دخلت الأزمة في ساحل العاج منعطفا خطيرا بعد تشبث الرئيس المنتهية ولايته لوران جباجبو بالسلطة رغم إعلان اللجنة المشرفة علي الانتخابات فوز منافسه الحسن وتارا, وتأييد المجتمع الدولي له, ويبدو أن جباجبو الذي تولي الحكم منذ عام2000 مازال مصرا علي موقفه رغم ما أعلنه الإتحاد الإفريقي والمنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من موقف رافض لاستمراره في السلطة, وهناك مخاوف كبيرة أن يؤدي ذلك الموقف إلي العودة مجددا إلي الحرب الأهلية التي توقفت بعد اتفاق سلام عام2007, إذا لم يتم التوصل لحل سلمي للأزمة في البلد التي أصبحت في موقف غريب برئيسين وحكومتين. وحول أسباب الصراع في ساحل العاج ونشأته وتطوره يقول الدكتور بدر الشافعي الخبير في الشئون الإفريقية: يعد الصراع في ساحل العاج من الصراعات المعقدة, نظرا لتداخل الأبعاد الإثنية مع الجغرافية والدينية والاقتصادية, مما أدي إلي انقسام البلاد إلي قسمين تقريبا: شمال مسلم فقير محروم من السلطة, وجنوب غني مهيمن علي السلطة, وقد أدت سياسة الأنظمة الجنوبية المتعاقبة إلي تعميق هذا الانقسام. كما أن الإصلاحات التي تمت لتحسين أوضاع هؤلاء كانت في معظمها شكلية, وقد لعبت القوي الإقليمية دورا هاما في عملية استمراره, خاصة فيما يتعلق بالصراع في ليبيريا المجاورة, وقيام كل نظام بدعم المعارضة في كل منهما, في حين ساهم التجاهل الدولي للصراع بسبب الانشغال الأمريكي بالإعداد لضرب العراق دورا غير مباشر أيضا في استمراره بدلا من احتوائه عند اندلاعه. ويضيف بالرغم من أن الصراع في ساحل العاج تصاعد بصورة كبيرة كانت محل اهتمام المجتمع الإقليمي الدولي منذ تولي الرئيس لوران جباجبو الحكم( أكتوبر2000) حيث شهدت البلاد انقلابين عسكريين خلال العامين الأوليين من حكمه فقط, إلا أن جذور الصراع الأولي تعود بصفة أساسية إلي فترتي حكم كل من الرئيس كونان بيديه ديسمبر1993 ديسمبر1999 والجنرال روبرت جيه ديسمبر1999 أكتوبر2000. ومن هنا يمكن القول بأن الصراع مر بثلاث مراحل هامة هي: المرحلة الأولي: حكم الرئيس بيديه المرحلة الثانية: حكم الرئيس جيه. المرحلة الثالثة: حكم الرئيس جباجبو. أولا: المرحلة الأولي: تولي الرئيس بيديه الحكم بعد الرئيس بوانييه عملا بالمادة11 من الدستور التي تنص علي تولي رئيس البرلمان مهام رئيس الجمهورية في حالة عجزه أو وفاته لحين إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر. ولقد كان للتنافس بين بيديه رئيس البرلمان الذي ينتمي للجنوب والحسن وتارا رئيس الحكومة ورئيس حزب التجمع الجمهوري, الذي ينتمي إلي الشمال حول تولي منصب الرئاسة سببا في اندلاع الصراع في البلاد بين الشماليين والجنوبيين, أو بين مسلمي الشمال ومسيحيي الجنوب, فقد قام بيديه باستبعاد المعارضة الشمالية من كل المناصب السياسية, كما قام بتعديل الدستور لينص في المادة35 علي ضرورة أن ينتمي مرشح الرئاسة لأبوين عاجيين من أجل استبعاد وتارا الذي ينتمي لأب من أصول بوركينية, بعدما كان النص الأصلي يؤكد أن يكون المرشح ينتمي لأب أو أم عاجية فقط بما يتماشي مع الأعراف الإفريقية. ويقول الباحث بدر الشافعي إنه لم تقتصر ممارسات بيديه علي ذلك, بل عمل علي إبعاد كل الضباط المسلمين من الجيش, وكذلك من المناصب الهامة في الحزب الحاكم الحزب الديمقراطي الذي كان يرأسه بوانييه حتي لا يشكلوا جبهة معارضة لحكمه, وقد تزامن ذلك مع تدهور الأوضاع الاقتصادية بصورة كبيرة مع بداية تطبيق برامج التكيف الهيكلي, فضلا عن انتشار الفساد بصورة كبيرة أيضا, مما أدي إلي وقوع العديد من المظاهرات الشعبية في الفترة من1996 1998 كانت إيذانا بانتهاء حكمه, وبالفعل شهدت البلاد أول انقلاب في تاريخها23 ديسمبر1999 قامت به مجموعة من ضباط الجيش بقيادة الجنرال روبرت جيه احتجاجا علي عدم حصولها علي رواتبها لفترة كبيرة. ثانيا: المرحلة الثانية: بالرغم من أن الرئيس جيه أعلن عدم رغبته في الاستمرار في الحكم, وإنما سيتولي إدارة البلاد لفترة مؤقتة لحين استتباب الأوضاع بها, إلا أن ممارساته الحقيقية ظهرت بوضوح خاصة قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر في أكتوبر1999 حيث أعلن رغبته في خوضها, كما رفض تعديل المادة35 في مسودة الدستور الجديد. مما أدي إلي بروز أزمة المعارضة الشمالية, وذلك عندما رفضت لجنة الانتخابات الوطنية قبول أوراق ترشيح وتارا, كما قام جيه في سبتمبر2000 باعتقال العديد من قيادات المؤسسة العسكرية بزعم تعرضه لمحاولة انقلاب فاشلة ضده, ولم يقتصر الأمر علي العسكريين فحسب, بل قام باعتقال عدد من المعارضين السياسيين أبرزهم وزير الداخلية السابق إميل بومييه الذي كان مرشحا عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية, كما تم تحديد إقامة الحسن وتارا ومنعه من مغادرة البلاد كي لا يضغط علي النظام من قبل القوي الخارجية, خاصة الولاياتالمتحدة التي يحظي بعلاقات جيدة معها وإزاء هذه الممارسات القمعية قام الناخبون بإعطاء أصواتهم لمرشح المعارضة في الرئاسة لوران جباجبو الذي ينتمي لحزب الجبهة الشعبية الإيفوارية, وبالرغم من فوز جباجبو بها إلا أن لجنة الانتخابات أعلنت فوز جيه, مما دفع جباجبو إلي استغلال حالة السخط العام ضد النظام ودعا الشعب إلي التظاهر, كما نجح في إقناع المؤسسة العسكرية بتأييد هذه المظاهرات, وإزاء ذلك اضطر جيه إلي الفرار إلي الخارج, وتم تنصيب جباجبو رئيسا للبلاد. ثالثا: المرحلة الثالثة: استمر جباجبو في سياسة أسلافه بيديه وجيه فيما يتعلق بتهميش الشماليين, حيث استبعد حزب وتارا من تشكيلة الحكومة الوطنية الجديدة في الانتخابات, مما دفع وتارا إلي الإعلان عن عدم مشاركته في أي حكومة لجباجبو, واستعداده لخوض الانتخابات البرلمانية التي ستجري في10 ديسمبر2000 لكن المحكمة العليا قامت باستبعاده من الترشيح في هذه الانتخابات لأنه لا ينتمي لأبوين إيفواريين, وقد فجر ذلك أحداث عنف دامية في البلاد, خاصة بعدما أعلن أنصار وتارا سعيهم لإسقاط نظام جباجبو الذي قام في المقابل بتشكيل ميليشيات عسكرية عرفت باسم كتائب الموت وتتشكل بالأساس من أفراد قبيلته( البيتي) وقد دفع ذلك بعض الضباط الشماليين في الجيش إلي القيام بمحاولة انقلابية في الأسبوع الأول من يناير, إلا أن جباجبو تمكن من السيطرة عليهم ويري الشافعي أنه بالرغم من أنه سعي لإدخال بعض الإصلاحات الديمقراطية إلا أنها كانت شكلية أيضا بسبب استبعاد بعض الشماليين منها, فجاء الانقلاب الثاني ضده في19 سبتمبر2002 وذلك بعدما رفض800 جندي وصف ضابط من الشماليين قرار تسريحهم, واستغل هؤلاء وجود جباجبو في إيطاليا آنذاك, فقاموا بالانقلاب ضده وتمكنوا هذه المرة من السيطرة علي نصف مساحة البلاد, وأهم مدينتين وهما بواكيه وكورجو, وكانوا علي وشك الاستيلاء علي العاصمة لولا القوات الفرنسية, وأعلن هؤلاء تشكيل جبهة عرفت باسم الجبهة الوطنية لساحل العاج التي يشار إليها اختصاريا بMPC ي بزعامة غيولام سورو, في حين كان قائد جناحها العسكري الضابط شريف عثمان, وقد أعلنت الجبهة مطالبها, ومن أبرزها إسقاط جباجبو وإجراء انتخابات حرة ديمقراطية بمشاركة واترا مع إلغاء المادة35 من الدستور, كما أعلنت أن من بين أهدافها خوض الانتخابات كجناح سياسي لمسلمي الشمال. لكن جباجبو واجه هذا الانقلاب بعنف دموي, حيث قامت قوات الجيش من خلال الاستعانة ببعض المرتزقة من جنوب إفريقيا- بقتل العشرات منهم, وكان من بين الضحايا الرئيس السابق الجنرال روبرت جيه الذي اتهمه جباجبو بتدبير انقلاب فاشل ضده, وقد أدي ذلك إلي تعقيد الصراع, حيث برزت حركتا تمرد جديدتان في الغرب( موطن جيه) هما حركة العدالة والسلامMJP) والحركة الشعبية للغرب العظيمmpigo وأعلنتا أن هدفهما أيضا هو إسقاط النظام. ولقد أدي ذلك إلي انقسام البلاد إلي قسمين تقريبا: الأول شمالي ويسيطر عليه المسلمون, والثاني جنوبي ويسيطر عليه الكاثوليك, وقد دفع ذلك بعض المحللين إلي القول بأن الصراع لن يتم حسمه في فترة وجيزة(1) كما كان ذلك إيذانا بتدخل الجماعة وفرنسا لاحتوائه, وتم التوصل إلي اتفاق ليناس ماركوسيس( يناير2003) إلا أن تلكؤ جباجبو في تنفيذ بنوده أدي إلي استمرار الصراع دون تسوية حقيقية, بل إنه ازداد تعقيدا مع قيام جباجبو أوائل2004 بقصف مواقع القوات الفرنسية بطريق الخطأ بدلا من مواقع المتمردين, مما أدي إلي قيام القوات الفرنسية بتدمير القوات الجوية الإيفوارية, كما برزت جبهة معارضة سياسية جديدة في الجنوب تضم أتباع الرئيس الراحل بوانيه, والتي أعلنت اعتراضها علي نظام إدارة جباجبو, خاصة فيما يتعلق بتلكؤه في إجراء الانتخابات, وطالبت بإيجاد فترة انتقالية ثانية تتضمن تشكيل حكومة تضم كل القوي السياسية بشرط عدم مشاركة جباجبو فيها(2) وهو نفس الاقتراح الذي اقترحه مجلس السلم والأمن الإفريقي( أكتوبر2005) ووافق عليه مجلس الأمن, لكن مع الإبقاء علي جباجبو لمدة عام مع تقليص صلاحياته لصالح حكومة جديدة لحين إجراء الانتخابات في أكتوبر2006. الأسباب الداخلية للصراع يؤكد الباحث بدر الشافعي تعدد الأسباب الداخلية التي أسهمت في تفجر الصراع, خاصة الأسباب الإثنية التي توازت مع الأسباب الاقتصادية والدينية, فضلا عن الأوضاع الجغرافية, مما أدي إلي انقسام البلاد إلي قسمين أساسيين: القسم الشمالي الذي يسيطر عليه المسلمون, ويعيشون أوضاعا صعبة, فضلا عن وجود حالة من التهميش السياسي. والقسم الجنوبي الذي يسيطر عليه الكاثوليك الذين يتمتعون بأوضاع اقتصادية وسياسية أفضل من الشماليين, فضلا عن انتمائهم لإثنيات مختلفة عن إثنيات مسلمي الشمال, ولعل توازي هذه الأسباب مع بعضها البعض اسهم في تعقيد الصراع وعدم تسويته حتي الآن. أولا: الأسباب الإثنية: تعد ساحل العاج شأنها في ذلك شأن معظم الدول الإفريقية دولة متعددة من الناحية الإثنية, إذ يوجد بها ما بين60 70 طائفة, إلا أن أبرزها أربع إثنيات(3) هي: 1- الإثنيات الشمالية: وهي تنقسم بدورها إلي إثنية الماندي الشمالية والجنوبية, فضلا عن إثنية أو شعب الفولتيك, ويبلغ نسبة هذه الإثنيات44,1% من إجمالي مجموع السكان الذي يقدر ب17.298 مليون نسمة وفقا لإحصاءات يوليو2005 فإثنية الماندي الشمالية والجنوبية تعيش في الشمال الغربي للبلاد, ويقدر عدد سكانها ب26,5% من إجمالي السكان, ومن أهم الإثنيات المندرجة تحتها المالنكي(12%) وهي مسلمة, والديولا وهي مسلمة أيضا. أما الفولتيك فتبلغ نسبتها17,6% وتعيش في منطقة الشمال الأوسط بين جماعات البيتي في الغرب والبولي في الشرق, وتتشابه الفولتيك في حضارتها مع الماندي, وهي إثنية مسلمة, وينتمي إليها والد الحسن واترا, ومن أبرز جماعتها السنوفو(15%). ويلاحظ علي إثنيات الشمال أنها مسلمة, ويعمل أفرادها في التجارة والزراعة, وهي جماعات متطورة علي المستوي الثقافي, ولها علاقات مع الدول الإسلامية المجاورة, خاصة مالي وبوركينا فاسو. 2- الإثنيات الجنوبية: وهي تنقسم بدورها إلي إثنيتين رئيسيتين هما, جماعات شرق الأطلنطي وجماعات غرب الأطلنطي, ويشكلان معا53,1% من إجمالي السكان. فجماعات شرق الأطلنطي حيث شعب الأكا, تبلغ نسبتها42,1% من إجمالي السكان ومن أبرز الإثنيات المندرجة تحتها البولي التي زادت نسبتها من15% في ثمانينيات القرن الماضي إلي23% عام2000, وتتركز في الجنوب الأوسط وشرق البلاد, وينحدر منها الرئيسان بوانييه وبيديه. أما جماعات غرب الأطلنطي ويمثلها شعب الكرو, فتبلغ نسبتها11% من إجمالي السكان ومن أبرز إثنياتها البيتي(6%) التي ينحدر منها الرئيس جباجبو, وهي المنافس الأساسي للبولي, وتعيش في الغرب والجنوب ولها امتدادات في نيجيريا والكاميرون, وهناك أيضا جماعة ياكوبا في الغرب والتي ينحدر منها الرئيس روبرت جيه. وإلي جانب هذه الشعوب أو الإثنيات الإفريقية الأصلية, توجد في البلاد أقليات إفريقية من دول الجوار خاصة بوركينا فاسو ومالي, وتقطن أساسا في الشمال, ويبلغ تعدادها ثلاثة ملايين نسمة, وتعمل أساسا في الزراعة خاصة في مزارع الكاكاو في الشمال, فضلا عن وجود أقليات غير إفريقية عربية( لبنانية) وأوربية( فرنسية) يبلغ قوامها330 ألف نسمة ويعمل معظمها في التجارة, وتتحكم في اقتصاديات البلاد إلي حد كبير. ويلاحظ أن العامل الإثني لم يبرز بصورة كبيرة في الصراع إلا في عهد كونان بيديها, الذي انحاز لصالح إثنية البولي علي حساب باقي الإثنيات الأخري التي تعرضت للاضطهاد الإثني, بالإضافة إلي الحرمان السياسي(4) مما جعل البلاد تشهد في عهده أول انقلاب في تاريخها السياسي. كما ظهر البعد الإثني بصورة كبيرة في عهد جباجبو الذي عمل علي تقريب إثنية البيتي التي ينتمي إليها بالرغم من أنها تشكل الأقلية(6%) علي حساب الإثنيات الأخري, ولقد كانت هذه الإثنية هي الركيزة الأساسية في ميليشيات كتائب الموت التي قام بتشكيلها واعتمد عليها في عملية التطهير الإثني, وكذلك في تصفية خصومه السياسيين. ثانيا: الأسباب الدينية والثقافية: تعد ساحل العاج دولة إسلامية من حيث عدد السكان, حيث تتراوح نسبة المسلمين بها بين60 و65 من إجمالي السكان وفقا لتقديرات عام2003 وهي عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي, ويتبع معظم مسلميها المذهب المالكي شأنهم في ذلك شأن معظم دول غرب إفريقيا, في حين تتراوح نسبة النصاري ما بين20 و25% معظمهم كاثوليك, بينما يشكل الوثنيون وأصحاب المعتقدات الطبيعية النسبة الباقية. ولقد لعب العامل الديني جنبا إلي جنب مع العامل السياسي دورا هاما في إذكاء الصراع, بل إن بعض المحللين وصف الصراع خاصة منذ عام2000 بأنه صراع ديني بسبب عمليات القتل والعنف علي أسس دينية. ولعل السبب في ذلك يرجع إلي الحقبة الاستعمارية التي عمل الاستعمار الفرنسي فيها علي التمييز بين المواطنين علي أسس دينية, حيث سمح لأبناء القبائل الوثنية والمسيحية باستكمال تعليمهم في فرنسا, وتبوؤ الوظائف في البلاد مقابل حرمان المسلمين, منها, ولم تقتصر فرنسا علي ذلك, بل كانت تكافئ كل من يرتد عن الإسلام بمنحه الجنسية الفرنسية, وبذلك ساهمت في تمكين الأقلية الكاثوليكية من السيطرة علي مقاليد الحكم في البلاد. ولقد عمل بوانييه علي تكريس هذا التمايز الديني من خلال تركيزه علي مبدأ تفوق الكاثوليكية علي الديانة الإسلامية وإن لم يقم بأعمال عنف ضد المسلمين فقام بالقسم أمام بابا الفاتيكان علي جعل بلاده تحت راية الصليب وقام بتسخير المال العام لخدمة الكنيسة والمدارس الكاثوليكية, كما أعلن يوم الأحد وأيام الأعياد الكاثوليكية عطلات رسمية, في حين رفض الاعتراف بعطلة الجمعة والأعياد الإسلامية. ويلاحظ أن العامل الديني ظل موجودا في ظل حكم كل من بيديه وجيه, حيث كان هدف هؤلاء سياسيا أساسيا متمثلا في الإطاحة بواترا, وإن تم تفسير هذه الممارسات بأنها ذات أبعاد دينية أيضا, ومن ذلك ما حدث قبيل الانتخابات الرئاسية عام2000 فبعد استبعاد واترا من الترشيح, أعلن علماء المسلمين ترشيحهم إياه, وأكد رئيس مجلس الأئمة في البلاد بوبا نار فوفانا' أنه لا غضاضة في أن نقوم نحن المسلمين بتأييد الحسن إذا كان هو المرشح الأفضل, ومنذ ذلك الحين شهدت البلاد حربا دينية ممزوجة بالطابع السياسي, بين أقلية حاكمة ظالمة وأغلبية مضطهدة, خاصة في ظل ممارسات كتائب الموت ضد المسلمين, ولقد كشفت الصحف والتقارير الدولية عن أعمال الإبادة التي تعرض لها المسلمون علي أيدي جباجبو, ومن ذلك ما ذكرته صحيفة سياتل بوست انتليجينز الأمريكية التي قالت إن ميليشيات جباجبو تسرق أموال المسلمين وتعتدي عليهم, وهو نفس الأمر الذي ذهبت إليه بعثة الأممالمتحدة لتقصي الحقائق, حيث قالت إن قواته تقوم بخطف المسلمين والاعتداء عليهم. ثالثا:الأسباب الثقافية: يلاحظ أن هناك حالة من التعدد الثقافي في البلاد حيث لكل إثنية ثقافتها الخاصة بها, وكذلك لغتها المحلية في التعامل بين أفرادها, لذا فهناك أكثر من60 لهجة محلية, وإن كانت اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية, وقد كان هناك تمايز علي المستوي الثقافي أيضا, حيث كانت الأغلبية المسلمة محرومة إلي حد كبير من التعليم في المدارس الخاصة, في مقابل تمتع الأقلية الكاثوليكية بذلك, بل إن فرنسا قدمت منحا تعليمية مجانية لأبناء هذه الأقلية للدراسة في باريس, ولقد سعت فرنسا إبان الاستعمار لطمس الهوية الثقافية للمسلمين. ثالثا: الأسباب الاقتصادية والاجتماعية: لقد كان هناك تفاوت اقتصادي واجتماعي كبير في البلاد بين شمال فقير يعمل أساسا في مجال الزراعة خاصة الكاكاو, وجنوب غني يعمل في مجال التجارة والصناعة, ولقد بدأت بوادر هذه الأزمة تظهر منذ حكم الرئيس بوانييه حيث كان هناك نوع من الاستغلال الاقتصادي من قبل الجنوب للشماليين أما بالنسبة لجباجبو فقد سار علي نهج كل من بيديه وجيه في استبعاد المعارضة, كما رفض التوصل لاتفاق سياسي مع واترا يتضمن نوعا من الترضية له كما فعل بوانييه أو حتي جيه, بل قرر عدم مشاركة واترا في الانتخابات البرلمانية, وكذلك تم استبعاد حزبه من المشاركة في الحكومة الجديدة بل أكثر من ذلك فقد عمل علي تسريح عدد أكبر من قوات الجيش في إطار برنامجه لإعادة تشكيل الجيش, مما دفع هذه القوات إلي الانقلاب ضده عام.2002 ولقد زاد من تعقيد الأمور استحداثه لميليشيا كتائب الموت لتصفية الخصوم, بل قام باستخدام السلاح الجوي للمرة الأولي في سحق المعارضة الشمالية, لكن أدي القذف الخطأ لمواقع القوات الفرنسية إلي تدخل فرنسا في المواجهة من ناحية, واستمرار الصراع مع الشماليين من ناحية ثانية. الخلاصة إذن: أن تعقد الصراع في ساحل العاج يرجع إلي تداخل الأبعاد الداخلية له مع بعضها البعض, بحيث انقسمت البلاد علي أساس جغرافي إلي شمال مسلم ينتمي بالأساس إلي الإثنيات الشمالية فقير اقتصاديا ومضطهد سياسيا, وجنوب مسيحي ينتمي بالأساس إلي الإثنيات الجنوبية, ومهيمن اقتصاديا وسياسيا, هذا التوازي ساهم في تعقيد عملية تسوية الصراع حتي الآن.