تباينت آراء خبراء السياسة وتوقعاتهم حول المشهد البرلماني المنتظر, ففي الوقت الذي ذهب فريق منهم إلي تأكيد ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة خالفتهم توقعات الفريق الآخر الذي يري تأثر نسب المشاركة وانصراف عدد كبير من الناخبين عن صناديق الاقتراع. كما اختلفوا فيما بينهم حول ماهية الصراع البرلماني المرتقب بين القوي السياسية والحزبية علي مقاعد البرلمان في ظل النظام الانتخابي الجديد.. وكان للإخوان نصيب كبير من التوقعات السياسية, والاختلاف أيضا حيث تنبأ البعض بمقاطعة تامة للمشهد السياسي من جانب الإخوان وأنصارهم علي غرار ما حدث في الاستحقاق الثاني, في حين أكد البعض الآخر مشاركتهم وترشحهم مع اختلاف الأسباب وطريقة دخول الماراثون الانتخابي.. في البداية يري الدكتور يسري العزباوي- خبير الشئون البرلمانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- أن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية كانت تأتي دائما مخالفة لكل التوقعات حيث كانت ترتفع نسب المشاركة فيها عن غيرها من الاستحقاقات السياسية الآخري كالانتخابات الرئاسية والاستفتاء علي الدستور خاصة أن الحشد للإنتخابات البرلمانية والتنافس عليها وآلياتها مختلفة نوعا ما عن أي انتخابات آخري. ويتوقع أن يكون لقرارات الحكومة الأخيرة تأثيرها علي نسبة المشاركة- حتي لو كانت قرارات صحيحة اقتصاديا لكن المواطن لن يعي ذلك في الوقت الحالي, علاوة علي أن الانتخابات البرلمانية القادمة هي ثامن استحقاق انتخابي بعد25 يناير لذلك قد ينصرف عدد من المشاركين لشعورهم بأنهم يدفعون وحدهم فاتورة الإصلاح. ويؤكد العزباوي أن القبلية والعصبية سيكون لهما تأثير كبير علي زيادة نسبة المشاركة في أماكن معينة علاوة علي العائدين من رموز الوطني والذين سيستغلون شعبيتهم في الدوائر التي كانوا يترشحون عنها من قبل, بالإضافة إلي التحالفات الحزبية التي ستسعي بكل الطرق لضمان أكبر عدد من مقاعد البرلمان القادم. أما عن مشاركة الإخوان من عدمها في الانتخابات القادمة فيري العزباوي أن الإخوان مقاطعون لأن لديهم ما وصفه ب الغباء السياسي الذي سيجعلهم مستمرين في المطالبة بالشرعية وعودة مرسي, الأمر الذي تمسكوا به حتي الآن- في محاولة من بعض قياداتهم للتمسك بعدم المشاركة في المشهد السياسي الحالي- ولكنه يؤكد أن أنصار الإخوان سيشاركون في الانتخابات من خلال من يتفقون مع مرجعيتهم أو مؤيديهم لأنهم من وجهة نظرهم ينتمون لنفس الأيديولوجية السياسية ويختلفون في المسميات فقط, وهؤلاء لن يتخلوا أبدا عن الوجود في المشهد السياسي علي حد قوله. ويوضح أن التجارب السابقة للانتخابات البرلمانية أدت بالمواطنين إلي التفكير فيها علي أنها عملية وقتية يحاول البعض الاستفادة منها قدر الإمكان لأنهم يرون أن نائب الشعب لن يظهر مرة آخري بعد الفوز بمقعد البرلمان, ويضيف أن نجاح العملية الإنتخابية مقرون بالتأكد من الإلتزام بسقف الدعاية الإنتخابية لضمان تنافس حقيقي بين جميع المرشحين مشيرا إلي أن المواطن واع ولديه الحرية وإرادة المشاركة والاختيار ولكن يبقي تنفيذ القانون وتشديد الرقابة علي المشهد الانتخابي منذ بدايته. ويقول الدكتور عمار علي حسن أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة أن الانتخابات البرلمانية دائما ما تحظي بنسب مرتفعة في المشاركة عن أي انتخابات آخري نتيجة زيادة عدد المرشحين وارتباطهم بالشارع بشكل مباشر حيث ينتمي كل منهم لعائلة تنتمي هي الآخري لمركز أو قرية في محافظة, الأمر الذي يضمن نسبة كبيرة من المشاركة قد تتعدي50% خاصة أن المواطنين لديهم شعور عام بضرورة سرعة إنجاز البرلمان حتي ينظر في كثير من القوانين والتشريعات لتعديلها وحتي بعض القرارات الحكومية. ويتوقع عمار مقاطعة الإخوان المشهد البرلماني لأنهم يرفضون العملية السياسية برمتها وينعتونها بعدم الشرعية وبالتالي فإن أي مشاركة منهم تعني اعترافا بما حدث بعد عزل مرسي وهو ما ينكرونه حتي الآن وهو الأمر الذي التزموا به أثناء الانتخابات الرئاسية, مشيرا إلي أن القوي السياسية والأحزاب التي تؤيدهم أو كانت علي تحالف معهم ستوجد في المشهد السياسي بشكل طبيعي علاوة علي مشاركات محتملة قد تتم عن طريق المرشحين المستقلين من خلال بعض التحالفات. ويؤكد أن المجلس القادم لن يشهد ما نطلق عليه أغلبية برلمانية ولن يستطيع أي حزب أن يحظي بوزن ثقيل تحت قبة البرلمان إلا إذا نجحت الأحزاب في الفترة المقبلة في التنسيق فيما بينها بشكل صارم ومحدد, الأمر الذي استبعده عمار قائلا: الانتخابات البرلمانية صعب يحصل فيها تنسيق وتحالف لأنهم يختلفون وقت توزيع الأنصبة, لتتفتت هذه الكتل بمجرد انطلاق الماراثون أو ربما قبل ذلك وبدلا من التحالف يبدأون في التنافس فيما بينهم, مؤكدا أن حدوث ذلك سيرجح كفة المستقلين علي الأحزاب. وتؤكد الدكتورة نورهان الشيخ أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن توقع نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية أمر صعب ولا يمكن التنبؤ به بسهولة مشيرة إلي أن الشعب المصري دائما خارج التوقعات, ولكنها تري أن الانتخابات البرلمانية بشكل عام تحظي بنسب مشاركة مرتفعة نظرا لزيادة عدد المرشحين والدوائر الإنتخابية. وتقول أن الأزمة ليست في نسب المشاركة إنما في الفكر السائد لدي الناخبين عن نائب الخدمات الذي يقدم لهم فرص عمل أو كروت توصية لحل مشكلة ما في قطاع من القطاعات, الأمر الذي يصعب تغييره بين يوم وليلة علي حد قولها. ولكنها تؤكد أن تنشيط المحليات وقيامها بدورها في خدمة المواطنين وتفعيل الرقابة عليها سيؤدي إلي القضاء علي فكرة نواب الخدمات التي ترسخت علي مدار سنوات طويلة. وعن احتمالية ظهور الإخوان في المشهد البرلماني المرتقب تري الشيخ أنهم يستعدون بالطبع من خلال وجوه جديدة تنتمي ربما للصف الثالث أو الرابع وهي وجوه غير معروفة إعلاميا أو سياسيا أو من خلال مرشحين مستقلين ولكنهم يدورون في نفس الفلك, وأشارت إلي أن تمسك الإخوان بالسلطة كبير جدا وتاريخهم يؤكد أنهم لن يستسلموا ويقاطعوا العملية الإنتخابية بل سيبحثون عن سبل مختلفة للمشاركة. ويؤكد الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان أن البرلمان القادم سيكون فرديا ومفتتا علي حد وصفه مشيرا إلي عدم وجود قوي سياسية وحزبية مسيطرة عليه, ويقول ليس لدينا حتي الآن حزب واحد يستطيع أن يهيمن علي ثلث البرلمان مثلا, لذلك يري أنه برلمان فردي فيه بعض المجموعات الصغيرة المجتمعة أو بينها تنسيق أو اتفاق ما. ويقول عودة أن المسألة حتي الآن لاتزال تجريبية حيث أن تطبيق النظام الانتخابي الجديد لأول مرة يحتمل كل التوقعات, ويري أن نسبة المشاركة الشعبية في الإنتخابات ستكون مرتفعة ولكن لن يتمكن حزب واحد من تعبئة الناس وحشدهم خلفه. ويري أن الإخوان لن يكون لهم أي دور في الانتخابات المقبلة, مشيرا إلي أن رغبة أي مرشح- معروف انتماؤه ولو فكريا للإخوان يتطلب منه اعترافا بانسحابه بعيدا عن الجماعة وقبوله بالمشهد السياسي الحالي بأكمله, مشيرا إلي أن اعتمادهم علي وجوه غير معروفة أمر وارد خاصة مع زيادة أعداد المرشحين علي المقعد الواحد, الأمر الذي يصعب معه الوصول لانتماءات وتوجهات كل منهم.