لم يستطع محمود البساتيني استكمال دراسته.. فبعد انتهائه من المرحلة الإعدادية بالتعليم الأزهري التحق بالصف الأول الثانوي.. لكنه فشل في دراسته.. وترك التعليم ليخرج إلي سوق, العمل وحاول تعلم أي حرفة دون جدوي حتي استشعر مرور سنوات عمره ووصل إلي عامه العشرين. لم يفكر محمود في تحسين وضعه أو الاستقامة لعله يستطيع الانفاق علي نفسه.. وتمني أن يقترن بفتاة تكون له حافزا علي الاستقرار إلا أنه فشل أيضا. وكان كثيرا ما يخرج من البيت باحثا عن أي عمل يتفق مع إمكاناته المعدومة.. وبالطبع كان يعود في كل مرة دون جديد. وذات يوم وقعت عيناه علي محل صاغة استوقفه بريق الذهب المعلق في الفاترينة.. فوقف أمامها يمني نفسه باليوم الذي يعود فيه للمحل وهو زبون.. وعندما وقعت عيناه داخل المحل وجد بائعة تقف بمفردها. لم يفكر محمود في اجتهاد تلك الفتاة وحرصها علي العمل.. وإنما هداه شيطانه للتفكير في ضعف الفتاة وعدم قدرتها علي المقاومة.. وعاد إلي بيته مساء ليعد العدة للاستيلاء علي تلك المشغولات البراقة التي خطفت عينيه وهو يسير في الطريق.. وأعد لمأموريته طبنجة صوت وحبلا وشريطا لاصقا. تحرك في ظهيرة اليوم التالي نحو شارع المنيل حيث وقف علي مقربة من محل الصائغ يراقب حركة المشاه بالقرب منه حتي اطمأن لخلو الطريق.. ودخل المحل وطلب من الفتاة أن تعرض عليه أحد الخواتم بعد أن أبدي رغبته في شرائه. وما ان استدارت الفتاة حتي اخرج الطبنجة وطلب منها الاستسلام إلا أن الفتاة فزعت وصرخت صرخة واحدة عاجلها بعدها بضربة من كعب الطبنجة حيث سقطت علي الأرض. ظن البساتيني أن مهمته قاربت علي الانتهاء وشرع في الاستيلاء علي المشغولات القريبة منه إلا أن صاحب المحل الذي كان بالمخزن الداخلي تنبه لصرخة الفتاة وخرج مسرعا لاستطلاع الأمر فلكمه البساتيني لكمة شديدة في وجهه كادت تسقطه علي الأرض وظن البساتيني الفاشل أن بالمخزن أشخاصا آخرين فقرر الفرار مسرعا للشارع. في ذلك الوقت كانت الأطواق الأمنية بقسم مصر القديمة تجوب الشوارع متفقدة الحالة الأمنية واسترعي انتباههم خروج شاب مسرعا من المحل وهو يحمل حقيبة بيده وعندما حاول أفراد القوة استيقافه اعتدي علي الأول بالضرب وتمكن اثنان منهم من شل حركته والامساك به حيث اكتشفوا حقيقة أمره بعد تفتيش حقيبته وخروج صاحب المحل والعاملة خلفه للحاق به وهما يستغيثان بالمارة. وباقتياده لديوان القسم تبين أنه لم يسبق اتهامه أو ضبطه في قضايا من قبل واعترف بشروعه في سرقة محل المصوغات كما اعترف بفشله في ذلك, كما اعتاد الفشل في حياته, وبعرض الواقعة علي اللواءين إسماعيل الشاعر مساعد أول وزير الداخلية لأمن القاهرة وفاروق لاشين مدير الإدارة العامة للمباحث أصرا علي تحرير محضر بالواقعة وعرضه علي النيابة, حيث قرر مالك مصطفي رئيس نيابة مصر القديمة حبسه أربعة أيام علي ذمة التحقيق.