خلال حواره مع برنامج48 ساعة علي قناة المحور أخيرا كشف رئيس مجلس إدارة الأهرام الدكتور عبدالمنعم سعيد عن تفكير للتحول إلي شركة إعلامية فيها المطبوع والافتراضي والتليفزيون, ورغم أن رئيس مجلس إدارة الأهرام لم يكشف عن التفاصيل, ربما لأنه لم يسأل, أو لأن الأمور قيد الدراسة, ومعروف أن مثل هذه المشاريع الإعلامية الكبيرة لا تخرج للعلن إلا بعد اكتمالها, لكن هذا التوجه في حالة اكتماله سيكون ثاني أهم خطوة في تاريخ الأهرام منذ تأسيسها في السابع والعشرين من ديسمبر عام1875. وخلال رحلة امتدت135 عاما عاشت الأهرام عدة مراحل مهمة, وشاركت في صناعة التاريخ, وأثرت في حياة المصريين بشكل لا ينكره أحد, فهذه الصحيفة التي أطلقت خلال حكم أسرة محمد علي مصر كانت نموذجا للصحافة الخاصة, من ناحية, وتعبيرا عن مصر التي تتسع لكل العرب لذلك لم يكن غريبا أن مؤسسي أعرق صحيفة مصرية وعربية وشرق أوسطية لبنانيان هما سليم وبشارة تقلا, دون أن يثير ذلك حساسية المصريين الذين كانوا أكثر انفتاحا علي الحضارات والثقافات والأجناس المختلفة. وانتقلت الأهرام إلي مرحلة جديدة في حياتها في عهد ثورة يوليو1952 وعلي يد رئيس مجلس إدارتها وتحريرها السابق محمد حسنين هيكل باعتبارها صوت النظام الجديد, وأحد أهم وسائل نشر رسالته السياسية ليس في مصر وحدها وإنما في العالم العربي الذي كان ينتظر من المحيط إلي الخليج ماذا ستقول الأهرام.. كما شهدت تلك المرحلة أيضا تأسيس مركز الأهرام للدراسات السياسية ليكون أحد أهم مراكز التفكير التي يستعين بها صانع القرارالسياسي والاقتصادي والاجتماعي. وفي مرحلة التسعينيات توسعت الأهرام ولم تعد مجرد صحيفة وشركة توزيع تغطي كل شبر في مصر, وسلسلة مطابع تفتح أبوابها لاحتضان الصحافة الحزبية وبشائر الخاصة, لكنها اتسعت أيضا وخرجت منها إصدارات ومطبوعات, تغطي كل مناحي الحياة من ديكور البيت إلي الرياضة وغيرها. لكن جديدا طرأ علي الساحة الإعلامية العالمية أصبح هو الحدث الأبرز في الألفية الثالثة وهو سيطرة عصر الاتصالات والمعلومات, وما نتج عنه من أدوات تمثلت في توسع وتوغل شبكة المعلومات الدولية الإنترنت وتحولها إلي مصدر أساسي لدي الجانب الأكبر من البشر, في نفس الوقت الذي تطورت فيه تكنولوجيا البث للتليفزيون عبر الأقمار الصناعية, لتسيطر علي السماوات العربية نحو أكثر من خمسمائة قناة عربية خالصة, أو أجنبية موجهة وناطقة بالعربية. وشكل هذا الوضع الجديد تحديا كبيرا للصحافة الورقية في سائر أنحاء العالم, وليس سرا أن صناع الصحف في العالم يبحثون بجدية مستقبلهم, وكيف يستمرون في ظل هذه المنافسة الشرسة؟ وبينما تغلق العديد من الصحف الورقية وتتحول إلي إلكترونية, طرأ تعديل مهم علي الصياغة الصحفية في العالم, فلم يعد الخبر هو الحدث الأكبر في الصحف, وإنما أصبحت القصة الخبرية المطعمة بالتحليل والرأي والخلفيات هي إحدي الوسائل لمواجهة تدفق الأخبار عبر الإنترنت والفضائيات علي مدار الساعة. لكن التحدي الأكبر الذي يواجه صناعة الصحافة في العالم هو كيفية صناعة إعلام متكامل, بمعني أنه لا تستطيع صحيفة أو موقع علي الإنترنت أو قناة فضائية الحياة بمفردها في ظل المواجهة الشرسة, ويبدو الاتجاه السائد لمن يريد الاستمرار في المنافسة هو الجمع بين الوسائل الإعلامية في آلية واحدة.. تليفزيون وصحافة وإنترنت. بمعني أن المحرر الصحفي الموجود في مكان الخبر لا يكتفي بكتابة تقرير, وإنما يجب أن يكون مسلحا بكاميرا متصلة بجهاز كمبيوتر, ينقل الخبر علي الهواء للتليفزيون, في نفس الوقت الذي يوضع فيه التقرير المصور علي الإنترنت, مصحوبا بخبر سريع, فيما تصدر الصحيفة في اليوم التالي بتغطية موسعة تجمع بين الخبر والتحليل والصورة, وروابط تقود القارئ إلي الإنترنت والتقرير الذي أذيع علي الفضائية. وقد يعتقد البعض أن مثل هذا الجمع بين وسائط الإعلام يحمل المؤسسات الإعلامية تكلفة بشرية كبيرة, لكن هذا الأمر لا يبدو صحيحا إذا تم تدريب الكوادر الصحفية علي استخدام كل وسائل الإعلام الجديد. وفي تصوري أن انتقال الأهرام إلي هذا العصر ممكن جدا, فهو يمتلك كوادر صحفية ماهرة تغطي كل شبر في مصر, يمكنها أن تربط القارئ والمشاهد بما يحدث في نفس اللحظة, وعندها أيضا يمكن لفضائية اخبارية صادرة عن الأهرام أن تحقق نجاحا وشعبية توازي ما صنعته الجزيرة عبر شبكة مراسلي ومحرري الأهرام, وإصداراتها المختلفة, في كل المجالات.