عاد إلي السطح مرة أخري الحديث عن مجانية التعليم وبدأت البرامج التليفزيونية والتوك شو والصحف القومية والخاصة حملة جديدة تنادي بوجود ضوابط حقيقية لمجانية التعليم حتي يستفيد منها الفقراء المستهدف الأول لها لا الأغنياء الذين يدفعون مئات الآلاف في تعليم أبنائهم في مدارس دولية ويتسرب الفقراء لعدم مقدرتهم استكمال التعليم بعد أن تحول التعليم إلي مصروفات باهظة لا تستطيع الأسر الفقيرة تحملها, وقد اعجبني التحقيق الذي قامت به الزميلة كريمة عبد الغني بالأهرام الأم وركزت فيه علي المجانية في التعليم الجامعي وان كنت أري أن يتم التركيز علي المجانية في التعليم قبل الجامعي, خاصة بعد أن تحولت إلي وهم كبير وتسرب الأطفال إلي الشوارع او الورش, وان مشاكل التعليم قبل الجامعي تحتاج إلي ثورة حقيقية تناقش كل الأسباب بما فيها المجانية لحماية الفقراء والمجتمع ككل لان التسرب ينتج عنه أطفال الشوارع وبلطجة وترويع امني وانهيار المهن والصناعات الصغيرة وانهيار اقتصادي. وأري أن السبب الحقيقي للتسرب من التعليم هو التكاليف الباهظة للتعليم خلال المرحلتين الإعدادية والثانوية وانتشار الدروس بهم بشكل لافت جدا أدي إلي تفاقم المشكلة وفشل الدولة في سد منابعها ولنترك تصريحات المسئولين حول نسب التسرب ونعود للدراسات العلمية الحقيقية حتي ننجح في تشخيص المشكلة وإيجاد حلول واقعية لها, فالتسرب أصبح مثل وعاء مخروم مليء بالمياه يقوم بتسريب المياه ولا يتبقي منه إلا كمية بسيطة في القاع هي محصلة أبناء الطبقة الغنية والمتوسطة والذين يمثلون نحو20% من المجتمع المصري وسقط80% في الشارع بلا مأوي وبلا تعليم, ومن هنا يقع العبء الأكبر والحقيقي علي الدولة في إيجاد حلول من خارج الصندوق ومبتكرة وهناك أشياء قديمة كانت تساعد علي التعلم تم إلغاؤها مثل الكشاكيل والكراريس المجانية التي توزع علي التلاميذ والأدوات المدرسية وتحريم الدروس الخصوصية لكي تصل المجانية فعلا ويتم وقف نزيف التسرب كما يتطلب ذلك فرض نسب من دخول المستثمرين ورجال الأعمال والأغنياء يتم تحويلها لصندوق دعم المشروعات التعليمية للإنفاق علي التعليم بهذه المرحلة الأهم التي يبني عليه تطوير واستقرار المجتمع مع تبني الدولة المتميزين من أبناء الفقراء لاستكمال التعليم بمرحلة التعليم الثانوي والجامعي مع تحويل التعليم الفني إلي قطاعات إنتاجية ذات دخول وعوائد مادية للطالب تدفع أبناء الفقراء من إيجاد مهن يستخدمها عقب التخرج وبهذا نكون قد قضينا علي الجزء الأكبر من البطالة المنتشرة بين خريجي التعليم الفني ومن هنا تأتي أهمية التعليم الفني الانتاجي في توفير العمالة الماهرة وانخفاض نسبة الجريمة لان من وجهة نطري وبعض الدراسات التي قرأتها في هذا المجال ان تعليم جيد ومتميز في مرحلة التعليم قبل الجامعي أفضل بكثير وعوائده سريعة علي المجتمع اجتماعيا واقتصاديا وأفضل بكثير من التوسع في تعليما جامعيا مبنيا علي أساسات منهارة وبالتالي يوجد خريج جامعي لا يتمتع بالمهارات فينضم إلي قائمة البطالة وتستورد مصر العمالة من الخارج فتكون التكلفة مضاعفة وهؤلاء العاطلين من الجامعيين أكثر خطرا علي المجتمع من المتسربين لأنهم يكونوا ناقمين وحاقدين علي غيرهم من المتفوقين وعلي المجتمع ككل لإحساسهم بالظلم وعجز الدولة عن توفير عمل لهم. وان ذلك يكون عبئا كبيرا علي القيادات السياسية التي تحتاج إلي رؤية جديدة ومغايرة للواقع التعليمي المصري ويكون هدفها نهضة تعليمية حقيقية تبني مصر المعاصرة وان تكون من خارج التفكير النمطي الذي توارثوه علي مدي عشرات السنين وان يكون التعليم هو المشروع القومي للمجموعة السياسية خلال المرحلة المقبلة وعندما أقول مجموعة سياسية اقصد جميع الأحزاب ورجال الاقتصاد والجمعيات الأهلية والمجتمع ككل والحكومة نفسها التي يمكن أن تتغير ولكن تبقي الإستراتيجية القومية المشارك فيها والفاعل الكبر المصريين اجمع ويجب تجنبها أصحاب المصالح والأجندات المعوقة لإحداث تقدم في مصر. [email protected]