قد يظن البعض أن الحوار مع طفلة في الثامنة من عمرها سهل, وأن محاورها بلاشك لن يجد إلا أسئلة قليلة ليطرحها عليها.. وقد يعتقد خطأ أن الكلام سيكون سطحيا, خفيفا, بلا عمق. ولم لا وهو من طفلة في هذه السن الصغيرة لاتعرف من الحياة إلا الدمية التي تلعب بها, وبعض الكلمات التي تثير ضحك من حولها. ولكن مع إسراء الصنداوي كان الأمر مختلفا ومبهرا, ومثيرا للدهشة والإعجاب, فتلك الطفلة الصغيرة التي أبهرت العالم الإسلامي كله بصوتها القوي الرخيم خلال حفل تكريم حفظة القرآن الكريم في احتفالية ليلة القدر, تحولت في حوارها مع الأهرام المسائي إلي طفلة خجول, تتكلم بحساب وثقة ونبرة هادئة, وتري رغم إحساسها بتفوقها وفخر ها بشهاداتها التي تملأ أركان البيت أن هذا شئ عادي, وأن حفظها القرآن الكريم أمر طبيعي إنها فعلا تستحق القبلة الرئاسية بعد أن تلت علي الحضور آيام من سورة القدر. الطفلة التي أبهرت العالم الإسلامي في ليلة القدر: أبي حفظني القرآن ومات إبنة الثماني سنوات التي تدور حياتها في فلك الكتاب والمعهد الديني والمدرسة, حيث يلازمها القرآن الكريم كتابها المفضل الذي تربت معه منذ الصغر واعتادت علي سماعه ووجوده حولها سواء من خلال والدها رحمه الله والشيخ الذي يقوم علي تحفيظها ومدرسيها.. لتجد نفسها فجأة وبعد عدد غير قليل من المسابقات في المسجد والمدرسة وتفوقها الملحوظ حتي علي مستوي المحافظة في تكريم أمام السيد الرئيس ومطلوب منها ترتيل القرآن في بداية الحفل وكأنها بدأت تشعر للتو بالمنحة الربانية التي تحظي بها.. في البداية ألقت علي تحية الإسلام كاملة وانتظرت مني تفسيرا لحديث مع شخصي الغريب عنها, وبعد شرح بسيط قالت لي أنها ستجيبني علي أي سؤال فسألتها عن تكريم رئيس الجمهورية لها, فأكدت أولا إنها حافظة للقرآن كاملا ثم استطردت قائلة الرئيس سألني مين اللي كان بيحفظك؟ قلت له بابا الله يرحمه, ليقبلها السيسي علي رأسها وتتسلم شهادتها والجائزة بعد ذلك. وعن بداية رحلتها مع كتاب الله قالت إن والدها والشيخ الذي كان يداوم علي تحفيظها القرآن بدأوا معها منذ كانت في الراعبة من عمرها, وقالت إنها حصلت علي العديد من الشهادات وحصدت المراكز الأولي في معظمها كأصغر حافظ للقرآن علي حد وصفها وأكدت مداومتها علي الذهاب إلي المعهد إلي جانب المدرسة لمراجعة الأجزاء المطلوبة منها يوميا, وأشارت إلي أن عددا كبيرا من بنات القرية تحفظن القرآن الكريم. وتضيف أن أكثر المواد التي تحب دراستها واستذكارها هي اللغة العربية والدين, وبسؤالها عن المهنة التي تتمني أن تشغلها قالت نفسي أبقي دكتورة, وعندما سألتها عن السبب قالت أنها كانت أمنية والدها وهي تريد تحقيقها, كما أنها تطمح لشئ آخر تنتظر أن تكبر حتي تنفذه حيث قالت نفسي ربنا يديني فلوس ابني بيها مسجد يكون ثوابه لبابا. وعن طقوسها الرمضانية قالت إسراء إنها كانت تؤدي صلاة التراويح يوميا في المسجد كما أنها تداوم علي الصلاة في أوقاتها لأن الله أمرنا بذلك. أستاذها: تلميذة متفوقة ومؤدبة جدا.. إسراء دي حاجة تشرف.. عبارة التهنئة التي أهداها أستاذ إسراء لأسرتها في بداية زيارته لهم بعد التكريم, ليستطرد حديثه مؤكدا أن إسراء تلميذة مؤدبة جدا ومتفوقة في دراستها وربنا حباها بموهبة قلما تجدها في مثل هذه السن, ويشير إلي أنها تربت في بيت إسلامي معتدل بفضل والدها المعلم الذي يدرك أهمية ملازمة التربية الإسلامية للتفوق الدراسي. وأضاف محمد السيد طمان أن تلميذته بركة من الله حيث أنار بصيرتها, فهي قرآن متحرك علي الأرض, وقال إنه كان صديق والدها في المدرسة حيث أشار إلي أن الأستاذ سيد- علي حد قوله الذي كرره وسط حديثه أكثر من مرة- كان له الفضل بعد الله عز وجل فيما وصلت له إسراء ومعه والدتها التي استكملت ما بدأه وتصر دائما علي تنفيذ وصيته لأنها ست بميت راجل علي حد وصفه. أما شقيقها محمد والذي يشارك والدته المسئولية و الحمل فتحدث عن شقيقته بمنتهي الفخر لأنها حافظة لكتاب الله كما حضر معها التكريم الأخير في احتفالية ليلة القدر عندما كرمها الرئيس السيسي ويسعي دائما لإتمام رسالته تجاه شقيقته الصغري حتي يكون والده مرتاح في تربته علي حد وصف والدته. أمها: إسراء وش الخير.. وسافرت عمرة علي حسها سيدة مصرية أصيلة.. هذا أول ما سيتبادر إلي ذهنك بمجرد الحديث مع أم إسراء, هذه السيدة التي لم تغادر أرض قرية فزارة بالمحمودية في محافظة البحيرة إلا مرات معدودة كانت معظمها بمرافقة أبنائها لحضور تكريم لإسراء, لم تفارقها الابتسامة ولا الدعاء طوال الحديث عن أولادها وتحديدا إسراء الإبنة الوحيدة مع3 أولاد أفنت عمرها في تربيتهم ورعايتهم بعد وفاة الوالد حيث يدرس سامح الابن الأكبر بكلية الهندسة, وتخرج محمد في كلية السياحة والفنادق ولا يزال علي في المرحلة الثانوية, وأوضحت أن جميعهم حافظون للقرآن الكريم مع تفاوت عدد الأجزاء.. كان زوجها- رحمه الله- محور حديثها حيث كانت تدعو له بالمغفرة والرحمة كلما تطرقنا إلي الحديث عن تميز إسراء حيث أكدت مرارا وتكرارا أن الفضل لله ثم لوالدها الذي ساعدها في حفظ وتجويد أكثر من20 جزءا من القرآن كما أنه وحتي لحظة فراقه كان لها نعم الأب والمعلم ليس لها وحدها بل لأشقائها ولتلاميذه في المدرسة التي أصبح مديرا لها في سن مبكرة لكفاءته وتميزه.. واستكملت حديثها عن إسراء حيث استعادت ذكرياتها في رحلة تحفيظها كتاب الله حيث بدأت الذهاب إلي رياض الأطفال وملحق بهاالكتاب بصحبة والدها وكان عمرها3 سنوات و8 شهور, وتؤكد أنها ختمت القرآن وكانت لم تبلغ عامها السادس بعد, وأشارت إلي أن الشيخ الذي كان مسئولا عن تحفيظها أكمل معها عشرة أجزاء حتي أكمل والدها المهمة وأتم معها عشرين جزءا حيث كانت تحفظ يوميا ربع جزء أي أنها كانت تقضي8 أيام لحفظ جزء واحد بالتجويد. لحظات صمت عادت بعدها ابتسامة أم إسراء وهي تؤكد أن ربنا أنعم عليها وأعطاها الإرادة لإتمام ذلك مؤكدة أن بركة القرآن كانت تحيط بها في كل لحظة بل بكل أفراد الأسرة, مشيرة إلي إحدي المسابقات في المحافظة التي فازت فيها بالمركز الأول وكانت الجائرة رحلة عمرة حيث ذهبت مكانها في أواخر شعبان الماضي, لتعيد تأكيدها أن إسراء وش الخير حيث تم تكريمها عدة مرات سواء لتفوقها الدراسي أو لحفظها القرآن, كما كرمتها السعودية وهي في سن السابعة حيث حصلت علي المركز الثالث علي مستوي العالم في حفظ القرآن وكذلك شاركت في مسابقة الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن. وتتلاشي تلك الابتسامة قليلا عندما عادت للحديث عن زوجها ووالد إسراء الذي ساعدها حتي وفاته في مايو2013 وبعد إتمام مهمته حيث كان يوصي دائما برعايتها ورعاية موهبتها التي منحها الله إياها. وأضافت أنه كان حريصا علي تعليم أولاده وتقربهم إلي الله لأنه الطريق القويم الذي يضمن تربيتهم التربية الصالحة السوية لأنها في إطار تعاليم الله, وقالت إن ابنها الأكبر حفظ القرآن كاملا حتي انشغل قليلا بدراسته في كلية الهندسة كما أن نجليها الآخرين أيضا يحفظان ما تيسر لهما من القرآن. وأوضحت أن إسراء في الصف الثالث الإبتدائي وكانت الأولي علي مدرستها, وأكدت أن مدرسيها يساعدونها في توفير الوقت حيث مطلوب منها يوميا تسميع جزءين أو3 أجزاء حتي تستمر مراجعتها علي ما حفظته, علاوة علي دراسة القراءات التي بدأت فيها قبل شهر رمضان وتوقفت بعد قراءة حفص حيث تقرر استئناف دراسة باقي القراءات بعد العيد. وعن يوم احتفالية ليلة القدر وتكريم الرئيس السيسي لإسراء قالت: بكيت رغم فرحتي وأنا شايفة الناس كلها بتصقفلها والريس بيكرمها وبيبوس راسها كنت بتمني والدها يكون جمبها ويشوف اليوم ده, واستطردت دون مقاطعة دعيت ربنا إن روحه تكون فرحانة بإسراء, وأضافت أن المسجد أقام احتفالية لإسراء بعد هذا التكريم. ووجهت سؤالي الأخير لأم إسراء عما تتمناه وتطلبه لترد بإبتسامة قائلة عارفه يا أستاذة لما قولت إن بنتي هتنزل في الجورنال عندكم قالولي اشرحي ظروف معيشتك واطلبي زيادة معاش جوزي لكن انا عمري ما هعمل كده حتي لو معاشه قليل أنا مش هحوج ولادي لحد حتي لو العيشة علي القد احنا طول عمرنا رافعين راسنا وربنا ساترنا ببركة العمل الطيب لوالدهم, ومش بتمني غير حاجة واحدة ربنا يبارك لهم ويسعدهم.. كلمات قررت أن أنقلها كما هي لأنها في غني عن أي تعديل أو تنقيح حيث خرجت من لسان صادق بشكل عفوي من سيدة رفضت حتي أن تظهر في إحدي الصور بجوار ابنتها لتصر علي أن تبقي في الظل وراء أولادها, لتطلب مني أخيرا أن ينسب الحق كله لوالدها المتوفي لأنه معلمها الحقيقي.