بعد أن تم للمسلمين فتح الأهواز, كان كسري يزدجرد بمرو, ومازال لديه من الأرض متسع, مما دعاه أن يستنفر جنوده لاسترجاع ما أخذه المسلمون من أراضي بلاده, وقد دفعه إلي ذلك انحياز أهل الأهواز له. فكتب عمر بن الخطاب إلي سعد بن أبي وقاص أن يبعث بعثة كثيفة إلي الأهواز بقيادة النعمان بن مقرن, وأن يبعث سويد بن مقرن, وعبد الله بن ذي المسهمن, وجرير بن عبد الله البجلي لينزلوا أمام الهرمزان بالقرب من( رامهرمز) كما كتب إلي موسي الأشعري أن يرسل عددا للمسلمين في الأهواز بقيادة البراء بن مالك, وعاصم بن عمرو, فتوجه النعمان بن مقرن إلي الأهواز, ثم قصد رامهرمز. كلما سمع الهرمزان ذلك طمع في قصر أهل الفرس, وبادره بقتله في( زربك) واقتتلوا قتالا شديدا مع أدلة الفرس في( تستر), فانهزم الهرمزان أمام شجاعة المسلمين, ولحق بتستر واستولي النعمان بن مقرن علي( رامهرمز), إلا أن المسلمين استطاعوا أن يتتبعوا الهرمزان بعد أن جاءهم مدد بقيادة أبي موسي الأشعري حيث زاحف المسلمون الفرس بثمانين زحفا انتصروا فيها مرات وانهزموا مرات أخري حتي إذا وصلوا إلي آخر زحف قال المسلمون للبراء بن مالك يا براء اقسم علي ربك ليهزمنهم وكان البراء مستجاب الدعوة فقال البراد: اللهم اهزمهم واستشهدني, فهزمهم واقتحموا عليهم خنادقهم. ثم أرسل أبو موسي الأشرس بن عوف الشيباني ليحضر له( الهرمزان), فأتاه به لابسا طيلسانه, فأرسله أبو موسي الأشعري إلي عمر بن الخطاب بالمدينة مع أبي سيرة بن درهم, فلما وصل الوفد المدينة وجدوا عمر نائما في المسجد متوسدا برنسه فدهش الهرمزان حيث رآه بلا حاجب أو حارس ودرعه معلقة في ذراعه فقال: ما هذا إلا نبي, فقالوا له: لا وإنما يعمل عمل الأنبياء فلما استيقظ عمر, حمد الله جل وعلا وقال ينصح المسلمين بأن يتمسكوا بالدين الإسلامي القويم حتي يعزهم الله جل وعلا. إلا أنه رفض أن يكلم الهرمزان حتي يخلع حله وطيلسانه, ثم قال له عمر ما يقول فيما حدث لك يا ملك الأهواز؟ فقال له يا عمر إنا كنا وإياكم في الجاهلية, وكان الله قد خلي بينه وبينكم فغلبناكم, إذ لم يكن معنا ولا معكم, فلما كان معكم غلبتمونا فقال عمر: إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم, وقد ظل الهرمزان يستعطف عمر, ويطلب منه أن يؤمنه علي نفسه حتي اطمأن إليه فنطق الشهادتين لينجو من القتل, فلما أسلم أقامه عمر في المدينة إلا أنه عاد إلي خيانته حتي حرض لؤلؤ المجوسي الذي قتل عمر فيما بعد. وجميع هذه الحروب التي كانت عقب( القادسية) بين العرب والفرس كانت نتيجة محاولة الفرس استرجاع أراضيهم من المسلمين إلا أن المسلمين جاهدوا لكسر شوكة الفرس. والاستيلاء علي كل موقع يتجمع فيه الفرس. إلا أن الخليفة عمر خشي علي جنوده من التوغل في أرض الفرس خشية من مباغتة الأعداء لهم, وأن يقطعوا عليهم خط الرجعة. (معركة نهاوند الأسبوع القادم بمشيئة الله تعالي) د. سامية منيسي