أمام قسم الكتب الأدبية وقف يتأمل كتابا للشاعر محمود درويش الذي يحب أشعاره التي يقول في احداها: قصائدنا بلا لون/ بلا طعم/ بلا صوت/ إذا لم تحمل المصباح من بيت إلي بيت/ وان لم يفهم البسطا معانيها/ فأولي أن نذريها/ ونخلد نحن للصمت.. كان لابد له أن يرتاح بعد أن أنهي جولته في معرض الكتاب وأن يدفئ صقيع قلبه فالوقت شتاء.. في احد الكافيهات المنتشرة في المعرض.. جلس يحتسي النسكافيه.. بينما هو يقلب في الكتب التي ابتاعها.. وفي جرأة لم يعتدها.. ودون استئذان.. شاركته طاولته فتاة عيناها واسعتان سوداوان مشرقتان.. تركت شعرها في فوضي دون تصفيف كأنه فروة مغبرة لأسد يطارد فريسة.. استنزفت قواه في كرها وفرها.. دون الفوز بصيدها.. أخرجته من تأملاته ودهشته قائلة: بالطبع لا تذكرني.. سنوات انقضت منذ انتقلنا من شارعكم.. الأيام لم تبدلك.. مثلما فعلت معي.. لابد أنك تذكر أول خطاب دسسته لي في كتاب المطالعة.. والذي بسببه ضربت بعد أن اكتشفته أختي الكبيرة.. كانت أياما جميلة يسمونها مراهقة عاطفية.. رددت علي خطابك ولم أعبأ بتهديدات أسرتي.. خطابك كان من كلمتين اذكرهما.. أميرة أحبك.. ورسمت جوارهما قلبا وشجرة.. ماذا كنت تعني بالشجرة..؟ جذور الحب.. أم استمراريته..؟ لاشيء من هذا استمر.. علي الأقل من جهتك.. بعد أن افترقنا.. أحببتك واحتفظت بخطابك.. كنت علي يقين أنه يوما سنلتقي.. نقل هواك ما شئت من الهوي/ فما الحب إلا للحبيب الأول.. لابد وأنك أحببت فتاة أخري.. الحب هو جزء من وجود الرجل.. لكنه كل وجود المرأة.. عدم وجود الرجل في حياة المرأة يقلل من أهمية وجودها.. ويحول أيامها إلي أرض مقفرة موحشة.. كنت محطتي الأخيرة.. التي خفت أن تفرغ لا نخطها في لوح القدر.. وها نحن نلتقي دون موعد.. هل تسمع مثلي صافرة القطار.. تعلن عن مجيئك.. لا أستطيع العيش دون حب.. تأتيني كل ليلة محملا بسلال الورد في منامي.. كنت أطيل النوم حتي لا يتبدد الحلم.. كان الترقب والانتظار مشروبي ومأكولي.. ينظر إلي عينيها اللامعتين المشرقتين تحدثه.. وكأنها تعرفه فتربكه يجاهد في تفسير ابتسامتها الهادئة الفاتنة بامتلاء شفتيها.. ونصوع الأسنان المصفوفة. انها الحياة المليئة بالمفاجآت السارة والمحبطة.. وعليه تقبلها بكل ما فيها.. لأنه لا اختيارات لديه.. ضوء النهار بدأ يخبو بين طيات الشمس التي انسحبت من علي طاولته ضبطته متلبسا وهو يتأمل عينيها في حنو بالغ.. بدت له رقيقة وحالمة.. وجهها يصلح أن يكون لوحة فريدة التكوين.. شيطان الشعر يقفز من بين جنباته.. يريد أن يكتب فيها شعرا لم يقله علي امتداد العصور شاعر.. بادلته أرقام الهاتف والعنوان.. وهي تؤكد قبل مغادرتها علي ضرورة اللقاء والاستمساك بهذه اللحظة الفريدة.. شاكرة الريح الطيبة التي جمعتهما.. قائلة وهي تلوح له مودعة: سأهاتفك وألقاك قريبا يا هاني.. الجميلة التي غادرته.. كانت طوال الوقت تخاطب إنسانا آخر.. يتمدد الوجع بداخله.. لأنه ليس بهاني. [email protected]