لم يكن الأسبوع الماضي أسبوعا عاديا علي الأهرام بالمرة, ولا أدري شخصيا عما إذا كانت العاصفة ستكون قد مرت أو خفتت ساعة نشر هذا المقال, ولكن ما أعرفه أن أعرق صحيفة عربية تعرضت لعاصفة ضمت غبارا ورمالا وسخونة كما لو كانت رياحا للخماسين في يوم حار جدا ومن عجب أنه في لحظة من اللحظات بدت العاصفة وكأنها تعبر عن حالة ثلجية تغطي فيها كل الآذان ويعزف جمع كثير عن الكلام, وكأن أحدا لم ير ولم يسمع. وفي وقت آخر كانت المسألة كلها كما لو كانت فاصل ردح لصحيفة بدا أنها أخيرا وقعت في شر أعمالها وآن وقت الإجهاز عليها; ولكن الأمر لم يخل من جماعة أخري أحبت الأهرام فراحت ترجو الشفقة علي عزيز قوم ذل, وجل من لا يخطئ ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر أو هكذا تنوعت المقالات والكلمات. بالنسبة لي كانت التجربة جديدة بالمرة, وكل التجارب خلال الأربعة عشر شهرا السابقة كانت كلها جديدة, فقد تعودت دوما علي أن ما أكتبه أو أشارك في كتابته يرسل إلي التحرير لكي يقرر موعد النشر مضافا إليه الكيفية التي ينشر بها. ولم يحدث أن تدخلت لا في الصورة التي تنشر لي مع المقال, ولا تدخلت في المكان الذي تنشر فيه. وعندما حصلت علي عدد من الوثائق الفلسطينية, وكانت لي تعليقاتي عليها, وشارك الزميل والصديق أيضا د. محمد عبد السلام بتعليقات أخري حرصت علي أن يكون إلي جواري في تحرير الموضوع. وعندما أعددنا التقرير الخاص الذي شمل وثيقة جاءتنا من مصادر فلسطينية كنا نظن أننا قدمنا عملا صحفيا مفيدا حتي إننا فكرنا في أن تكون لنا معا تقارير خاصة تنشر كل شهر. وباختصار كانت المسألة كلها في إطار الحماس الصحفي لإضافة جهدنا واجتهاداتنا إلي التطور الصحفي في الأهرام. يوم نشر الموضوع كان يوما عاديا اللهم إلا من تلك الحالة من النشوة التي تصاحب كل كاتب عند نشر موضوعه حتي لو كان يكتب منذ أربعين عاما, وبانتظام منذ ربع قرن علي الأقل; ولأول مرة منذ وقت طويل كان تجهيز الصفحتين فيهما ما يسر من تعدد في الأدوات والصور والعناوين, وباختصار كانت سكرتارية التحرير قد قامت بواجبها. وفي اليوم التالي مباشرة لنشر الموضوع كانت الصورة الرئيسية في الصفحة الأولي للأهرام للرئيس مبارك وهو يقود بالفعل عملية التفاوض الجارية مع الأطراف الرئيسية في مهمة شاقة ومضنية. ولذلك كان الانفجار مفاجأة, والعاصفة منذرة بأعماق لم يكن أحد يتصورها, وفي البداية ظهر الأمر كما لو كان سوء فهم علي نطاق واسع نجم من عملية تشويه واضحة ظهرت علي إحدي المدونات عندما حذف من الموضوع كل أمر آخر, بل لم تتم الإشارة له أصلا, ولا للصور ولا العناوين المصاحبة له, وجعل الأهرام كما لو كانت قد قررت فجأة إعادة نشر صورة نشرتها منذ12 يوما مرة أخري لكي تجعل الرئيس مبارك في المقدمة. المدهش في الموضوع أن أحدا لم يتساءل أبدا عن تلك المناسبة التي تجعل الأهرام تنشر صورة نشرتها من قبل في رداء جديد, وبدت الأهرام كأنها ظهرت إلي السوق الصحفية من ورقة واحدة لا يوجد فيها سوي الصورة المتلاعب فيها. المدهش أكثر أنه بعد أكثر من أسبوع من النقاش في الأمر وإعلان الحقائق كلها وكيف حذف تقرير خاص وعنوان الموضوع الطريق إلي شرم الشيخ, و العبارات المصاحبة للصورة والدالة علي أنها تتحدث عن المفاوضات القادمة في شرم الشيخ وليس تلك التي انتهت منذ وقت طويل في واشنطن, والموضوع ذاته الممتد علي صفحتين موضحتين بالصور والعناوين فإن صحيفة القدس العربي نشرت مقالا لكاتب مصري يقول نفس العبارات وكأن أمرا لم يجر طوال أسبوع كامل من التقييم والبحث. كانت هذه مدرسة علي أي حال تريد تصفية حسابات سياسية مع النظام السياسي المصري, ولم تكن الصورة سوي مناسبة تم اختلاقها لكي تسفر عن هجوم دائم قائم علي سبق الإصرار والترصد. ولكن بعضا من هذه المدرسة, وبعد أن أعاد التفكير واطلع علي الحقائق, لم يجد في نفسه الشجاعة لكي يعود عن الطريق الذي سار فيه, بل رأي في الأمر فرصة لكي يحرز كسبا صحفيا أو سياسيا. وفي يوم من الأيام كانت في صحيفة المصري اليوم ثلاثة موضوعات تهاجم الأهرام من زوايا مختلفة وكأنه لم يعد لدي الصحيفة أمر آخر تهتم به; وعلي دربها سارت الدستور, وصحف, ومواقع إلكترونية أخري. وعندما قام الأستاذ أسامة سرايا بشرح الموضوع في أهرام الجمعة ترك الجميع كل ما أوضحه من حقائق تتعلق بموضوع الهجوم, لكي يركزوا علي مدي توفيقه في استخدام رسم تعبيري عما جاء في الموضوع الذي جري تجاهله من قبل. كان الأمر قد وصل بعد تصفية حسابات سياسية إلي تسوية حسابات صحفية بائسة ليس لها علاقة بما نريده من تقويم للصحافة المصرية. وبعد يومين من بدء العاصفة لم يكن هناك بد من التدخل, ولم يكن ذلك بسبب الحسابات الصحفية أو السياسية, وإنما لأن المسألة بدت مؤثرة علي قارئ الأهرام أولا الذي هو مدد الصحيفة وسبب وجودها علي الساحة علي مدي134 عاما; كما أنها بدت مؤثرة أيضا علي العاملين في المؤسسة الذين استشاطوا غضبا من الهجوم الشامل عليها الذي كان من القسوة إلي الدرجة التي غطت علي حقائق واضحة بلا لبس, وعلي إعلانات رئيس التحرير المستمرة بناصع البراهين والدلائل. وأخيرا كانت الطامة الكبري أن الصحافة الأجنبية اهتمت فجأة بالعاصفة الجارية في مصر, وأعادت نقلها كما هي من أفواه وأقلام الذين يصفون حسابات صحفية أو سياسية, وسبب ذلك ارتعادا في سفارات ومكاتب إعلامية في الخارج علي صورة مصر الخارجية. وكما يحدث في العواصف دائما فإن أهل البيت كثيرا ما يقررون المساندة بالشكل الذي يرونه ملائما, ووجدت كثرة أن الشكل الملائم هو التذكير بمجد الأهرام ومكانتها حتي لو كان هناك خطأ من نوع أو آخر. واستفز الأمر كله صحفيين من الأهرام نفسها يرون أنه لا يجب أن تتعامل الأهرام مع الساحة الصحفية المصرية والأجنبية علي طريقة إدارة الخد الأيسر ساعة الصفع علي الخد الأيمن, وأنه ينبغي رد الصاع صاعين وبنفس الوسيلة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك مريحا, ولا ملائما, كانت لدينا حالة واضحة لاستخدام أدوات صحفية للتعبير عن موضوع بعينه وليس غيره; ومن الممكن التساؤل عما إذا كان ذلك هو أفضل الوسائل أم أن هناك ما هو أفضل, حيث يبقي ذلك جزءا من الخلاف المهني, ولكن أكثر من ذلك تجاوز, وأقل من ذلك امتهان. ومن هنا كان البيان الذي أصدرته للعاملين بالأهرام قبل غيرهم, وهو ذات البيان الذي أرسلته إلي الصحف والمحطات الأجنبية التي تناولت الموضوع, وهو ما قلته تحديدا مسلحا بالصور والوقائع في برنامج48 ساعة في قناة المحور الذي يديره الأستاذ سيد علي والأستاذة هناء السمري. ولم يكن هناك لا تصفية حسابات سياسية أو صحفية, وإنما وضع للأمور في نصابها, والحقائق في مكانها. وبعد أن جاءت العاصفة وتمت مواجهتها فإن ما هو أهم وأكبر هو اكتشاف مكانة الأهرام, وإن ما يغفر لغيرها كل يوم تجري فبركته لكي يتم النيل منها, وإن طريقها في التغيير والتقدم وحمل كلمة التنوير وقيادة الرأي العام في مصر هو مهمة تاريخية لا يمكنها التراجع عنها. إن أمامنا في الأهرام الكثير لكي نحققه متسلحين بالتقاليد المهنية الصحفية العالية, والممارسة السياسية الحكيمة والرفيعة; وإذا كانت العاصفة قد أظهرت المعدن الصلب للصحيفة العريقة, فإن ما تسعي إليه من تقدم سوف يظهر أن تاريخها ممتد حتي مستقبلها. المدهش في الموضوع أن أحدا لم يتساءل أبدا عن تلك المناسبة التي تجعل الأهرام تنشر صورة نشرتها من قبل في رداء جديد.ومن هنا كان البيان الذي أصدرته للعاملين بالأهرام قبل غيرهم, وهو ذات البيان الذي أرسلته إلي الصحف والمحطات الأجنبية التي تناولت الموضوع. [email protected]