروا في هذا العام وحده نصف مليون جنيه في مشروعات الحركة الصهيونية في فلسطين‏.‏
أيضا في هذا المؤتمر ذكر كاسترو أن ميل يهود مصر لإسرائيل قد ازاداد بسبب مخاوفهم من مستقبلهم في مصر‏,‏ كما هاجم سياسة حزب الوفد التي تنادي بالوحدة العربية خلافا لسياسة سعد زغلول مؤسس الحزب علي حد قوله الذي دائما ما كان يقول إن المصريين ليسوا عربا ودائما ما كان يريد مصر دولة متقدمة وحديثة وعلي الفور هاجت المؤسسات الصهيونية في فلسطين لتصريحات رئيس الاتحاد الفيدرالي الصهيوني في مصر وماكشفه عن حجم تبرعات يهود مصر لصهاينة فلسطين ومؤسساتها وحجم استثمارهم في مشروعاتهم‏,‏ فصحيفة الوكالة اليهودية‏(‏ صدي الشرق‏)‏ الناطقة بلسان القطاع المدني باليشوف‏(‏ المؤسسات والمستعمرات الصهيونية في فلسطين‏)‏ والتي كانت مقربة من دوائر مجلس الجالية اليهودية في مصر هاجمته بشدة وقالت إنه ظل طوال عمره من المعارضين لرئيس الحركة اليهودية العالمية لاحتلال فلسطين‏(‏ الحركة الصهيونية‏)‏ حاييم وايزمان ومن أعدائه اللدودين‏,‏ والآن يكيل له المديح من هنا لأن مناصبه التي يتولاها تتطلب ذلك‏.‏
إن الذي يقف هنا كممثل يهود مصر لم يكن عضوا حتي في لجنة الجالية اليهودية في مصر ولا عضوا في أي مؤسسة صهيونية رسمية في مصر‏.‏ ووصفت الصحيفة ما قاله في المؤتمر بأنه سيلحق ضررا بأعضاء الجالية ويعرضها للاضطهادات والملاحقات‏,‏ وفي مصر أثارت تصريحاته وانتقاده لحزب الوفد ردود أفعال وانتقادات عنيفة له‏,‏ فقد هاجمته صحيفة البلاغ الموالية للحزب الحاكم الوفد بسبب ما وصفه بأنه خيانة من جانب مصطفي النحاس باشا لمبادئ وأفكار سعد زغلول مؤسس الحزب ووصفت الصحيفة تصريحات رئيس الاتحاد الفيدرالي الصهيوني في القدس بأنها جريمة شنعاء ارتكبها كاسترو بحق مصر كذلك دعت الصحيفة الحكومية المصرية لاتخاذ إجراءات فورية لمنع تهريب الأموال من مصر للمؤسسات الصهيونية في فلسطين وقالت صحيفة فلسطين التي كانت تصدر في مصر إن الملايين التي استثمرها يهود مصر في المشروعات الصهيونية في فلسطين قد ألحقت أضرارا بالغة بمصر وبالشعب وبالعرب في فلسطين‏.‏
حملات انتقاد مصرية
وإزاء حملات الانتقاد المصرية هذه نصحت الوكالة اليهودية عبر قسمها السياسي رئيس الاتحاد الفيدرالي الصهيوني في مصر بنفي ماقاله‏,‏ وقد نفي كاسترو‏,‏وفي نهاية أكتوبر من هذا العام شنت عليه حملة شعواء في مقال لرئيس تحريرها اتهمه فيه بالتسبب في التوتر الذي حدث بالشارع المصري تجاه الجالية اليهودية والذي أدي إلي حدوث انشقاق عميق وخطير بالجالية اليهودية بالقاهرة كما اتهمه بالتنطع والتسول وبأن أحدا لم ينتخبه وبأنه عميل لمؤسسات يهودية مهمة تمنحه مرتبات كبيرة كما دعاه إلي تقديم استقالته لكي تهدأ الأنفس في مصر إلا أن أهم ما أسفرت عنه تصريحات رئيس الاتحاد الفيدرالي الصهيوني في فلسطين المحتلة والتي أثارت عليه ثائرة صهاينة فلسطين والمؤسسات الصهيونية هناك وكذلك الشارع المصري والأوساط الحزبية في مصر هو أنه اصبح هو واتحاده هدفا للأجهزة الاستخباراتية البريطانية والأمنية المصرية‏,‏ كما تقول الباحثة الصهيونية فقد بدأت الاستخبارات البريطانية تدس انفها في الاتحاد الفيدرالي الصهيوني وترسل بتقاريرها الاستخباراتية إلي قياداتها في لندن والخارجية البريطانية‏,‏ كما اخذ السفير البريطاني بالقاهرة كيلرن يبعث بتقاريره إلي المندوب السامي البريطاني المقيم بالقاهرة اللورد موين‏,‏ إلا أن المعلومات الاستخباراتية التي كانت ترد بهذه التقارير لم تكن تبدو فيها متابعة نشاط المبعوثين‏,‏ وكان الهدف من هذه التقارير هوتجهيزها عند اللزوم‏,‏ كما تقول الباحثة الصهيونية‏:‏ أما عن جهاز الأمن الداخلي الذي كان يعمل في مصر في تلك الأيام فقد كان هذا الجهاز يعمل في إطار هيئة الأركان العامة للقوات البريطانية في الشرق الأوسط وكان يطلق عليه اسم‏Defencesecurityoffice_DSO‏ وكان يقوم بمهام الأمن العام وكان علي اتصال بالسلطات المصرية‏!(‏ وزارة الأمن علي سبيل المثال‏)‏ وبالسفارة البريطانية بالقاهرة‏,‏ وكان يرأس شرطة القاهرة بريطاني يدعي ريتشارد جيلي باي‏,‏ وكان نائبه مصريا قبطيا يدعي كمال رياض‏,‏ وكان هذا النائب القبطي المصري مجندا من قبل القسم السياسي بالوكالة اليهودية بالقدس ومن قبل جهاز الاستخبارات التابع لمنظمة الهجاناة الصهيونية واسمه شاي‏.‏
وفي نوفمبر‏1944‏ قامت منظمة ليحي الصهيونية باغتيال الوزير البريطاني بالقاهرة المقيم في مصر اللورد موين وسارع الصهيوني الثاني المؤسس للاتحاد الصهيوني الفيدرالي يعقوب تسور إلي مكاتب الاتحاد الفيدرالي والوكالة اليهودية بالقاهرة خوفا من عثور قوات الشرطة البريطانية والمصرية علي الملابس والبطاقات وبطاقات الهوية الخاصة بالجيش البريطاني المزيفة التي كان يستخدمها الحركيون الصهاينة في فلسطين للسفر إلي مصر وليبيا وتونس واستدعي اتباعه وقام بإحراق كل الأوراق والمعدات في مخبز يهودي بشارع عماد الدين ولم تقم السلطات البريطانية عقب عملية الاغتيال بإغلاق مكاتب المؤسسات الصهيونية في مصر وإنما اكتفت بحظر عقد المؤتمرات والاجتماعات الصهيونية العامة بالاتحاد الفيدرالي الصهيوني وغيره لإرضاء الرأي العام الحزبي والشعبي في مصر‏,‏ وقد أدي ذلك إلي الحد من وتيرة النشاط الصهيوني في مصر ثم إلي وقف السلطات البريطانية تعاملها مع كاسترو خشية اتهام المصريين لبريطانيا بدعم وتأييد النشاط الصهيوني في مصر‏,‏ وكذلك ادي إلي نشوب حالة من العداء من جانب أعضاء الإدارة الصهيونية برئاسة حاييم وايزمان وديفيد بن جوريون تجاه كاسترو‏,‏ وفي النهاية قرر موشي شاريت الاستغناء عن خدماته‏,‏ الأمر الذي أدي بدوره إلي استقالة وانهيار الاتحاد الفيدرالي الصهيوني‏.‏
انهيار التنظيم
وعن اسباب فشل هذا التنظيم وضعف النشاط الصهيوني في مصر في نظر الباحثة في تلك الفترة فإن الباحثة الصهيونية تري ان عمر هذا التنظيم بالفعل كان أربعة أعوام تقريبا‏,‏ إلا أن نشاطه الفعلي لم يستغرق سوي عام واحد فقط‏,‏ وتمثل في بذل جهود كبيرة في تجنيد أعضاء جدد‏,‏ وبلغ ذروته بعقد الاجتماعات والمؤتمرات العامة في كل المدن المصرية وانتخاب اللجان الصهيونية وعقد مؤتمر قطري للاتحاد الفيدرالي‏.‏
ومع مغادرة الرجل الثاني المؤسس لهذا التنظيم وهو يعقوب تسور مصر إلي فلسطين‏,‏ خبا هذا النشاط وانهار‏,‏ إلا أن مغادرة تسور لم تكن السبب الوحيد في انهيار هذا التنظيم‏,‏ فقد أسهم في ذلك قي تفاقم الوضع السياسي في مصر ومشاعر العداء لليهود التي كانت تطل من تحت السطح والتي بلغت ذروتها في اضطرابات نوفمبر عام‏1947‏ وما أعقبها من مخاوف‏.‏
هذه المخاوف التي أثرت علي أعضاء اللجان الصهيونية الذين أخذوا ينسحبون من هذا النشاط تدريجيا‏,‏ وكان سبب هذه المخاوف هو رد فعل الشارع المصري إزاء الأجانب واليهود الصهاينة من بينهم‏,‏ ولم يكن سببها الانشطة والعمليات التي كانت تقوم بها السلطات في ذلك الوقت تجاه النشاط الصهيوني لقد كان البريطانيون يدركون انه من الأفضل أن توظف‏,‏ وأن تستغل المشاعر الصهيونية‏,‏ خاصة الشباب منهم في الأطراف غير المتعصبة أو المتطرفة التي كانت تحت المراقبة والمتابعة لا أن توظف في الدوائر الصهيونية أو الإصلاحية‏,‏ وكان المصريون يفضلون النشاط الصهيوني علي النشاط الشيوعي الذي كانوا يعتبرونه خطرا علي نظام الحكم‏,‏ ولهذا السبب فإنه حتي عندما كانت هناك دلائل علي وجود مراقبة ومتابعة بين الحين والآخر علي النشاط الصهيوني فإن هذه الأدلة وهذه الدلائل كانت ضئيلة وكانت بمثابة تأدية واجب تجاه الرأي العام لكنها لم تكن لترقي إلي خطر فعلي علي الحركيين الصهاينة في مصر‏.‏
وكانت أسباب ضعف الاتحاد الفيدرالي هي بدرجة كبيرة نفس الأسباب التي أدت إلي ضعف التنظيمات الصهيونية في مصر في العشرينيات والثلاثينيات لقد كان من الوهم أن يعتقد أن قرارا من القيادات الصهيونية العليا أو القيام بعمل صهيوني من شأنه أن يغير التقاليد الثقافية والاجتماعية اليهودية بالجالية لقد نجح الهجوم الجبهوي الذي كانت تشنه المؤسسات الصهيونية في فلسطين‏(‏ اليشوف‏)‏ في إحداث انتفاضة مؤقتة سرعان ما كانت تذوب تدريجيا بعد انتخابات اللجان الصهيونية وزيادة عدد أعضاء اللجان إلي أربعين عضوا في كل مدينة بمصر مما أتاح منح هؤلاء الأعضاء ألقابا فخرية‏,‏ إلا أن نشاط هؤلاء الأعضاء كان يقتصر علي عقد المؤتمرات وإجراء المناقشات ولم يكن هؤلاء الأعضاء يقومون بأي نشاط عملي فعلي‏,‏ كان باقي الأعضاء الذين لم ينتخبوا باللجان يعودون إلي غيبوبتهم‏..‏أيضا كان حماس المؤسسات الصهيونية في فلسطين للقيام بنشاطات في الدول الإسلامية يتبدد بعد أن فتحت أمامها أبواب أوروبا من جديد‏(‏ بعد الحرب الثانية‏)‏ وبعد العامين الأولين اللذين كانت تمنح فيهما الأموال بسخاء للنشاط الجاري الذي كان يقوم به الاتحاد الفيدرالي في مصر وللدعاية بالصحف كانت صنابير العطاء تغلق مرة ثانية وكان المبعوثون يعودون إلي أوروبا وكان القليلون منهم يأتون إلي مصر وحتي هؤلاء كان يقتصر نشاطهم في مصر علي الشباب فقط‏.‏
وخلافا للفترات السابقة‏,‏ ففي هذه الفترة كان هناك عامل آخر أضيف لاحتمال تغيير الصورة وتغيير الوضع وهو كاريزمية الزعيم ليئون كاسترو ورئيس الاتحاد الفيدرالي‏,‏ فقد كان هو وليس يعقوب تسور أو عقيبا إيجار يمثل قوة جذب لأولئك الحركيين الجدد الذين انضموا إلي الاتحاد الفيدرالي الصهيوني وهو في أول طريقه إن ليئون كاسترو الأربعينيات لم يكن هو ليئون كاسترو العشرينيات‏,‏ فنشاطه الحثيث والدءوب الذي كان يقوم به في ليكا في الثلاثينيات جعله موضع إعجاب وتقدير من جانب دوائر عديدة‏,‏ ومن ثم فإنه من الممكن الاعتقاد بأن أحد الأسباب الرئيسية للتراجع التدريجي في نشاط الاتحاد الفيدرالي الصهيوني هو الانخفاض التدريجي في دافعه علي العمل العام كثيرا فقد كان يحب أن يظهر في المؤتمرات والاجتماعات العامة‏,‏ وكان يحب أن يري الأشخاص ولم تكن قوته في العمل التنظيمي‏,‏ بل كانت قوته في إلقائه للخطب وفي الاجتماعات العامة التي كانت تجذب الجماهير اليهودية وفي العمل السياسي في مواجهة السياسيين‏,‏ ولم تكن في العمل الصهيوني التقليدي اليومي ومنذ اللحظة التي اضطر فيها بناء علي تعليمات موشي شارتوك عضو الإدارة الصهيونية ورئيس الوكالة اليهودية في ذلك الوقت الي الامتناع عن حضور الاجتماعات العلنية وإلي خفض نشاطه بدأ يفقد حماسه للعمل‏,‏ تضاف إلي ذلك الإهانات الشخصية التي كان يتعرض لهامن جانب قادة الحركة اليهودية العالمية لاحتلال فلسطين‏(‏ الحركة الصهيونية‏)‏ بالاضافة الي تدهور حالته الصحية ومن ثم قرر المغادرة والرحيل‏.‏
هدف لم يتحقق
إن كاسترو الذي قال عنه تسور إن الحركة الصهيونية وجدت لها زعيما كان بالفعل هو الزعيم الذي لم يجد حركة لقد كان كاسترو الزعيم هو الاتحاد الفيدرالي الصهيوني‏,‏ وعندما رحل عن المسرح لم تأت الجماهير وأسدل الستار وانفض العرض وبلغ الاتحاد الفيدرالي نهايته فهل حقق الاتحاد الفيدرالي الهدف من إنشائه؟ إننا إذا اعتبرنا أن الهدف من إنشائه هو السيطرة وجذب الجماهير اليهودية في مصر للصهيونية فإن هذا الهدف لم يتحقق وإذا ما استشهدنا بما قالته صحيفة الحركة الصهيونية في فلسطين صدي الشرق بأن الجبل ولد فأرا فقد صح إذا الوصف وانطبق علي الاتحاد الفيدرالي‏,‏ وحتي إذا اعتبرنا أن وجود حوالي ألف عضو صهيوني بالاتحاد بعد أول عام من قيامه كان نجاحا للاتحاد فإن هذا النجاح لم يكن نجاحا باهرا‏,‏ فبالمقارنة إلي وجود‏20‏ ألف عضو بالجالية في سن النشاط الصهيوني‏(20‏ 69‏ عاما‏)‏ فإننا نقرر أن الجالية اليهودية في مصر لم تنسق وراء الصهيونية‏,‏ يضاف إلي ذلك أن هذه الزيادة في عدد الأعضاء في حركة الشباب الصهيونية التي كانت تقدر بأكثر من نصف عدد أعضاء الاتحاد وحتي قادة الحركة الصهيونية كانوا يعترفون بأنه علي الرغم من الزيادة النسبية في عدد أعضاء الاتحاد الفيدرالي فإن هذا الاتحاد لم يكن تنظيما صهيونيا جادا وأنه لم يكن هناك أمل في إحداث تغيير في جيل الصحراء جيل كبار السن في الجالية اليهودية في مصر لقد كان الجري وراء المكانة والوضع الاجتماعي أهم من الموضوع الصهيوني ذاته‏.‏
وفي كل مرة كانت تتوافر فيها الطاقات والحماس فإن هذا الحماس لم يكن يوجه إلي العمل الجدي وإنما كان يوجه الي صراعات القوي‏,‏ ومن الصعب التخلص من الإحساس بأنه لو أن لجنة الاتحاد الفيدرالي بذلت كل طاقتها التي بذلتها في انتخابات الكونجرس الصهيوني في عام‏1946‏ علي سبيل المثال بدلا من بذلها في صراعات القوي لكان حال الاتحاد ووضعه أفضل‏.‏
وفي عام‏1943‏ قبل إقامة الاتحاد الفيدرالي كان أعضاء حركة العبري الشاب الشبابية الطلائعية هم القوة الصهيونية الفاعلة وذات النفوذ والغلبة بالهستدروت الصهيوني‏,‏ وبعد تفكك الاتحاد الفيدرالي في عام‏1947‏ عادت حركة العبري الشاب لتمسك بكل خيوط العمل الصهيوني في مصر وترجل جيل كبار السن عن المسرح ورحلوا عنه وعاد الشباب الذين كان مبعوثو الحركة الصهيونية العالمية في فلسطين يعلقون عليهم الآمال في تغيير وجه الصهيونية في مصر‏,‏ عادوا ليمارسوا عملهم الصهيوني ولم يخيبوا الآمال فيهم وعلي النقيض من العمل الصهيوني بين كبار السن فإن العمل بين الشباب كان أنجح‏.‏
وتقول الباحثة الصهيونية إن حالة رئيس الاتحاد الفيدرالي الصهيوني في مصر منعته من الهجرة إلي إسرائيل إلا أنه وعلي الرغم من نشاطه الصهيوني لم يعتقل في مايو عام‏1948‏ مع باقي الحركيين الصهاينة ومن الممكن الاعتقاد بأن المصريين كانوا يذكرون له صنيعه في فترة شبابه في سنوات عمله إلي جانب سعد زغلول أبو الوطنية المصرية انتهي عمره في المستشفي اليهودي بالإسكندرية ولم يكن يقف بجانبه سوي زوجته وصديقه المخلص إيلي بوليتي‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.