تأتي الزيارة الرئاسية الحالية لجمهورية الصين الشعبية, بمثابة إضافة جديدة لتوجهات السياسة الخارجية المصرية, التي تتنوع تحركاتها في الاتجاه شرقا لبناء علاقات متميزة مع القوي الصاعدة, في إطار من الاحترام المتبادل, والبعد عن وضع شروط سياسية تحكم آفاق التعاون المشترك. مصر كانت أول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين منذ ما يقرب من60 عاما, كما ترتبط معها باتفاق تعاون إستراتيجي, وموقفها واضح ومعلن بشأن قضية تايوان وهو ما تقدره الصين جيدا. البعد الحضاري لمصر والصين يمثل أرضية مشتركة تجمع بين الدولتين, وعلي أساسها قامت علاقات تاريخية متميزة, كما أن الشراكة الإستراتيجية المصرية الصينية, التي من المقرر توقيع اتفاق بشأن توسيعها خلال الزيارة الرئاسية, توفر العوامل الأساسية لضمان تطوير العلاقات بين البلدين في إطار تكاملي, يغطي مجالات العمل السياسي والاقتصادي والتجاري والاستثماري والعسكري والأمني والثقافي والعلمي والتكنولوجي. التمهيد رفيع المستوي للزيارة الرئاسية, يؤكد أننا بصدد إعادة بناء علاقات أكثر قوة ومتانة بين مصر والصين, لاستكشاف مجالات وآفاق جديدة للتعاون, سواء علي المستوي الثنائي أو الثلاثي بين مصر والصين وإفريقيا التي تحظي باهتمام خاص لدي بكين. المتابع لمواقف الصين بشأن مصر, يدرك أنها منشغلة بدعم جهودها في التنمية, لتقديرها لمكانتها الكبيرة في العالم العربي وإيمانها بالدور الاقليمي الذي يمكن أن تلعبه سياسيا واقتصاديا, وأيضا لأن من بين ثوابتها في سياستها الخارجية, تحقيق النمو والأمن والاستقرار في المنطقة العربية بأكملها. وإذا كانت لغة الأرقام توضح أن الفترة الأخيرة شهدت سعيا مصريا لتعزيز علاقات التعاون مع الصين, خاصة في المجال الاقتصادي لمعالجة العجز التجاري المزمن, حيث بلغ حجم التجارة01 مليارات دولار, لا تتجاوز صادرات مصر منها مليارا و009 مليون دولار, كما لا تتجاوز استثمارات الصين في مصر054 مليون دولار, إلا أن المؤشرات تؤكد أن الفترة المقبلة سوف تشهد طفرة في مجالات التعاون الاقتصادي والاستثماري من خلال عدد من المشروعات التي طرحتها مصر علي الصين, خاصة في مجالات الصناعة والطاقة الشمسية والتشييد والسكك الحديدية. الملف السياسي سيفرض نفسه بقوة علي جدول أعمال الزيارة الرئاسية, خاصة فيما يتعلق بجهود مكافحة الإرهاب في المنطقة, ودعم الصين لترشيح مصر لشغل العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن, إضافة إلي الاستفادة من العلاقات الخاصة التي تربط الصين بدول إفريقية مهمة مثل إثيوبيا في التعامل مع ملفات حيوية بالنسبة لمصر كملف سد النهضة, كذلك يمكن الاستفادة من التنسيق المصري الصيني فيما يتعلق بالقضايا العربية لدعم الحقوق الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي, خاصة أن سياسات مصر والصين تكاد تكون متوافقة فيما يخص السعي والعمل من أجل السلام في العالم, والدعوة إلي إقامة نظام دولي سياسي واقتصادي منصف وعادل, واحترام خصوصية كل دولة. لا شك أن مصر والصين تواجههما تحديات وطموحات متشابهة, وتجمعها أحلام التنمية والتقدم, وكل منهما يري في الآخر الشريك الإستراتيجي.. الصين تنظر إلي مصر بموقعها الجغرافي المتميز, وتدرك أنها الشريك المهم صاحب المكانة الرائدة في الإقليم, وأنها السوق المناسبة لضخ مواردها الاستثمارية.. ومصر تنظر إلي الصين علي أنها الشريك النزيه, الذي لا يسعي الي فرض توجهات سياسية أو التدخل في الشئون الداخلية. [email protected]