في قريتنا الطيب اهلها.. عشت طفولتي أو بالأحري أحلي سنوات العمر فيها شقاوة وتعثر بكارة. نتذكر القليل من ملامح وجوهنا وبكائنا وحماسنا نتسلق الاشجار.. ونجري خلف الطائرات الورقية والفراشات.. كانت الدنيا رحبة وكريمة ومحبة ومتسامحة. نملأ سلال البنات بالثمار والازهار.. تسكننا البهجة وتتمدد في هدوء.. لانعرف الهموم.. اصلب من اعواد القمح التي تلهب الشمس ظهرها ولاتشكو.. تدوسها عجلات المحاريث الثقيلة ولاتنضب.. الطفلة التي كانت تخبيء في ملابسها قطع الحلوي لاجلي.. وتحكي حكايات الدجاج التي كسرت البيض وكيف طاردتها الأم بالعصا.. وحكايات ابن شقيقتها الذي لايكف عن الصراخ والبكاء.. والتمتمات والثغاءات. تتحدث بخفة قلب عصفور صغير.. لم تنبت له اجنحة بعد.. رقيقة طيبة. عرفتنا الطرقات المشجورة والشموس والاقمار ونحن نركض حول الطيور والفراشات التي لاتستطيع اللحاق بها.. لاتعبأ بشعرها المسافر في كل الد نيا وحبها شبه بسبائك الذهب. جميل ان نسرق من العمر بضع لحظات من البهجة والفرح.. استيقظ في الصباح مبكرا.. من تأثير الحجارة التي تقذفها صاحبة الشعر الذهبي وضوء الشمس المتسرب من النافذة المنفرجة والتي لم نتدخل في فتحها.. لكنه النسيم الصباحي الرطب.. تحمل الحلوي ووجها نضرا كثمار الحقل الطازجة وائمة الابتسام. تكلم الاشياء تتحدث في عفوية تبدو عبيطة.. عن امكانية تغيير الفصول.. ومشاركة البنات والفراشات اعراسهن.. خربشاتنا الطفولية مازالت عالقة علي جدران البيوت ولحاء الشجر.. تشهد علي ركضنا خلف الظلال والسحب.. واشجار البرتقال والليمون وكل ما في الطبيعة.. عدت ابحث عن الطفلة التي احببتها. بعد ان داهمتني العواصف والخواطر والكدح المرير.. بعد ان اظهرت لها فرشا وقبعة من الازهار.. وحزمة من الاشعار.. لم اجد الطفلة ولا الدار.. جفت في حقلنا ثمر البرتقال.. قالوا: حين ضاق بصدرها الثوب زوجوها. وغابت ولحقتها الاسرة دون عنوان.. كما غابت رائحة القرنفل والزعتر والليمون وماء الزهر وعطر البرتقال واللوحة الفريدة واناشيد الطفولة كنا نحيا كما تحيا البلابل والجداول والزهور.. لانحفل اذا كانت الدنيا تدور بأهلها اولا تدور.. لاشيء غير الطفولة والبساطة والتعثر والسرور.. في لوعة الغياب والاضطراب والحيرة والشقاء.. اربدت السماء.. وعبت القرية في احشاء الظلام وانطفأت شعلة الحياة.. غيوم تتكاثف تارة وتومض أخري.. فتلقي الرعب في النفس وتدفع السابلة الي الفرار.. انكرتني الازقة والحواري والطرقات المشجرة.. حين صرت وحيدا دونها.. وهي التي اعتادتنا معا. المطر يهطل والرديح تدوي.. لا أفكر في الفرار.. لانه حين تمطر.. اكون في عمر العاشرة.