هل كانت مفيدة محمد غانم بنت مدينة طنطا, والتي أصبحت فيما بعد عزيزة أمير1901 1952, يدر بخلدها أن اسمها سيقترن بواحد من أهم أحداث القرن العشرين الذي شهدته المحروسة, أرض الكنانة, ألا وهو تأسيس السينما المصرية, وذلك عندما أنتجت ومثلت أول فيلم روائي طويل اسمته في البداية نداء الله ثم غيرته ليصبح بعنوان ليلي واعتبر تاريخ عرض الفيلم في نوفمبر عام1927 بدار متروبول هو بداية مسيرة الشاشة الفضية في العالم العربي. المدهش أن تلك الخطوة الجسورة والتي مولها شريك حياتها آنذاك جاءت بعد سنتين فقط لنزوحها إلي القاهرة هوليود الشرق قادمة من الاسكندرية حيث عاشت صباها وبدايات شبابها, وفي الغالب لم يخطر ببال هذه السيدة أن السينما التي دشنتها ستدعو في وقت لا حق إلي أفكار وقيم منها التي تدفع المجتمع وأبنائه إلي الأمام ومنها الذي سيحتقر ويقلل من دور المرأة, بيد أن عددا ليس بالقليل من الشرائط التي انتجت خصوصا في حقبة الابيض والاسود والتي استمرت خمسة عقود, تناغم مع السائد من ثقافة ذكورية, ممجددا إياها, وداعيا إلي السير علي طريق السلف الصالح, فالانثي مصيرها الحتمي هو بيت العدل, وعليها وهي تنتظر ابن الحلال, أن تكون طيعة صبورة, تلبي طلبات الذكور في عائلتها, وفي بيت الزوجية سيكون محور حياتها الوحيد الاهتمام بزوجها وأطفالها وياليتها رزقت بالابناء الذين سيحملون اسم العائلة وفي هذا حسنة لأنها سيطول عمرها في المنزل وإلا لذهب الزوج إلي أخري تنجب له الولد أي أن يحضر لها ضرة تنغص حياتها وكأن ما عاشته كان هناء وسرورا في حين هو الشقاء بلا حدود. ولأن قضية السينما ونون النسوة جد مثيرة, كونها متشعبة وتحمل في طياتها الكثير من المحاور الفرعية التي ترتبط بدورها بكم لا نهائي من التصورات والرؤي المتناقضة العاكسة لازدواجية معاشة في البيئة المصرية, فمن الصعب اذن الالمام بها في تلك العجالة. من هنا ستنطلق سطورنا بداية من شريطين متقاربين في نهجهما ومتزامنين في عرضهما لا يفصل بينهما سوي سنتين, صحيح حمل الفيلمان قدرا لا بأس به من الكوميديا المحببة خصوصا في الاستاذة فاطمة وبدرجة أقل في الافوكاتو مديحة, وصحيح أيضا أن العملين كشفا معا عن أداء رائع من نجوم ذلك الزمان وهم يجسدون الشخصيات التي أسندت لهم, إلا أنهم في الوقت ذاته وهذا هم المهم عكسا جانبا من تصور وإيمان الحياة المصرية حيال دور المرأة وما هو مطلوب منها. لكن الشيء الملفت والمثير في آن هو أن ما طرح خلال هذين الفيلمين من قضايا لم يتم حسمها حتي الآن, وكأننا مازلنا محلك سر! ولنبدأ بالأفوكاتو مديحة الذي أخرجه وقام ببطولته فضلا عن كتابة القصة والسيناريو والحوار فنان الشعب الراحل يوسف وهبي, وعرض قبل ستين عاما بالتمام والكمال أي سنة1950 ورغم أن الأخير سليل بيوتات أرستقراطية فضلا عن إلمامه بثقافة أهل الفرنجة خصوصا الفرنسيين منهم, وشاركته البطولة مديحة يسري إلا أن هذا لم يكن حائلا في تبنيه نفس أفكار العوام دون زيادة أو نقصان ف محمد أفندي خريج كلية الزراعة متمسك بالتقاليد, ويعمل ناظر عزبة جابر باشا( حسين رياض) أما أخته مديحة والتي نالت ليسانس الحقوق من احدي الجامعات الاوروبية فتريد الانطلاق إلي الحياة العملية وممارسة ما تعلمته لأنها ابنة القرن العشرين, وكان طبيعيا أن تجد رغبتها صدا من عائلتها, إلا أن الأمر الذي بدا غير مفهوم هو رفض شقيقها المتعلم ليس ذلك فحسب بل إصراره علي أن تتزوج من ابن عمها إلا بطلة العمل السينمائي تصر علي أن تكون الأفوكاتو, ولكن هيهات فلا زبائن ولا عمل, فالمجتمع لم يعتد بعد علي رؤية محامية تترافع أمام المحاكم, وفي النهاية لابد أن يكون مصيرها الفشل والعودة فورا إلي الصراط المستقيم, والامتثال للاعراف وللتقاليد, ولأن البنت مهما كان تعليمها فلا مفر أمامها سوي الزواج والتفرغ تماما للزوج ثم الأولاد. وفي الاستاذة فاطمة الذي عرض عام1952 وقامت ببطولته فاتن حمامة مع كمال الشناوي وأخرجه فطين عبد الوهاب الأمر لم يختلف كثيرا, الطريف أن الذي كتب السيناريو والحوار لهذا الفيلم هو الراحل علي الزرقاني أحد أعمدة السيناريو في السينما المصرية, ورغم الجهد الواضح الذي بذله القائمون علي الفيلم وذلك من خلال إضفاء جو من المرح والكوميديا إلا أن مضمون الشريط الذي شارك فيه عبد الفتاح القصري وعبد الوارث عسر ورياض القصبجي وسعيد أبو بكر ومحمد علوان لم يكن منصفا لعمل المرأة. مع مستهل المشاهد الأولي كان واضحا حرص الأب عبد الفتاح القصري علي أن تنال ابنته( فاتن الحمامة) تعليمها وتحصل علي الشهادة العليا نكاية في جاره وابنه, فالرجل كان تواقا إلي العلم, لكن فات الاوان, فأراد هنا أن يعوض هذا النقص في ابنته الوحيدة, من جانبها لم تخيب الأبنة ظن أبيها وحصلت علي الدرجة الجامعية وبتقدير جيد جدا في حين حصل ابن الجار اللدود أدي الدور كمال الشناوي علي تقدير أقل. ولأن الفتاة والفتي تربطهما قصة حب فقد أرادا تتويجها بالزواج إلا أن خلافا نشب بينهما, والسبب إصرار الشابة التي حصلت علي ليسانس الحقوق علي العمل كمحامية, في حين كان رأي الشاب علي النقيض, ففتاته التي يحلم بالزواج بها لابد أن تكون' ست بيت', وهكذا يتباعدان( مؤقتا) ويدخلان معترك الحياة العملية, إلا أن الأخيرة أنصفت الرجل رغم أنه حصل علي درجة مقبول في الوقت الذي ناصبت فيه الفتاة المتفوقة العداء. فمكتبها لا يأتيه زبون واحد لتظل قابعة فيه بمفردها تحصد الحصرم مثلها مثل قرينتها في الافوكاتو مديحة, في حين كان الزبائن يهلون علي مكتب حبيبها, وتقع طامة كبري تمثلت في تورط المحامي الشاب في قضية مقتل رجل الاعمال الذي كان في الوقت ذاته صديقه( أدي الدور محمد علوان). انها مؤامرة حاكتها بذكاء الزوجة للتخلص من زوجها الكسيح ولترثه ويخلو لها مع عشيقها صلاح نظمي وتتولي فاطمة مهمة الكشف عن الجريمة في أول قضية تمارس فيها العمل كمحامية, ويكون لها المراد وتحقق المفاجأة وتنقذ حبيبها وهنا يعترف الأخير بأنها محامية أفضل منها وأن مكانها هو مكتب المحاماة أما هي فتخبره بأن مكانها الطبيعي هو البيت في تكريس للنفس النظرة المتدنية تجاه المرأة ولاعزاء لنون النسوة.. وللحديث بقية!