مما يؤسف له أن بلادنا منذ نشأة حياتنا البرلمانية الحديثة لم تعرف الوعي السياسي والاختيار بين المرشحين والمتنافسين الحزبيين علي أسس سياسية كاملة, إذ ارتبطت تلك النشأة بإرادة الخديو اسماعيل(1879 1963), وليس من خلال التطور السياسي الوطني أو الثورة البرجوازية كما حدث في معظم البلدان الديمقراطية, فقد اقتضت ارادته السامية وفي اطار سعيه لجعل مصر قطعة من اوروبا, انشاء مجلس شوري النواب سنة1866, فوضع لائحته التي تجعل كل ما يتعلق بذلك المجلس رهنا بمشيئته, فهو الذي يحدد الموضوعات التي تعرض علي المجلس وله وحده حق الموافقة والتصديق علي قرارات المجلس أو رفضها وله وحده الحق في دعوة المجلس للانعقاد أو فض جلساته أو منعها من الاساس, ومع هذا فقد اعتبرت الحركة الوطنية انشاء ذلك المجلس النيابي حركة تقدمية ومكسبا شعبيا تسعي القوي الوطنية من خلاله إلي توسيع مجال حركتها وتضيق الفرص امام سلطات الخديو المطلقة ومن هنا كانت المطالبة بدعوة مجلس شوري النواب للانعقاد علي رأس مطالب الثورة العرابية سنة1881, ورغم ذلك لم يكتب لهذا المكتسب الشعبي ان يستمر فقد عصف به الاحتلال البريطاني لمصر سنة1882, واستبدلت سلطات الاحتلال مجالس شكلية صورية كمجلس شوري القوانين أو الجمعية التشريعية بمجلس شوري النواب. وقامت ثورة1919, اهم ثورة شعبية في العصر الحديث لا مجال هنا للاستفاضة في تطوراتها وتداعياتها المهم انه ترتب عليها عمل دستور1923, الذي يقر ان مصر دولة ملكية وراثية حكمها نيابي, يعتمد نظام الحكم فيها علي وجود مجلسين تشريعيين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ, علي أن يقوم الحزب الحاصل علي اغلبية مجلس النواب المطلقة بتشكيل الوزارة, فاذا لم يفز حزب بالاغلبية المطلقة فيكون ائتلافا بين حزبين تصل نسبتهم للاغلبية المطلقة, المهم انه كان هناك عيب خطير في دستور23, وهو انه في مادته(38) يعطي الملك حق حل مجلس النواب, وكان هذا الباب اللعين هو ما دلف منه الاستبداد والعصف بالحياة الديمقراطية السليمة, ويعرف المهتمون ان حزب الوفد ظل هو حزب الاغلبية الشعبية والاجماع الشعبي طوال عهد ما قبل ثورة يوليو اذا لم تنزل شعبيته مطلقا عن90% من اجماع الناس في مصر ومع ذلك فانه لم يتول الحكم الا اكثر قليلا من ست سنوات, كانت معظمها برضاء ورغبة الانجليز كما حدث بعد حادث4 فبراير سنة1942, أم بقية سنوات قبل الثورة فقد تولتها حكومات ادارة استبدادية تأتي دائما بتزوير الانتخابات ويتولي الحكم فيها احزاب مصنوعة كحزب الشعب والاتحاد والكتلة وغيرها, وعرفت مصر فيها حكومات مثل حكومة صدقي باشا جلاد الشعب أو محمد محمود صاحب القبضة الحديدية, المهم انه نتيجة لتلك الانقلابات الادارية لم ينم الوعي السياسي لدي المصريين ولم ينعموا بثمار ثورتهم التاريخية, وعزف الكثير منهم عن المشاركة في انتخابات اغلبها مزور, ومن هنا كانت حفاوة الناس بثورة يوليو1952, اذا تصوروا انها ستعدل ميزان الديمقراطية المقلوب, وخاصة بعد ان اعلنت انها ستعيد للحياة الدستورية قيمتها وحقها الكامل في ادارة البلاد وخاصة بعد ان تخلصت من الملك وهو اهم العقبات في طريق تلك الحياة. ولكن لم تأت الرياح بما تشتهي السفن, اذا عطلت الحياة البرلمانية, وقامت الثورة بالغاء الاحزاب وعزل كل سياسي مرحلة ما قبل يوليو, وانشأت تنظيمها السياسي الوحيد الذي سيظل حتي نهايته تنظيم السلطة الذي يسعي اليه كل المتشعلقين والانتهازيين, ولم تعرف البلاد لمدة اكثر من عشر سنوات سوي برلمان وحيد سمي باسم مجلس الامة استمر ستة اشهر فقط من يوليو57 حتي فبراير1958, ثم مجلس امة الوحدة الذي تم بالتعيين حتي جاءت انتخابات1964, في ظل غياب أي قوي معارضة سياسية حقيقية, واستمر التنظيم السياسي الوحيد مهيمنا علي مختلف شئون السياسة في البلاد علي اختلاف اسمائة من هيئة التحرير للاتحاد القومي للاتحاد الاشتراكي, حتي قرر الرئيس السابق انور السادات حل تلك الصيغة والتخلص منها باعلانه في مارس1976, حل الاتحاد الاشتراكي وتحويله إلي منابر ثلاثة يمين ويسار ووسط وفي نوفمبر من نفس العام تحولت تلك المنابر إلي احزاب سياسية وانفتح الباب امام عودة الحياة الحزبية من جديد فعاد حزب الوفد, وتأسس الحزب الناصري وهكذا حتي اصبح لدينا الان اربعة وعشرون حزبا, ورغم ذلك فان الوعي السياسي لشبابنا يظل دون المستوي المطلوب لتحديات دولة في القرن الواحد والعشرين يشهد علي ذلك تدني نسب المشاركة في الانتخابات والابحاث التي التي تؤكد تهافت المعرفة السياسية لشبابنا, هذا فضلا عما تشهده بلادنا من ظواهر سياسية سلبية كنواب المخدرات والنائب البلطجي والنائب الصايع ونائب النقوط ونائب تهريب الموبايلات وغيرها وهم بالتأكيد نواب دخلوا المجلس عبر اصوات الالاف من الجماهير, ويضيق المقام هنا عن الحديث عن اسباب عزوف الشباب عن المشاركة بفاعلية في الحياة السياسية والتي لابد ان نذكر منها قانون الطوارئ الذي يقيد العمل السياسي وتزوير الانتخابات وشراء الاصوات والاعتماد علي العصبيات العائلية أو علي الطائفية واستثارة النعرة الدينية, الدينية, فضلا عن مشكلات بنيوية داخل الاحزاب المعارضة نفسها. المهم انني اطالب شبابنا المنتمين إلي احزاب سواء كان الحزب الوطني أو الاحزاب المعارضة إلي استغلال تلك الفرصة المتاحة فرصة انتخابات مجلس الشعب للعمل بجد في تقديم شيء مفيد لبلادنا ومستقبلها, وانا اناشد شبابنا المتحمس تكوين جماعات الوعي الانتخابي القومي علي ان تتشكل تلك الجماعات بشكل قومي لا حزبي وطبعا لا مانع من ان تتشكل بشكل حزبي ايضا علي ان تعلن تلك الجماعات رفضها لاساليب البلطجة والعصبيات العائلية وشراء الاصوات أو استثارة العاطفة الدينية,وتعلن انها ستقوم بفضح من يسعي إلي الفوز بتلك الوسائل من المرشحين, وسيكون من مهام تلك الجماعات توعية الناس بان الانتخابات ستكون علي اساس البرامج السياسية للمرشحين وموقفهم من مختلف قضايا الناس كقضية الدعم مثلا والتأمين الصحي والمعاشات والتعليم وقضايا الاسكان والاسعار والبطالة وغيرها من قضايا تمس حياة الناس جميعا, ولعلها تكون فرصة ايضا لمحاسبة النواب السابقين وخاصة وان فضاء الانترنت اصبح يتيح الحصول علي ما يتعلق بانشطة النواب داخل البرلمان السابق. فهل يستغل شبابنا ومواطنونا تلك الفرصة ويؤسسون لمستقبل جديد لبلادنا.