في9 يناير2005 وقعت حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان علي اتفاقية السلام الشامل, وضمن بروتوكول ماشاكوس الموقع في20 يوليو2002 كفصل أول في الاتفاقية, وغني عن القول فقد نص البروتوكول علي حق شعب جنوب السودان في تقرير المصير عبر استفتاء لتحديد وضعهم المستقبلي, كما نص علي أنه عند نهاية الفترة الانتقالية المحددة بستة أعوام يجري استفتاء لشعب جنوب السودان لكي يؤكد وحدة السودان أو يصوت للانفصال. ويلاحظ أنه قد وقع علي الاتفاقية كشهود رؤساء دول ووزراء خارجية وممثل للأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لجامعة الدول العربية ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي وممثل لمنتدي شركاء الإيقاد وممثل للاتحاد الأوروبي وغيرهم, ويجدر بنا أن ننوه إلي أن توقيعات هؤلاء ليست لها أي قيمة من الوجهة القانونية, ولا تجعل من دولهم أو المؤسسات التي يمثلونها ضامنة لتنفيذ الاتفاقية, فالقاعدة الأصولية تقضي بأن الاتفاقيات لا تفرض التزامات أو ترتب حقوقا إلا لأطرافها. حصلت اتفاقية السلام الشامل علي ضمان دستوري بموجب المادة225 من دستور السودان الانتقالي لعام2009, وحصل حق تقرير المصير علي الضمان نفسه وفقا للمادة219, وكذلك المادة222 التي نصت علي إجراء الاستفتاء قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية, كما نصت علي أن يصوت مواطنو الجنوب لتأكيد وحدة السودان باستدامة نظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام والدستور, أو اختيار الانفصال. إذا اختار شعب الجنوب الانفصال فإن ذلك سيفضي إلي تطبيق فرع القانون الدولي المسمي خلافة الدولStateSuccession, يعالج هذا الفرع النتائج التي يرتبها حدوث تغيير في السيادة علي إقليم ما, فخلافة الدول تعني حلول دولة محل دولة أخري في المسئولية عن العلاقات الدولية لإقليم من الأقاليم, ويعتبر تاريخ الحلول هذا هو تاريخ الخلافة, وحتي تكون الصورة أكثر وضوحا نقول إنه عند حدوث خلافة دول فإن السيادة علي إقليمجنوب السودان ستنتقل إلي الدولة الجديدة التي ستؤسس فيه وتعرف بالدولة الخلفSuccessorState, أما الدول المتقدمة في الشمال فستعرف بالدولة السلفPredecessorState, وعندئذ ستنتهي مسئوليتها عن العلاقات الدولية لإقليمجنوب السودان, وفي تاريخ الخلافة ستتحول حدود عام1956 المتفق عليها من حدود داخلية أو إدارية إلي حدود دولية يحميها القانون الدولي, ففي رأيها رقم(3) أفتت مفوضية التحكيم الخاصة بيوجسلافيا بأن الحدود الداخلية بين كرواتيا وصربيا, والبوسنة والهرسك وصربيا قد أصبحت حدودا يحميها القانون الدولي, واستندت المفوضية في فتواها إلي مبدأ احترام الوضع الإقليمي الراهنTerritorialStatusQuo, ومبدأ لكل ما في حوزتهUtiPossidertis. إن هناك صورا مختلفة لنشوء حالات خلافة الدول, فقد تحدث الخلافة عندما تندمج دولتان مثل اندماج جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية في مايو1990 مع جمهورية اليمن لتكونا معا دولة واحدة, وقد تحدث عندما تفقد دولة ما جزءا من إقليمها لينضم إلي دولة أخري, أو ليكون دولة جديدة, وقد تحدث خلافة دولة عند فناء دولة أو زوالها وتحل محلها دولة أو دول أخري جديدة, وقد شهد التاريخ حالات خلافة عديدة بعد الحرب العالمية الأولي, وإبان فترة تصفية الاستعمار في ستينيات القرن الماضي, وخلال العقدين الماضيين اكتسبت مسائل خلافة الدول أهمية قصوي عندما نشأت دول جديدة في شرق ووسط أوروبا, بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا, وفناء جمهورية يوجسلافيا الاتحادية الاشتراكية. وإذا انعقد اختيار شعب جنوب السودان علي الانفصال, فإنها بلاريب لن تكون حالة الانفصال الوحيدة التي سجلها التاريخ المعاصر, إذ انفصلت الهند عن باكستان في عام1947, وسنغافورة عن ماليزيا في عام1965, وبنجلاديش عن باكستان في عام1971, وتيمور الشرقية عن إندونيسيا في2002, لكنها ستكون حالة الانفصال الأولي في إفريقيا بامتياز برغم أنها ذات طابع رضائي, وربما يري البعض أن انفصال إريتريا عن إثيوبيا في عام1993 هو السابقة الأولي, غير أن الراجح هو أن حالة إريتريا كانت استقلالا وليست انفصالا, فإريتريا لم تكن أبدا جزءا من إثيوبيا. ونعيد إلي الأذهان أن الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية قد تعهدوا في عام1964 باحترام الحدود القائمة وقت الاستقلال, ورفضوا الاعتراف بمحاولة بيافرا الانفصال عن نيجيريا في عام1967 كممارسة لحق تقرير المصير, لكن قرار غرفة محكمة العدل الدولية في نزاع الحدود بين بوركينا فاسو ومالي قد ألقي بظلال من الشك حول العلاقة بين مبدأ حق تقرير المصير ومبدأ احترام الحدود القائمة أو الموروثة من الحقبة الاستعمارية, وبالرغم من أن غرفة المحكمة تحدثت عن وجود تعارض ظاهري فقط بين المبدأين, فإن بعض الفقه يعتقد أن غرفة المحكمة قد أخطأت عندما قررت أن المبدأين غير متعارضين, وأنه يمكن التوفيق بينهما, وذهب أحد الشراح إلي أن المبدأين ليس بوسعهما التعايش إلا إذا أفسح حق تقرير المصير أمام الحاجة السياسية لاحترام الحدود القائمة. قانون خلافة الدول إن انفصال الجنوب سيثير مسائل قانونية شائكة وبالغة التعقيد, ومن هذه المسائل خلافة الدول في الجنسية والمعاهدات والممتلكات والمحفوظات والديون وعضوية المنظمات الدولية والحقوق الخاصة والمكتسبة, سنعرض لبعض هذه المسائل من بعد, وسنتوخي التبسيط حتي لا نرهق القارئ غير المتخصص بدقائق مادة قانونية أجمع فقهاؤها علي صعوبتها. معلوم أنه لم تستقر بعد قواعد عرفية عامة واجبة التطبيق علي جميع المسائل التي تثيرها خلافة الدول, ويعزي ذلك إلي عدة أسباب نذكر منها ما يلي: أولا: تنوع الحالات والظروف التي تنشأ فيها الخلافة, فقد سبق لنا القول إن الخلافة ربما تنشأ بسبب انحلال الدولة, أو انفصال جزء أو أجزاء من إقليمها, أو بسبب تنازل دولة عن إقليم أو توحيد دول. ثانيا: إن اختلافات وتنوع ممارسات الدول في تسوية المسائل التي تثيرها خلافة الدول قد أدي إلي عدم استقرار أعراف دولية عامة. ثالثا: إن محاولات تدوين أو تطوير قواعد دولية عامة في مجال خلافة الدول لم تتكلل بالنجاح, فاتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات لعام1978 دخلت حيز النفاذ في نوفمبر1996, وأطرافها22 دولة فقط, واتفاقية فيينا لخلاف الدول في ممتلكات الدولة ومحفوظاتها وديونها لعام1983 لم تدخل بعد في حيز النفاذ, لكن ينبغي التنويه إلي أن بعض أحكام هاتين الاتفاقيتين تعكس القانون الدولي العرفي, وأن الدول تسترشد بهاتين الاتفاقيتين عند تسوية مسائل الخلافة المتصلة بهما. نخلص مما تقدم إلي أن أول مبدأ واجب التطبيق هو أن تتفاوض الدولة السلف والدولة الخلف بشأن كل المسائل المتصلة بالخلافة. ففي الرأي رقم(9) دعت مفوضية التحكيم الدول الخلف ليوجسلافيا لتسوية كل جوانب الخلافة بالاتفاق, وأن تسعي للوصول لتحقيق حل منصف, وذلك بالاستهداء بالمبادئ الواردة في اتفاقيتي1978 و1983, وحيث يكون ملائما بالقانون الدولي العرفي. 1 الخلافة بالنسبة لجنسية الأشخاص الطبيعيين: الجنسية هي الرابطة القانونية بين الفرد ودولة ما وهي التي توفر للفرد الحماية الدبلوماسية لتلك الدولة. وتخضع الجنسية أساسا للقانون الداخلي في إطار ما يضعه القانون الدولي من حدود. تعتبر الجنسية من المسائل ذات الأهمية القصوي عند حدوث خلافه دول, وذلك لارتباطها الوثيق بحقوق الإنسان وحرياته. فالمادة15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص علي حق كل فرد التمتع بجنسية ما. وتعترف المادة24(3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام1966 والمادة7 من اتفاقية حقوق الطفل لعام1989 علي حق كل طفل في اكتساب جنسية. وفي الرأي رقم(2) أفتت مفوضية التحكيم الخاصة بيوغسلافيا بأن حق كل فرد في اختيار الانتماء إلي الجماعة الإثنية أو الدينية أو اللغوية التي يرغب فيها مستمد من حق تقرير المصير المضمن في المادة1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام1966. خلافا لمسائل خلافة الدول المتعلقة بالمعاهدات والديون والممتلكات والمحفوظات, فإن مسألة الخلافة بالنسبة لجنسية الأشخاص الطبيعيين لم تدون أو تقنن بعد في هيئة اتفاقية. ولكن يمكن الاسترشاد في هذا الصدد بالمعاهدة الأوروبية بشأن الجنسية لعام1997 وإعلان جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في12 ديسمبر2000(A/RES/153/55). دعت المعاهدة الأوروبية للجنسية لعام1997 في المادة4 الدول الأطراف لتأسيس قواعد الجنسية علي عدة مبادئ كان بضمنها حق كل فرد التمتع بجنسية, وتجنب إنعدام الجنسيةStatelessness, وحظر الحرمان من الجنسية تعسفيا. وتناولت المادة18(2) من المعاهدة الاعتبارات التي يتعين علي الدول الأطراف مراعاته عند منح أو الابقاء علي الجنسية في حالات خلافة الدول, وقد كانت: (أ) الرابطة الحقيقية الفعالةGenuineandEffectiveLink بين الشخص المعني والدولة. (ب) مكان الإقامة الاعتياديةHabitualResidence للشخص المعني وقت خلافة الدول. (ج) إرادة الشخص المعني. (د) الأصل الإقليميTerintorialOrigin للشخص المعني. يلاحظ أن الاتفاقية الأوروبية لم تعرض لمسألة الجنسية في إطار الحالات المختلفة التي قد تنشأ فيها خلافة دول. بل اكتفت بالنص في المادة19 بإلزام الدول المعنية بأن تسعي في حالات خلافة الدول, لتنظيم المسائل المتعلقة بالجنسية بالاتفاق بينها مع مراعاة المبادئ والقواعد الواردة في فصل الاتفاقية المخصص لخلافة الدول الجنسية. إن إعلان جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في12 ديسمبر2000 هو في واقع الأمر عبارة عن مشروع مواد أعدتها لجنة القانون الدولي. وقد رأت الجمعية العامة أن هذه المواد تشكل دليل ممارسة نافعا يسترشد به في معالجة مسألة جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول. ولعلم القارئ فإن لجنة القانون الدولي قد أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام1947 للنظر في التدوين والتقدم المطرد للقانون الدولي. تناول الباب الأول للإعلان أحكاما عامة مهمة نذكر منها مايلي: - حق الفرد الذي كان في تاريخ الخلافة يتمتع بجنسية الدولة السلف بصرف النظر عن طريق اكتسابها, أن يحصل علي جنسية دولة واحدة علي الأقل من الدول المعنية( المادة1). من الجلي أن هذا الحكم يعترف بالحق في جنسية في سياق خلافة الدول. - الحيلولة دون أن يصبح الأشخاص الذين كانوا في تاريخ خلافة الدول يتمتعون بجنسية الدول السلف عديمي جنسيةStateless بسبب هذه الخلافة( المادة4). نورد هنا أن معاهدة خفض حالات انعدام الجنسية لعام1961 لم تعرض بشكل مباشر لمسألة الجنسية في سياق خلافة الدول. - افتراض اكتساب الأشخاص الذين يقيمون بصفة اعتياديةHabitualResidence في الإقليم المتأثر بخلافة الدول جنسية الدولة الخلف في تاريخ حدوث الخلافة( المادة5), قصد بهذا الحكم عدم حدوث فجوة بين تاريخ الخلافة وتاريخ صدور أي اتفاق بين الدول المعنية أو تشريع مانح للجنسية. - حظر تجريد الأشخاص المعنيين تجريدا تعسفيا من جنسية الدولة السلف أو حرمانهم تعسفيا من حق اكتساب جنسية الدولة الخلف, أو من الحق في الخيار, إذا كانت هذه الحقوق مكفولة في حالة خلافة الدول( المادة16). أفرد الباب الثاني من إعلان جنسية الأشخاص الطبيعيين في حالة خلافة الدول لبيان أحكام تتصل بفئات محددة من خلافة الدول وهي نقل جزء أو أجزاء من الإقليم, وتوحيد الدول, وانحلال الدولة. ولكن محل اهتمامنا هنا هو انفصال جزء أو أجزاء من الإقليم والتي تحكمها المواد24 و25 و26 من مواد الإعلان. وضع مشروع المادة24( أ) القاعدة الاساس التي تقضي بانه علي الدولة الخلف( أي دولة الجنوب) أن تعطي جنسيتها إلي الأشخاص المعنيين الذين يقيمون فيها بصفة اعتيادية مالم يتبين غير ذلك عند ممارسة حق الخيار. تؤيد هذه القاعدة ممارسة دولية تمتد من حالات الخلافة التي حدثت بعد الحرب العالمية الأولي إلي تفكك الاتحاد السوفيتي فمثلا عند انفصال بنجلاديش عن باكستان في مارس1971, اعتبرت تلك الدولة الاقامة في إقليمها المعيار الأساس لمنح جنسية بنجلاديش بصرف النظر عن أي مواصفات أخري. ولكن السكان من غير البنغال خيروا بين الاحتفاظ بالجنسية الباكستانية أو أن يدلوا باقرار بسيط لأجل أن يتعرف بهم كمواطنين في دولة بنجلاديش. أجاز مشروع المادة25( أ) للدولة السلف( أي دولة الشمال) أن تسحب جنسيتها من الأشخاص المعنيين الذين يكونون أهلا لاكتساب جنسية الدولة الخلف( أي دولة الجنوب) ولكن لا يجوز لها أن تفعل ذلك قبل أن يكتسب هؤلاء الأشخاص جنسية الدولة الخلف. وتقضي المادة25(2) بأنه لا يجوز للدولة السلف( دولة الشمال) أن تسحب جنسيتها من الأشخاص المشار إليهم في الفقرة25(1) الذين يقيمون بصفة اعتيادية في إقليمها ما لم يتبين خلال ذلك عند ممارسة حق الخيار. بقي أن نذكر أن المادة26 من الإعلان تلزم الدولة السلف والدولة الخلف( أي دولة الجنوب والشمال) بمنح حق الخيار للأشخاص المشمولين بأحكام المادة24 والمادة25(2) الذين يكونون مؤهلين لاكتساب جنسية كل من الدولة السلف والدولة الخلف. وأن نذكر أيضا أن المادة3 من الإعلان تنص علي أن مواده لا تنطبق إلا علي آثار خلافة الدول التي تحدث طبقا للقانون الدولي وبوجه خاص طبقا لمبادئ القانون الدولي المجسدة في ميثاق الأممالمتحدة. إن مسألتي الجنسية المزدوجة والمعاملة التفضيلية لرعايا الشمال والجنوب المقيمين في الدولة الخلف والدولة السلف تحفها اعتبارات سياسية واقتصادية وأمنية ونفسية بالغة التعقيد. فلربما إذا انعقد الرأي علي ذلك, أن تترك المسألتان ليبت فيهما القانون الداخلي لكل من الدولتين قبولا أو رفضا. وحري بالذكر أن لجنة القانون الدولي قد قالت في أحد تعليقاتها علي مشروع المادة26 بشأن قيام الدولة السلف والدولة الخلف بمنح حق الخيار للأشخاص المعنيين, إنها لا ترمي بذلك إلي استبعاد الجنسية المتعددة أو المزدوجة وأن القرار في ذلك متروك لكل دولة علي حدة. علي كل حال إذا توافر قبول للمسألتين من حيث المبدأ علي أساس تبادلي, فانه من الأصوب أن يصار إلي التفاوض حولهما بعد فترة زمنية معقولة من حلول تاريخ خلافة الدول, واستقرار الأوضاع المتصلة بالجنسية والإقامة في كل من الدولتين. فهناك من يعقد أن الجنسية المزدوجة والمعاملة والتفضيلية لمن يستحقها, ويستوفي شروطها ستكون السبيل الوحيد الباقي للتأسيس لوحدة قد تأتي يوما ما طوعا لا جذبا إلي بيت شمالي حسن الترتيب والادارة.