السؤال السمج والممل الذي يتكرر كثيرا علي ألسنة البعض حول امكانية قبول مصر لنوع من الرقابة الدولية علي الانتخابات, هذا السؤال يعيد الي ذاكرتي كلمات غاضبة قالها قبل سنوات عميد لاحدي الكليات العربية وكان مشاركا في مؤتمر يناقش احوال الاعلام العربي, وعلي الرغم من ان هذا الاستاذ قد تلقي تعليمه الجامعي في مصر قبل ان يسافر الي الولاياتالمتحدة لنيل شهادة الدكتوراة, الا انه ابدي اعتراضه وتحفظه علي ظاهرة يراها غير مبررة علي الاطلاق, وقد حاول جاهدا تلخيصها امام حشد من الاكاديميين والاعلاميين بقوله.. انني لا أفهم سببا واحدا يجعل من عطسة شبرا خبرا مهما لجميع الصحف ووسائل الاعلام العربية, في حين ان حدثا كبيرا في عاصمة عربية أخري بخلاف القاهرة لا يلقي اهتماما يذكر ولو بسطور قليلة وفي احدي الصفحات الداخلية. وحاول الرجل ان يسيطر علي ضجة سرت في القاعة فأسرع شارحا مقصده قائلا.. أرجو الا يغضب كلامي جدا من الاخوة المصريين الذين اكن لهم كل التقدير والاقرار بدورهم الرائد, كما انني عاشق لمصر وشوارعها ونيلها, واحفظ عن ظهر قلب الاسماء والاماكن والتاريخ والجغرافيا, وكلها مشاعر حقيقية لا سبيل للمجاملة فيها, ولكن الستم معي في ان هناك خللا اعلاميا يجب الانتباه اليه, وان علي المصريين ان يتابعوا الاحداث العربية بنفس القدر الذي نتابع فيه احوالهم في جميع الميادين, ولست هنا اطالب بأن يتحدثوا باللهجات الشائعة في البلدان الأخري كما نتحدث نحن ونفهم كل كلمة تقال باللهجة المصرية. هكذا تأتي رؤية من بعيد لما يدور في مصر, وعلي لسان واحد من النخبة والصفوة في بلد شقيق أنعم الله عليه الكثير من الخيرات.. ولا حسد ومنها وسائل اعلام بالغة الثراء ولكنها مثل غيرها تعيش علي الوجبة الاعلامية المصرية. عطسة شبرا.. هنا هي المثال الصحيح للحالة الراهنة والتي تتجاوز المفهوم الاعلامي الي جميع نواحي الحياة المختلفة نتيجة مجموعة من العوامل التاريخية والسياسية والجغرافية والثقافية التي تجعل من أرض الكنانة بوتقة التفاعل في المنطقة. وبدون التقليل من شأن الآخرين, فان مصر ليست ابدا بالدولة النائية المعزولة او المحاطة بسياج من التعتيم والغموض في اي أمر من الأمور, بل والمعني الاصح ان المعاناة الفعلية هي من المبالغة ومحاولة التضخيم والافتعال لوقائع تبدو في الواقع اقل تأثيرا وحجما مما تبدو عليه علي الصفحات الصارخة والفضائيات الملونة. ولعلنا نشير الي تلك اللقطات التي ينظر اليها المواطن العربي علي انها تمثل تجمعا بشريا ضخما في حين انها في المفهوم المصري اقل من عادية حيث يلتف حول مشاجرة بين اثنين عدد أكبر مما يقف علي السلالم او في الشوارع للهتاف أمام الكاميرات. اذن نحن نتحدث عن مصر بطولها وعرضها وشعبها واحداثها وكلها في بؤرة الاضواء الساطعة القادمة من كل اتجاه سواء من العدد الهائل من الصحف والمجلات والفضائيات المحلية وايضا من المكاتب الممثلة لجميع قنوات العالم شرقا وغربا ولا تجد برنامجا واحدا يخلو من الحدث. والمتحدث المصري ايا كان الموضوع والمضمون. واذا حاولنا التمسك بالنوايا الحسنة في الحديث عن الرقابة الدولية فان المسألة تبدو مقبولة لو كانت هناك صعوبات في المتابعة الميدانية لحدث سوف تجري وقائعه علي الهواء مباشرة ووسط اهتمام جماهيري وحزبي واعلامي يفوق الوصف, وتكفي الاشارة الي ان ما قيل عن الانتخابات حتي الآن وقبل حدوثها يصعب معه توقع ما يمكن ان يقال بعد انتهائها واعلان نتائجها, وان كان التفسير المنطقي لهذا الكم من الاتهامات المرسلة هو التمهيد النفسي الذي يلجأ اليه من يتوقع الخسارة الجماهيرية. واذا ذهبنا الي أبعد من ذلك واستثناء أصحاب النوايا الحسنة فاننا سنواجه بثلاث فرق من المطالبين بالرقابة الدولية: ** الفريق الأول: من الباحثين عن دور في المشهد السياسي وان يجذب صوتهم من يعقد معهم صفقة في الداخل أو الخارج ليصبح ناشطا وهو المسمي الجديد للقافزين خارج القنوات الشرعية للممارسة السياسية. ** الفريق الثاني: ويتكون من المعترضين دائما وابدا علي كل شيء وحتي اذا تم القبول بالرقابة المزعومة فسوف يبحثون عن موضوعات وقضايا أخري للرفض والشجب والاستنكار والتنديد, فهذه هي مفرداتهم الدائمة والابدية ولا يمكن التخلي عنها. ** الفريق الثالث: وهو الاخطر من الجماعات الخارجة اصلا عن الشرعية والقانون, وهدفه الوحيد احداث الضجة ومحاولة التسلل والايحاء بوجودها في الشارع المصري. والمفارقة التي تستوجب التأمل والدهشة ان الغالبية العظمي من المطالبين بالرقابة الدولية لم يولدوا في ظروف ديمقراطية وانما العكس هو الصحيح, فقد امضوا سنوات عمرهم في حقبة من الزمن لم تكن هناك انتخابات اصلا ولو حدث فهي استفتاءات تخرج نتائجها99,999% ولم نسمع صوتها وقت شبابها معترضا ولكنها تحاول الآن ان تسجل موقفا لا أكثر رغم ادراكها ويقينها بان مصر تخطو نحو ديمقراطية حقيقية لا ندعي ابدا باكتمالها ولكن بتصميم أكيد علي ان تكون الانتخابات المقبلة هي الأكثر نزاهة وشفافية. ويبقي القول بان الأصوات القادمة من الخارج والتي تحملها بعض التقارير الاعلامية في الصحف الامريكية والبريطانية وغيرها, هذه الاصوات لايمكن الاقتناع بان ما تقوله وما تكتبه يهدف الي صالح مصر والمصريين. وكان من الأولي علي وسائل الاعلام الامريكية والاوروبية ان تتصدي لهذا القتل الجماعي والتدمير الشامل للبلدان التي تعرضت للغزو تحت شعارات الحرية والديمقراطية. وعلي وسائل الاعلام المعروفة بتأييدها لاسرائيل وكراهيتها للمواقف المصرية الصلبة تجاة الحقوق الفلسطينية المشروعة ان تبحث عن طريقة أخري للضغط مع العلم ان القيادة المصرية لا تخضع ولا تلتفت لهذه الأقوال لانها تعرف من يحركها وتدرك مقاصدها ولن يتحقق هدفها, تماما كما حدث طوال السنوات الماضية.