تدور أحداث الرواية حول الجد الاسطوري الذي عاش ومات أكثر من مرة, كانت له في حياته اكثر من شخصية وأكثر من حياة في أكثر من مكان, يعيش الجد مع حفيده الشاب في سيدي براني الواقعة أقصي شمال غرب مصر قرب الحدود مع ليبيا, عاش في محيط ضيق من الناس, لا يجد طريقا للهروب من هذا الواقع سوي نسج حكايات اسطورية عن جده. وهنا حوار مع العزب عن روايته الجديدة وصلتها بأعماله السابقة: * ما دلالة اختيار المكان سيدي براني ليكون مكان انطلاق حكايتك الأسطورية وهل استغللت عدم معرفة الناس به لتدعيم الخيال بالرواية؟ ** سيدي براني مدينة حقيقية موجودة علي أرض الواقع وعلي الخرائط, وهي المدينة التي أقام بها الجد في حياته الثالثة عشرة والتي شهدت تولد الحكايات من الجد لسمعان ولطيبة ومنهما إلي الحفيد الذي ظل يجمع الحكايات في إطار بحثه عن ذاته, ثم ارتحل عنها إلي القاهرة ليواصل سرد الحكايات لمريم, وسيدي براني كما في الرواية ليس مهيمنا عليها كما قد يبدو من العنوان لمن لم يقرأ العمل, فالعنوان هنا يشير إلي معني أبعد من هذا, لأن سيدي براني علم علي شخص هو المتصوف الليبي الذي وقع في الغرام فتم طرده فبدأ حياته في مكان آخر, وعلم علي مكان وهو المدينة الصغيرة الواقعة قرب الحدود المصرية الليبية, وعلم علي حكاية ارتباط هذا الشيخ بهذا المكان, وهذه العلاقة بين الإنسان والمكان والحكاية هي روايتي, كما أن سيدي براني ليست مدينة سرية بل مدينة معروفة لمن يعيشون فيها وحولها أو مروا بها, وليس من الضروري ان يكتب الكاتب عما يعرفة القاريء بل يكتب عما يعرفه هو, وكلما كان هذا الشيء مجهولا لدي القارئ واستطاع الكاتب إضاءته له كان هذا مثيرا للقارئ أكثر. * السرد في الرواية له أكثر من مستوي, كأنك خلطت بين موروثاتنا المختلفة من الحكي والسرد في بناء الرواية الجديدة والتراث الصوفي, كيف تمكنت من هذا الدمج, وكيف وظفته؟ ** الخط الزمني الممتد في الرواية الذي يبدأ في فترة تاريخية غير محددة, ويمتد حتي بدايات القرن الحادي والعشرين, والحيوات المختلفة التي يعيشها الجد بطرق مختلفة وفي أزمنة وأمكنة وظروف مختلفة, كل هذا كان يقتضي الا يتم سرده بطريقة واحدة أو لغة واحدة وإلا وقعت الرواية في فخ التأليف او الاختراع, دون الاشتباك مع ما تحكيه, ولأصبحت الأحداث والحكايات والشخصيات بلاستيكية خالية من الروح, كما أن هذا الاختلاف منحني مساحة واسعة لتنويع طرق السرد واللغة واعتماد طرق متعددة للحكي الشفاهي وتوليد الحكايات من بعضها لأطرح التساؤل الاساسي للرواية حول ارتباط الحياة بالحكايات والتأثير المتبادل بينهما. * ما الذي كان يبحث عنه الحفيد جعله ينقب وراء حكايات الجد؟ ** الحفيد لم يكن يحب العزلة لأنها ليست اختياره وإنما اختيار الجد, وبالتالي أصبح كل ما حوله مفروضا عليه, وكان عليه ان يتعايش معه, يتم مبكر, وصحراء ضيقة برغم اتساعها, وبدو لا يحبون من لا ينتمي اليهم, وجد له طقوس لا يفهمها الحفيد, ومريد يقدس كل ما يصدر عن الجد لا يملك في الحياة إلا حلما لم ينجح في تحقيقه, كل هذا لم يختره الحفيد فكان يضيق به, ولم يجد مهربا مكانيا او زمانيا منه, فهو محصور في الزمان والمكان, ولا طريقة له للخروج إلا بخيال, والحكايات هي جناحا الخيال اللذان يحلق بهما, فالحكايات كما قال الجد أب وأم لمن لا يملك أبوين * لكن الجد لم يحقق أي بطولة فما معني أن يكون أسطوريا؟ ** مفهوم البطولة في الرواية الحديثة يختلف كثيرا عنه في أفلام الدرجة الثالثة, فالبطل لم يعد الشخص الذي يحارب الأشرار حتي ينقذ البطلة الجميلة ثم يقبلها في نهاية الفيلم وتنزل كلمة النهاية. البطل في سيدي براني ليس الشخص أو المكان بل هو الحكاية التي تتولد عن وجود الإنسان في مكان وزمان معينين, والتفاعل بين الثلاثة لخدمة هذه الحكاية. * يدرك أبطال الرواية أن للحكاية سطوتها هل وقعت أسيرا لهذه السطوة؟ ** سطوة الحكاية هي السبب في أشياء كثيرة تحدث حاليا علي أرض الواقع, من عودة القراء إلي الأدب وحفلات التوقيع والبيست سيللر وافتتاح المكتبات والاستثمار فيها وكل هذا المناخ الجميل المنتج والمتذوق للأدب, فقبل دخول القرن الحادي والعشرين وظهور حركة الكتابة والقراءة الحالية كان هناك إهمال للحكاية, وكان هناك بعض الكتاب ينظرون للحكاية باعتبارها حدوتة لتنويم الأطفال ويقيمون الروايات بمدي تخلصها من أي أثر للحكاية, لكن بعودة الحياة للحكاية بدأ جمهور الأدب في العودة اليه مرة أخري, ليصبح الرهان الفني علي قدرة الكاتب علي التمكن من حكايته وتمكن هذه الحكاية من الوصول الي قيمة إنسانية حقيقية والجدل معها أو حولها. * تتسم أعمالك بالغزارة حيث نشرت في اقل من خمس سنوات6 كتب كيف تفسر ذلك وهل الغزارة مفيدة ام تجعل الكاتب يعيد إنتاج عالمه؟ ** رقم خمس سنوات أو أقل هذا غير دقيق نهائيا, والصحيح أنني علي مدار13 سنة كتبت أربع روايات ومجموعة قصصية بين الكتاب والآخر أكثر من سنتين وأحيانا أكثر من ثلاث, في البداية كانت ظروف النشر صعبة فتم نشر بعض الأعمال في أوقات متقاربة, لكن بالنسبة للكتابة أنا لا أتعجل شيئا وسيدي براني مثلا استغرقت سبع سنوات كاملة لأنها كانت تحتاج لهذا, وهناك اتجاهان في أمر الغزارة هناك غزارة خيري شلبي أمام ندرة إبراهيم أصلان, وغزارة نجيب محفوظ أمام قلة إنتاج يوسف إدريس, وفي النهاية الأمر لايقاس بالكم ولكن بالفنية والتأثير, وهذا مايهمني. * بعض القراء يتحفظون علي تناولك للجنس في روايتيك وقوف متكرر وسرير الرجل الإيطالي لأنه بحسب هؤلاء اتسم بشيء من التناول غير الموظف؟ ** الموظف في الحكومة, وليس في الأدب, كتبت قبل ذلك مقالا بعنوان الجنس الموظف..وزميله الجنس العاطل عن العمل لخصت فيه رأيي في هذه القضية التي أراها ساذجة,فأي جزئية في العمل الأدبي لابد أن تنتمي اليه سواء كانت مشهدا حميميا بين رجل وامرأة أو رجلا عجوزا يركب الترام, الكلام عن الفنية محسوم, أما الاعتراضات الأخلاقية فلا علاقة لي بها, وعلي من يرد كتبا لتعليم النشء أن يكتفي بقراءة سلاح التلميذ. * علي الرغم من النجاح النقدي والمبعيات الكبيرة التي حققتها وقوف متكرر إلا ان رواية سرير الرجل الإيطالي لم تحظ بنفس القدر من النجاح,فما تفسيرك؟ ** ربما تكون وقوف متكرر أفضل من سرير الرجل الإيطالي ولهذا نجحت أكثر, هذه إجابة مريحة, لكن الإجابة التي أراها أقرب الي الواقع هي أن وقوف متكرر نشرت في طبعة ثانية وثالثة ورابعة عن دار نشر كبيرة تتقن فن صناعة الكتاب وطبعه ونشره وتوزيعه ومتابعته, أما سرير الرجل الإيطالي فمنذ نشرها في2008 وحتي الآن فهي حبيسة أرفف دار النشر التي أصدرتها, ولا أحد يعلم إلا الله كم نسخة طبعت وكم نسخة تم بيعها.