يستشرف السودان في9 يناير2011 إجراء الاستفتاء علي حق تقرير المصير لمواطني جنوب السودان, وهو أحد البنود الأساسية في اتفاقية السلام الشامل التي تم توقيعها في نيفاشا في كينيا عام2005 حيث حدث توافق علي منح الجنوبيين الحق في تقرير المصير بالتصويت: إما لبقاء جنوب السودان ضمن السودان الموحد, أو لانفصاله عن السودان في إطار حق تقرير المصير, بحيث يفضي الاستقلال إلي دولة جنوبية ذات سيادة, وسيكون لها اسمها ونشيدها الوطني وعلمها الخاص وجيشها الخاص وعملتها وسفاراتها في الخارج وعضويتها في الأممالمتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية. وقد وقعت نزاعات عديدة بين شمال السودان وجنوبه, ودامت أكثر من عقدين من الزمن, وتعددت مبادرات السلام بين الطرفين وهي: بروتوكول مشاكوس الذي وقع في كينيا عام2002, وبروتوكول الترتيبات الأمنية الذي وقع في نيفاشا في كينيا عام2003, وبروتوكول تقاسم الثروة الذي وقع في نيفاشا عام2004, وبروتوكول تقاسم السلطة الذي وقع في نيفاشا عام2004, وبروتوكول حسم النزاع في جنوب كردفان وقع في نيفاشا عام2004, وبروتوكول حسم النزاع في أبيي الذي وقع في نيفاشا عام2004, وآخرها اتفاقية نيفاشا عام2005. وأبرز نقاط اتفاق نيفاشا هي ما يلي: حق تقرير المصير للجنوبيين نص اتفاق السلام علي حق تقرير المصير لجنوب السودان في نهاية الفترة الانتقالية لتحديد ما إذا كان الجنوب سينفصل عن البلاد أو لا. تقاسم السلطة سيشكل حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبيةحكومة وحدة وطنية ذات نظام إدارة لامركزية, كما ستشكل الحركةإدارة منفصلة تتمتع بحكم شبه ذاتي في الجنوب. وستكون نسب المشاركة في الحكومة المركزية52% للمؤتمر الوطني,28% للحركة الشعبية, و14% لباقي القوي السياسية. كما ستكون العربية والإنجليزية اللغتين الرسميتين للبلاد, وسيشغل سكان الجنوب30% من الوظائف الحكومية. جارانج نائبا أول للرئيس سيتولي زعيم الحركة العقيد جون جارانج منصب النائب الأول للرئيس في حكومة الوحدة الوطنية بصلاحيات واسعة, كما ستجري انتخابات عامة علي كافة المستويات في مدة لا تتجاوز السنة الرابعة من بداية الفترة الانتقالية. تقاسم الثروة يتم تقاسم الثروة القومية بالتساوي خصوصا من عائدات آبار النفط في المنطقة الجنوبية التي يوجد بها معظم النفط المستغل, فيتم تقاسمها مناصفة بين الحكومتين الجنوبية والمركزية بعد منح2% علي الأقل للولايات التي ينتج النفط فيها. وتخصص نصف عائدات البلاد غير النفطية من الضرائب والرسوم التي تجمعها الحكومة الوطنية في الشمال لحكومة الجنوب بإشراف هيئة مشتركة. ويتم تشكيل نظام مصرفي مزدوج بحيث يكونفي الشمال إسلاميا يحظر التعامل بالفائدة وفي الجنوب تقليديا. كما يفتتح في الجنوب فرع للبنك المركزي الذي سيصدرعملة جديدة بتصاميم تعكس التنوع الثقافي في البلاد. إدارة جبال النوبة وولاية النيل الأزرق سيكون لجبال النوبة وولاية النيل الأزرق اللتين تشكلان مناطق تماس بين الشمال والجنوب, حكومتان يرأس كلا منهما بصفة دورية حاكممن الحركة الشعبية أو حزب المؤتمر الوطني, وبعد إجراء الانتخابات منتصف الفترة الانتقالية ينتخب الحاكم مباشرة من الناخبين المسجلين بالولاية. وسيكون للمنطقتين برلمانان منتخبان يكون التمثيل فيهما علي النحو التالي:55% لحزب المؤتمر الوطني و45% للحركة الشعبية. منطقة أبيي ستمنح هذه المنطقة الغنية بالنفط التي تعتبر حاليا جزءا من ولاية غرب كردفان وضعا خاصا, وسيعتبر سكانها في الفترة الانتقالية مواطنين في ولايتي شمال كردفان( شمال) وبحر الغزال( جنوب) وستدار من قبل مجلس تنفيذي محلي ينتخبه سكانها. وسيتم نشر مراقبين دوليين لمراقبة تطبيق الاتفاق في أبيي, في حين سيصوت سكانها في استفتاء منفصل يتزامن مع استفتاء جنوب السودان لتحديد ما إذا كانت ستحتفظ بمكانتها الخاصة في الشمال أم أنها ستكون جزءا من ولاية بحر الغزال في الجنوب. الترتيبات الأمنية ينص الاتفاق علي سحب أكثر من100 ألف جندي حكومي منتشرين في الجنوب, وقوات الحركة الشعبية المنتشرة في ولاية جبال النوبة والنيل الأزرق تحت إشراف دولي, مع مراعاة احترام الحدود الشماليةالجنوبية التي رسمت عام1956 ويقوم مجلس جديد للدفاع المشترك مؤلف من كبار الضباط من الجانبين بالتنسيق بين قيادة قوات الحكومة والحركة الشعبية. ولن يتم دمج القوات الحكومية وقوات الجيش الشعبي بل سيتم التعامل معهما بالتساوي في إطار القوات المسلحة السودانية. وخلال الفترة الانتقالية يساهم الجانبان بأعداد متساوية من القوات لتشكيل قوات مشتركة لنشرها علي جانبي الحدود. وسيكون انتشار القوات المشتركة كالتالي:24 ألف جندي في جنوب السودان,6 آلاف جندي في جبال النوبة,6 آلاف جندي في ولاية النيل الأزرق,3 آلاف جندي في العاصمة الخرطوم. لقد دخل تطبيق هذا الاتفاق الآن إلي مرحلة حرجة حيث يحتدم الجدل في الداخل السوداني حول عدد من القضايا العالقة, وهي الحدود وقسمة الموارد النفطية وقضية أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب حيث يجري الجانبان مفاوضات في أديس أبابا بهدف التوصل لحلول لهذه المشكلات. بخلاف ذلك, تطرح في هذه الآونة مسألة الجنسية في حال اختار الجنوبيون الانفصال في الاستفتاء, حيث تقترح الحركة الشعبية الجنسية المزدوجة أو إبقاء ما سمته الحركة ب المواطنة المشتركة. وفي الحقيقة فإن التداعيات الناجمة عن انفصال الجنوب عديدة. فعلي الصعيد الداخلي, هناك مخاوف من أن يكون الانفصال بداية صراع جديد بين الشمال والجنوب نتيجة لعدم حسم قضايا عالقة كثيرة وأبرزها مناطق التخوم الفاصلة بين الشمال والجنوب مثل جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة وأبيي, فضلا عن احتمال انتقال العدوي إلي بؤر صراعية مفتوحة مثل أزمة دارفور في غرب السودان. وبالنسبة للكيان الجنوبي الوليد يتمثل التحدي في مدي قدرته علي إدارة شئون دولة والقدرة علي مواجهة التحديات الأمنية. وعلي الصعيد الإقليمي, هناك تأثير للانفصال علي دول الجوار الإفريقي مثل إثيوبيا وأوغندا وكينيا من خلال ما يسمي في الكتابات بتدحرج كرة الثلج الجنوبية, لاسيما أن الدول السابقة تعاني من تركيبة اثنية وعرقية غير منسجمة, الأمر الذي يحمل في طياته انتشارا للفوضي والاضطرابات. ولكن ربما كانت المشكلة الأعظم واقعة في شمال السودان, فهو من الناحية الجغرافية الأكبر في المساحة من الجنوب, ومن الناحية الديموغرافية فإنه الأكثر عددا والأفضل تقدما من النواحي الإنتاجية والتعليمية. ولكن هذه الميزات كلها ربما تخفت أمام حالة التفتت في النخبة السودانية التي ضبطت نزاعاتها حتي الآن القوات المسلحة السودانية التي سوف تقع في موقف المحاسبة باعتبارها مسئولة عن ضياع الجنوب. ولكن الأخطر من هذا الضياع سوف يوجد في البحث عن هوية للدولة السودانية التي سوف تولد من جديد. لقد قامت هذه الدولة عند انفصالها عن مصر علي عام1956 علي أساس من كونها أولا دولة متعددة الأعراق علي خلاف مصر المتجانسة; وثانيا لأنها دولة تقوم علي الديمقراطية لاستيعاب هذا التعدد علي خلاف مع مصر التي كانت السلطوية قد طالتها مع استبعاد اللواء محمد نجيب وله أصول سودانية عن الحكم, ووضع نهاية لتعدد الأحزاب مما كان يعني وضع نهاية للأحزاب التي تسعي للوحدة مع مصر مثل الحزب الوطني الاتحادي الذي فاز بالانتخابات في السودان ثم بعد ذلك أخذ القرار بالانفصال عنها. ومن عجب أن هذه القصة تكررت مرة أخري بين مصر وسوريا حينما أدي وضع نهاية للنظام الحزبي إلي أن حزب البعث الذي سعي للوحدة مع مصر لم يلبث بعد إتمام الوحدة أن قام بالانقلاب عليها وقاد إلي الانفصال. ولكن العجب ليس موضوعنا الآن, فقد مر الزمان دورة كاملة وأصبح علي السودان مرة أخري أن يبحث عن هوية جديدة بعد أن ضاع جزء كبير من تعدده مع انفصال الجنوب إذا ما كان ذلك وهو الأرجح خيار الجنوبيين في الانتخابات القادمة. فهل يكون الاقتراب من مصر هو النتيجة الطبيعية التي تعطي للبلدين مزايا إستراتيجية هائلة فضلا عن إعطاء الجنوبيين حافزا للاستمرار في علاقة قريبة من الشمال بدلا من أن يكون قاعدة للخصام معه؟ [email protected]