توقفت أمام الحجرة وأنفاسي تتلاحق من فرط انفعالي, سويت ملبسي سريعا وعدلت وضع بعض الخصلات المضطربة كنفسي, اطمئننت إلي مظهري في مرآة الباب الخارجية وحانت مني التفاتة إلي الاسم المدون علي اللافتة امامي فتسارعت دقات قلبي.. أخذت نفسا عميقا وأنا اتمتم ببعض الآيات التي احفظها محاولة ان استعيد توازني وبيد مثلجة طرقت الباب.سمعت صوته هادئا قويا يأذن لي بالدخول, خطوت إلي داخل الغرفة في توتر وجلست بمواجهته كما أشار وذلك المكتب حائل بيننا وكأنه فاصل حياته لا أحد يتجاوزه, بداخلي حمدت الله فلولاه للاحظ قدمي المتعصبة بلا توقف. جرت عيناه علي الأوراق امامه والتي من المفروض أنها تعنيني, استغللت انشغاله وعينيه المدفونتين بين اوراقي لاستشف رأيه أو ربما لاحفظ ملامحه عن قرب تلك التي تمنيت لمسها بيدي لا تأكد من ان نظري لا يخدعني وأنه حقا امامي! ارتفعت عيناه فجأة إلي وسألني بثقة: تودين رأيي في روايتك؟! اجبته في تردد خجل: نعم سكت لحظة بدت لي دهرا قبل أن تجوب النظرة الحائرة وجهه.. لم ادر كنهها ولكني حافظت علي صمتي في مواجهة صمته. تنهد قبل أن يقطع الصمت الماثل بيننا طالبا مني الا اغضب من كلماته, بدأت ملامحه تستقر بينما تضطرب واعصابي وتتوتر أكثر وقدمي كما هي لاتتوقف, هل أعجبته ام أنه وجدها لا تستحق العناء. مدحني كثيرا وأنا استبق كلماته وانتظرت كلمة واحدة وجاءت.لكن.. تلك الكلمة التي امقتها في اي حوار, نعم قالها, هل يستدرك عن شيء قاله, ربما, اصغيت اكثر وتنبهت حواسي امام ملامحه الحادة وصوته القوي. تضاد درامي لست ادري ماذا يعني ولكن أعرف ذلك التضاد بداخلي في كل شيء, أحيانا يتهمونني بالمزاجية, ربما كانوا علي حق فلست بقديرة علي فهم نفسي لأحكم عليه وتماثلت صور كثيرة امامي, رأيت التضاد يتلاعب بي تماما مثلما فعل بروايتي وبدا التباين واضحا لا جدال فيه. نفضت أفكاري جانبا أغرق في كلماته من جديد لكن تلك المرة لم تلتقط أذني الكلمة فقطبت جبيني وكأنما لاحظ عدم فهمي فأعادها( غياب كسر التوقع) لم أفهم ان كان مدحا ام ذما, نزع نظارته في هدوء ناظرا إلي محاولا الشرح في نفس هدوئه المثير. (التوقع) تلك هي الكارثة ليس توقعه ولكن توقعي أنا!! ذلك البريق في عينيه هو ما لم أتوقعه, نظراته المثبتة علي جذبتني بعيدا, ربما أبعد من غرفته الصغيرة تلك بجوها الدافئ وألوانها الخانقة وشعرت ببرودة تنساب إلي أطرافي أكثر وسكنت قدمي المضطربة. سرحت بعيدا في عينيه اللتين اخترقتاني دون ان يشعر هو, شعرت بذلك المكتب يتلاشي واني اقتحم عالمه وشعرت به رجلا امامي وليس معلمي! دون وعي ازحت خصلة شعري إلي الخلف في دلال لم يلحظه.. استمر في حديثه الذي حاولت مرارا ان أعود إليه ولكن كانت عيناه أقوي من محاولاتي. في محاولة أخيرة لجذبه تظاهرت بقراءة اوراقي التي امامه واقتربت منه في خجل ربما كان من نفسي, شعرت بأنفاسة قريبة تداعب انفاسي فعاد قلبي يتقافز بين ضلوعي.. خشيت افتضاح امري فعدت إلي مقعدي محاولة ان اتابع كلماته, ووجدت الأحداث بآخرها فأدركت ان كثيرا فاتني وكعادتي لم أفهم شيئا, وفجأة سقط القلم بجواري, انحنيت لالتقطه وصافحت جبهتي جبهته وسري دوار خفيف وانطلقت مني آهة مصحوبة بابتسامة فابتسم ايضا وتوقف عن الكلام في لحظة طالت, أو هكذا احسست تلاقت عيناه بعيني في ود ولمحت فيهما نظرة أخري لم اعهدها من قبل. ربما كانت المرة الأولي التي يراني فيها فقد كان يستكشف وجهي في فضول, اعتدل في جلسته وكذلك فعلت وظل الصمت بيننا مشحونا بكثير من الاضطرابات وكل منا يحاول اختلاس النظرات دون ان يضبط متلبسا. وأخيرا اعاد تثبيت نظارته كما كانت وقطع الصمت طالبا مني تدارك النقض فير وايتي وناولها لي, ضغطت علي شفتي اليسري في غضب فلم أكن سمعت شيئا مما قاله ولكنه لم يلحظ ذلك. سحبت الباب خلفي خارجة وغضبي يزيد من تدفق الماء إلي وجنتي فشعرت بسخونتهما أكثر من اللازم ولمت نفسي لشرودي ولكن لم يكن ذنبي, وتمتمت في تحسر لو لم ينزع النظارة عن عينيه!! ولاء جمال يوسف قنا