فصلت قناة سي إن إن أحد مذيعيها المهمين لأنه تحدث بكلام اعتبرته إدارة المحطة غير لائق وغير مقبول في حق مقدمي أحد البرامج التليفزيونية علي شبكة أخري. المذيع المفصول هو ريك سانشيز ذو الأصل الكوبي والذي يعد أحد القلائل من بين الأمريكيين من أصل لاتيني الذين فازوا بهذه المكانة المتميزة في محطة الأخبار الشهيرة. الكلمات التي أطلقها سانشيز أصابت جون ستيوارت الذي يقدم برنامجا فكاهيا يتخذ من السياسة موضوعا له. الطبيعة الفكاهية لبرنامج جون ستيوارت تبرر له السخرية من كل القيادات والرموز ليس فقط في السياسة الأمريكية, ولكن في الحياة العامة في الولاياتالمتحدة بشكل عام. في الولاياتالمتحدة ديمقراطية وتقاليد اجتماعية وثقافية تسمح بذلك, ورغم قسوتها اللاذعة في أغلب الأحيان, فإن السياسيين يقبلونها ولو علي مضض باعتبارها مجرد مزاح, أما الجمهور فإنه يتعامل مع مثل هذه البرامج الفكاهية علي أنها مادة للتسلية أكثر منها مصدرا للتعرف علي الواقع أو لتقرير الاتجاهات والاختيارات السياسية. غضب سانشيز بسبب سخرية ستيوارت منه فوصفه في حديث إذاعي بالمتعصب. ذهب سانشير أبعد من ذلك فتحدث عن ستيوارت اليهودي الذي ينتمي للصفوة القادمة من الشمال الشرقي الأمريكي, والمتعالية علي باقي أمريكا دون فهم. قال سانشير أن ستيوارت يحسده ويغار منه لأنه وهو الأصغر سنا وذو الأصل الكوبي قد فاز بمكانة مساوية لمكانة ستيوارت. انزعجت إدارة سي إن إن من التصريحات الصادرة عن أحد نجوم القناة, وكان عليها أن تختار بين النجم و بين تقاليد ومبادئ العمل في المحطة. الإبقاء علي سانشيز يضمن للمحطة جمهورا بين الأمريكيين القادمين من أمريكا الجنوبية, لكنه يجعل المحطة وسياساتها موضوعا لجدل مهني وسياسي صعب. التخلص من سانشيز يبقي للمحطة علي جمهورها اللاتيني لكنه قد يفقدها آخرين, والأهم من ذلك فإنه قد يلحق بتقاليد المحطة وسمعتها ضررا لها وخيم العواقب. اختارت إدارة سي إن إن التخلص من ريك سانشيز ففصلته وقدمت درسا في احترام التقاليد المهنية, وتفرض قيود الأخلاق والسياسة والمهنية علي حرية الرأي في بلد هو نموذج حي لحرية التعبير عن الرأي. لم يخرج أحد في الولاياتالمتحدة ليعتبر سانشيز شهيدا لحرية الرأي, فالرأي الوحيد المسموح بالتعبير عنه في المنابر المحترمة هو الرأي المسئول الملتزم بأخلاق المهن والسياسة وقواعدها. تذكرت أحوالنا وأنا أقرأ هذه القصة فتبين لي أن الشوط مازال بعيدا.