منتصب القامة رحل. مرفوع الهامة رحل. في كفه قصفة زيتون وعلي اكتاف الناس نعشه. من كلمات قصيدته منتصب القامة أمشي التي نظمها شاعر المقاومة سميح القاسم وقد غيبة عنا الموت منذ أيام قلائل نعي شعراء مصر القاسم بعد أن انتقل إلي مثواه الأخير في جنازة مهيبة صباح أمس مؤكدين أنه برحيله يكون قد رحل أحد أهم شعراء المقاومة الفلسطينية وصاحب الصوت العالي في شعر المقاومة الذي ظل يحارب من داخل فلسطين حاملا قلمه في وجه العدو حتي مات تاركا خلفه حلما كبيرا ظل يلهث خلفة في صمود واستبسال وهو تحرير فلسطين والقدس من يد الأحتلال. الشاعر عبدالرحمن الأبنودي ينعي القاسم ويقول يرحل الشعراء الكبار الفلسطينيون واحد تلو الأخر، فلقد سبقه توفيق زياد ثم تبعه محمود درويش وهذا هو ثالثهم يرحل وهو يسمع بأذنيه زائري القنابل التي تطوق غزة ويري أعداد المشردين والثكالي واليتامي ولا يستطيع أن يتخلص من قبضة الوحش الذي ينهش جسده، لقد قاوم سميح ذلك الصوت العالي في الشعر الفلسطيني وتحمل وصبر كثيرا ولكن بالنهاية كانت الغلبة للوحش الذي يهدم الجسد مثله في ذلك مثل شاعرنا أمل دنقل. واستكمل الأبنودي كلامه قائلا لقد عرفنا القاسم مع زملائه من شعراء المقاومة الفلسطينية بعد النكسة في الستينات بفضل أخينا الأستاذ رجاء النقاش الذي كان له الفضل علي تعريفنا بشعراء الحركة الشعرية الناضجة إلي أبعد الحدود، وقد عرفت القاسم عن قرب كما عرفت درويش وكما عرفت توفيق زياد في بيتي بالقاهرة الذي كان مخصصا لهم جميعا ولكن ظلت علاقتي بدرويش أقوي لأنه كان دائم التردد علي مصر أكثر من سميح ولكن يظل القاسم بترول وماكينة النضال والانتفاضة الفلسطينية وصوتها العالي الذي يفضح الظلم والاستعمار وهو كدرويش وغيره من الشعراء كانوا يحلمون بأن يحققوا شيئا من خلال شعرهم لفلسطين للخروج من الظلمة الحالكة ولكنهم رحلوا واحدا بعد الأخر يطعنهم ما يرونه ويستمعون له مما يحدث لفلسطين من انتهاكات للمسجد الأقصي وابتلاعا للقدس وها هو سميح القاسم المنشد العظيم يرحل ويغلب صوته صوت القنابل والمتفجرات التي تقتل أهله وأهلنا في فلسطين، وداعا سميح القاسم. ويقول أحمد عبدالمعطي حجازي أن سميح القاسم أحد وجوه شعراء المقاومة المؤثرة مثله مثل محمود درويش وتوفيق زياد وفدوي طوقان وعبدالكريم الكرمي وابراهيم طوقان وغيرهم من الذين رفعوا راية المقاومة الفلسطينية وكان لهم دورا لا يقل عن دور المقاومين الفلسطينيين بالسلاح مع الفارق بأن المقاومون بالسلاح سوف يذكرهم التاريخ أما من يقاومون بالشعر سوف يذكرهم المستقبل ولن يذهب شعرهم إلي الماضي هو يذهب إلي المستقبل وهذا هو الشعر، مضيفا أن لسميح دور أخر لعبه ليدافع عن وحدة الصف الفلسطيني الذي كان مهددا دائما بانقسامات صفوفه من قبل لعبة الطائفية فهو لم يقدم نفسه أبدا علي أنه درزي ولكنه قدم نفسه كشاعر فلسطيني ودافع عن القضية ورفع وحدة الراية الفلسطينية فوق أي تقسيم في الوقت الذي نري فيه الفلسطينون وقد قسمتهم الصراعات الحزبية بيم جماعة حماس وفتح، هم الآن يحتاجون أن يتعلموا من القاسم هذا الدرس ليعرفوا بأن الفلسطينيين جميعا شعب واحد لا فرق بين مسلم أو مسيحي أو درزي. ويقول الشاعر عبدالمنعم رمضان أنه بموت سميح القاسم أنتهت ظاهرة شعراء الأرض المحتلة التي بدأت بعد نكسة 67 وكانوا وقتها شبابا وقد بدأت هذه الظاهرة لضرورة ملحة وهي أننا بعد النكسة كنا في حاجة إلي ما يعيد إلينا بعض ثقتنا في أنفسنا وما يعيد إلينا روح الروح الضائعة وفي ذلك الوقت ظهر راشد حسين وتوفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وتلقفهم المفكرون والسياسيون وكأنهم سبيلنا إلي استعادة الروح وسموهم شعراء الأرض المحتلة حتي أن الناقد الكبير رجاء النقاش كتب عن درويش كتابا وكذلك سمي أبنه سميح حتي أن نزار قباني شاعر الغزل خشي علي شعبيته من هذه الظاهرة فكتب قصيدة كبيرة بعنوان شعراء الأرض المحتلة . القاسم هو أحد شعراء هذه الظاهرة وبموته تنغلق صفحة الأرض المحتلة لأنه عندما ظهرت كنا نحلم باستعادة الأرض أما الآن فلا نستطيع حتي أن نحلم بخروج إسرائيل فقط نحلم بأن تتوقف عن توسعها. ويؤكد الشاعر طاهر البرنبالي أنه بموت سميح القاسم تكون قد فقدت الأمة العربية كلها وشعب فلسطين خاصة علما من اعلام الشعر العربي المقاوم، علما تحولت بعض أغنياته مثل الذي غناها مرسيل خليفة منتصب القامة أمشي لتبث روح المقاومة في الشعب الفلسطيني والشعوب العربية كلها وأضاف البرنبالي نعلم أن لسميح دور ثقافيا وتنويريا من خلال عمله الصحفي وليس كشاعر يكتب القصيدة وحسب وللأسف في مصر قد لا يعرفه غير شعراء جيل السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي الذين رأوا سميح علي مسرح الحياة المصرية من خلال معرض الكتاب في تلك الأونة، لقد كانت تجربة القاسم ذات خصوصية لأنه لم يخرج إلي المنفي وظل مقاوما من داخل الأراضي المحتلة مما عرضه ذلك للكثير من المعاناة ولكن لم تزده هذه المعاناة غير صمود واستبسال حتي غيبه الموت وفي قلبه أمنية أن تحرر بلادة يوما ما.