دزيجا فيرتوف(1896 1954) هو المخرج الروسي الكبير الذي كان أول من تكلم عن مفهوم السينما والواقع في تاريخ السينما, حاول فيرتوف صنع سينما ثورية جديدة ترصد الواقع دون تزييف لتتماشي مع روح التغير الكبير في روسيا في ذلك الوقت من بعد الثورة البلشفية ونشأة الاتحاد السوفيتي. أسمه الحقيقي هو( دنيس أبراهيموفيتش اركادبقيتش كوفمان), أهتم بالشعر في بداية حياته وتبني اتجاه المستقبليات في النظم الشعري واهتم بالسينما ليصبح مخرجا سينمائيا بالجريدة السينمائية السوفيتية ويطلق علي نفسه اسم( دزيجا فيرتوف) وهو ما يعني بلغة أوكرانيا. الرجل الذي يصور من أعلي حاول فيرتوف صنع سينما تقدم حقائق الواقع بعيدا عن سينما تزييف الواقع الدرامية بغرض صنع الوعي الجمعي من خلال عدسة السينما, ولكنه دون أن يعلم أعطي الضوء الأخضر لسينما حشد الجمهور حول الأيديولوجية السياسية للنظام الحاكم, وهي السينما التي استخدمت بعد ذلك عبر العصور مع اختلاف النظم سواء كانت النظم الستالينية أو نظام النازي أو حاليا تليفزيون الواقع المشكل للرأي العام الغربي والأمريكي. لقد أطلق فيرتوف مارد الصورة من قمقمه ليعيث في العقول فسادا ويصبح هو السيد حتي يومنا هذا, ولا تستطيع أي قوة مجابهة قدرته علي السيطرة علي توجهات الجموع. حاول فيرتوف صنع الوعي عبر السينما.... الحقيقة عبر السينما ولم يكن يعرف أنه بنفس أدواته سيغيب الوعي عبر السينما وتطمس الحقيقة هذا الفن الجهنمي المسمي الصورة المتحركة. الدراما السينمائية أفيون الشعوب يسقط ملوك وملكات الشاشة الخالدون يسقط السيناريو الخرافي البرجوازي تحيي الحياة كما هي.... تلك هي الشعارات التي كان يطلقها السينمائي التسجيلي الروسي دزيجافيرتوف لإعلان موقفه من السينما الروائية التي كان يري أنها لا تتوافق مع روح الثورة السوفيتية التي قامت في أكتوبر1917 لهدم النظام القديم وارساء قواعد أول دولة اشتراكية في العالم. أسس فيرتوف مجموعة سينمائية أطلق عليها اسم عيون السينما وكان ذلك بعد قيام الثورة مباشرة وأخذت المجموعة علي عاتقها تصوير احداث الحرب الأهلية بين جنود الثورة البلشفية( الحمر) وأنصار الحكومة البرجوازية( البيض) أو المناشفة. اننا نطلق علي أنفسنا اسم عيون السينما((kino-oky لكي نتميز عن السينمائيين هذا القطيع من لمامي الخرق الذين يتاجرون بالثياب البالية.... هكذا كان شعار مجموعة فيرتوف التي رأت أن الثورة تحتاج سينما ثورية. هكذا عرف قيرتوف مجموعة عيون السينما, التي صنعت تاريخها الفعلي من خلال شن معركة لا هوادة فيها لتصحيح مسار السينما عبر ابراز أهمية السينما التسجيلية داخل حجم الإنتاج الكلي للسينما العالمية, من اجل التأكيد علي سينما الواقع, واحلال الوثائق محل سينما الممثل والإخراج, والتخلص من حالة مسرحة السينما والدخول بها داخل الساحة الواسعة للحياة الحقيقية. هذه المعركة بدأت اثناء الحرب الأهلية عندما شرع فيرتوف والمجموعة المصاحبة له في بث اخبار الجبهة في كل أنحاء الأراضي السوفيتية من خلال عرض الأفلام التي تم تصويرها في ميدان القتال, وكانت تلك المهمة اعلي اسهام يمكن أن يشارك به أي سينمائي في اطار الحرب القائمة. وكان من الطبيعي أن يستمر فيرتوف في معركته هذه حتي بعد انتهاء الحرب وحلول السلام بانتصار جنود الثورة, فقد رأي من واجبه أن يعلن لكل سكان الاتحاد السوفيتي عن انتصارات الثورة البلشفية والنجاحات التي تحققها. كانت عناصر سينما الحقيقة هي الاحداث التي تدور في كل أنحاء, الأراضي السوفيتية, وأدواتها كانت.. أعين المصورين وكاميراتهم وأصابع خبراء المونتاج, كل ذلك تحت اشراف المخرج, أو كما يحب فيرتوف أن يطلق علي نفسه) مكون الفيلم(. كان فيرتوف يري أن كل العناصر المكونة لقواعد السينما التقليدية يجب الاستغناء عنها والبداية من الصفرلصنع قواعد جديدة لسينما الحقيقة) العين السينمائية( كما يقول فيرتوف: هي امكانية جعل الشيء غير المرئي مرئيا, غير الواضح.. واضحا, المتخفي.. بارزا, المقنع مكشوفا, التمثيل.. تصرفا طبيعيا, الكذب.. حقيقة. العين السينمائية هي امتزاج العلم مع الأفلام الاخبارية بهدف النضال من اجل التفسير الاشتراكي للعالم, وهي أيضا محاولة عرض الحقيقة علي الشاشة وسينما فيرتوف لا تحتاج إلي استوديوهات ولا إلي ديكورات ولا إلي ممثلين وممثلات فوتوجينيك. كان يري أن انطلاق الكاميرا في مواقع الحدث وتصوير الجاري والآني وقت حدوثه بين الجموع هو أداة لنقل الواقع لجمهوره بلا تزييف ولا تدخل.... لكن هل فعلا لم يكن هناك تدخل؟