جاءت مفاجأة عرض فيلم المسافر في حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي لتشبع رغبة الكثيرين من المهتمين بالسينما في مصر في مشاهدة آخر إنتاج وزارة الثقافة كممثلة عن الدولة المصرية من بعد غياب طويل للدولة عن ساحة الإنتاج السينمائي. وبغض النظر عن دوافع الكثيرين لمشاهدة هذا العمل الكبير إنتاجيا من أموال دافعي الضرائب, فإن الصدمة كانت عامة من بعد انتهاء عرض الفيلم, وإن كانت الانتقادات التي وجهت للفيلم هي أيضا متباينة وتنبع من مختلف التوجهات الفكرية والسينمائية. وبعيدا عن كل ما تضمره النفوس من كراهية لإدارة وزارة الثقافة للحركة الثقافية في مصر في ظل الوزير فاروق حسني وعن روح المنافسة بين السينمائيين حول حصول فيلم المسافر علي دعم تعدي العشرين مليون جنيه من أجل إنتاجه, نحن أمام عمل سينمائي مصري من المفترض أنه صنع ليمثل مصر في المحافل السينمائية المصرية, وقد تحقق هذا من خلال مشاركة الفيلم في مهرجان فينسيا السينمائي في ظل احتفالية كبيرة من وزارة الثقافة شحنت فيها قوات محمولة جوا من الصحفيين لحضور عرض الفيلم وكأننا أمام حدث كبير للحضارة المصرية كنقل أبوالهول لساحة فينسيا مثلا. هذا الفيلم أو هذا العمل تشوبه الكثير من العيوب الخطيرة التي جعلت منه فيلما مفككا لا معني له وبلا أي مضمون, وهذا الرأي لا ينبع من سلوك الفيلم لمنهج غير تقليدي في عملية السرد السينمائي كتلك التي تعود عليها جمهور السينما التجارية, ولا لكونه فيلما يدعي الجدية عبر موضوعات هي في غاية السذاجة من وجهة نظري الضعيفة وبالتالي جاء نفور الجمهور القليل الذي شاهده عبر المهرجانات. لكن فيلم المهاجر ينطبق عليه ما كان بعض أساتذتنا ينعتون به التلاميذ المعروفين بحفظهم للمقرر الدراسي علي ظهر قلب دون أن يفهموا منه شيئا, حيث كانت مقولة أساتذتنا علي تلك النوعية من الطلاب بأنهم حافظون ولكنهم لا يفهمون شيئا, فسيناريو الفيلم شديد التفكك به الكثير من نقاط الضعف, بل أنه ترك الكثير من النقاط محل خلاف بين من شاهد الفيلم حول ما إذا كان الأبطال ومسارهم الدرامي في العمل, بغض النظر عن حبنا أو كرهنا للمسار الدرامي للشخصيات ومدي عمقه ومدي تفاهته. فالفيلم يقدم نفسه من خلال ثلاث مراحل زمنية هي ثلاثة أيام في حياة شخصية حسن التي يقوم خالد النبوي بتجسيد مرحلتين منها وعمر الشريف يتولي تجسيد المرحلة العمرية الثالثة رئيس مكتب التلغرف الذي يقدمه لنا الفيلم من خلال تتابع للصور, مع تعليق من خارج الكادر بصوت لعمر الشريف, وكإننا أمام مسلسل إذاعي, يتسلم عمله في مكتب تلغراف بورسعيد ليكتشف أن هناك فاتنة أرمينية تراسل أحد العاملين في شركة قناة السويس لتعلنه بحبها بالرغم من أنها لا تعرفه شخصيا وتخبره أنها ستمر بميناء بورسعيد علي ظهر سفينة, وهنا يقرر حسن الذي يطلع علي رسائل المواطنين مثل بوسطجي يحي حقي الصعود علي ظهر السفينة وإقناع الفتاة الأرمينية أنه هو حبيبها الذي تراسله والذي تنتظره. هنا ندرك في جو ديكور السفينة المشابه لديكور مسلسلات التليفزيون في السبعينيات من الكارتون المدهون بوية أن المخرج يحاول نسخ فيلم فيليني العظيم فلتبحر السفينة1983 حيث يركب مجموعة من نجوم الأوبرا والموسيقي سفينة عام1914 لنثر رماد مغنية أوبرا شهيرة علي ماء البحر بعد موتها وفقا لوصيتها ومن خلال رحلة السفينة تلك يقدم فيليني ملامح عالم يختفي مع الحرب العالمية الأولي وطبقة من الأرستقراطية في طريقها للاندثار وهي لا تعلم شيئا عن مصيرها هذا وتأخذ في الاستماع للموسيقي الكلاسيك والأوبرا, في حين أن العالم علي شفي جهنم حمراء ستشعل وقودها لمدة أربع سنوات في كل أوروبا. المسافر الذي لا يبرر سلوك أفراده, حيث شخصياته شديدة السطحية تقدم علي أفعال دون بذل أي مجهود درامي لتبرير سلوكياتها يجعل حسن يعثر علي فتاته الأرمينية التي تخال أنه الشخصية التي تراسلها لتأخذ في الرقص معه علي نغمات فرقة عوالم تنشد الأغنية الشهيرة يا حسن يا حسن يا خولي الجنينة, ولا أعلم لعلها أول مرة تنشد العوالم علي ظهر سفينة في السينما المصرية, وفجأة يتحول هذا الحسن الرومانسي الذي ركب البحر بحثا عن هذا الملاك الحالم الذي يحب عبر الرسائل إلي وحش كاسر يغتصب فتاته الأرمينية علي سطح المركب التي يعج سطحها بالمحتفلين يتمايلون مع العوالم, ويصاب حسن بأزمة صحية يكاد يفارق الحياة بسببها. [email protected]