دفعت اعتداءات باريس الأوروبيين إلي تعزيز تعاونهم لتجنب اعتداءات جديدة, إلا أن هذه الرغبة تصطدم بالعديد من التحديات الفكرية والإجرائية مما يثير شكوكا حول جدية أوروبا في مكافحة الإرهاب. وبدلا من مطالبة القادة الأوربيين للدول الإسلامية ببذل جهد أكبر في مكافحة الإرهاب إلا أنهم لا يتفقون حتي الآن علي وسائل محددة في التصدي له. ورغم أن هناك عددا من الاقتراحات التي ظهرت علي خلفية الاعتداءات الأخيرة إلا إنه يبدو أن هذه الاقتراحات سيقت بشكل متعجل خاصة أنها تواجه بتحفظ بعض الدول التي تتردد في تقاسم معلوماتها, وكذلك بتخوف البرلمان الأوروبي من إن تمس الإجراءات المرتقبة حرية التحرك داخل الفضاء الأوروبي. فرنسا من جانبها وعلي لسان وزير داخليتها برنار كازانوف حسب وكالة الأنباء الفرنسية أمس الأول اقترحت لائحة من الإجراءات المطروحة والتي تتضمن تعديل قواعد فضاء شنجن, وفرض تدقيق شديد علي بعض العابرين, وإقامة سجل أوروبي يتضمن المعلومات الشخصية للمسافرين جوا, وتقاسم المعلومات الاستخباراتية, ومكافحة نقل السلاح بين الدول, بالإضافة إلي مراقبة الانترنت لمكافحة الدعوات إلي التشدد. ورغم أن هذه المقترحات ليست جديدة, حيث إن المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف يدعو منذ عام2008 إلي وضع استراتيجية لمكافحة انتشار التشدد, لكن المسئولين الأمنيين الأوروبيين لم يتفقوا علي إجراءات محددة في هذا الصدد. يأتي ذلك في الوقت الذي بح فيه صوت الدول العربية وعلي رأسها مصر والمنظمات العربية والإسلامية في تحديد مصطلح الإرهاب وتعريف الإرهابي وحتي الآن لا تزال أوروبا والغرب غير متفقة علي هذه الأمور. فحتي الآن لا اتفاق حول تحديد تعبير المقاتل الأجنبي حسب ما قالت المفوضية الأوروبية معربة عن أسفها لذلك, فهناك نحو3000 شاب أوروبي انضموا إلي حركات إسلامية متشددة في سوريا والعراق بينهم نحو ألف فرنسي. وحسب المفوضية الأوروبية فإن طريقة تصنيف هؤلاء الشبان تختلف من دولة إلي أخري, كما تختلف طريقة التعاطي مع العائدين منهم إلي بلدانهم, وطريقة جمع الأدلة التي تدين عملهم ضمن التنظيمات المتشددة, وبالتالي فإن ذلك منع الاتفاق علي لائحة واحدة أوروبية بالمقاتلين الأجانب, وهو الأمر الذي تطالب به المفوضية الأوروبية بإلحاح. من جهة أخري فان الدول لا تزال متمسكة بحقها في إدارة شؤونها القضائية وترفض التخلي عن ذلك, ونفس الأمر بالنسبة إلي أجهزة المخابرات الأوروبية فحسب تصريحات كاميل جران, أحد المسئولين الأوربيين لفرانس برس فإن أجهزة مكافحة الإرهاب تفضل العمل في إطار مجموعات صغيرة, مضيفة أن هذه الأجهزة لا تثق كثيرا بالمنظمات الكبيرة مثل يوروبول وانتربول لان معلوماتها توضع بتصرف الكثير من الدول. وحسب المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب فإن إجراءات مكافحة الإرهاب قد تكون مكلفة ماديا حيث إن مراقبة مشتبه به لمدة24 ساعة علي24 بحاجة لتجنيد ما بين20 و30 شخصا, داعيا إلي وضع أهداف محددة لتقاسم المعلومات بين الدول لتغذية قاعدة المعلومات. وفي إطار مكافحة المقاتلين الأجانب فهناك أمر آخر به تحد كبير وهو تتبع تحركاتهم, فرغم أنه قد أصبح للدول الأوربية في إطار اتفاقية شنجن نظام لجمع المعلومات وهناك رقابة علي الحدود الخارجية لهذه الدول, إلا أن قانون الحدود يمنع الفحص والتدقيق المنتظم لرعايا الدول26 الموقعة علي الاتفاقية22 من دول الاتحاد الأوروبي ال28 إضافة إلي سويسرا وأيسلندا والنرويج وليتشيشتاين. وفي هذا السياق دعا وزير الداخلية الاسباني خورخي فرنانديز دياز أمس إلي إعادة التدقيق علي حدود الدول حتي تلك المنضوية في اتفاق شنجن, ما سيستدعي تعديل هذه الاتفاقية خاصة وأن الحكومات الأوروبية تطالب بتقاسم معلومات الركاب المسافرين جوا كما هو حاصل بين الولاياتالمتحدة وكندا واستراليا, وفي الواقع العملي فإن لحوالي15 دولة أنظمتها الخاصة لجمع معلومات الركاب. وحتي هذا الإجراء أمامه تحد آخر, يتمثل في إقرار قانون أوروبي لحماية المعلومات, الذي يطالب به البرلمان الأوروبي وما زال الأوروبيون مختلفين حول هذا الموضوع وما زال النقاش متوقفا عند هذه النقطة حتي الآن.