أصلي وأسلم علي النبي الزين.. مدحت النبي.. العضم بطل صلاية قال النبي يابلال يذين.. يا أبو بكر قيم الصلاية( الصلاية تعني الألم الشديد يذين فعل أمر بمعني ارفع الأذان ومعني الأبيات أنني عند مديح النبي توقفت العظام عن الألم, ولم يعد غير الأذان الذي كان يرفعه بلال أيام الرسول, والصلاة التي أقامها أبو بكر الصديق) بهذه الأبيات تبدأ السيرة الهلالية في أشهر روايتها التي قضي شاعرنا الكبير الأبنودي عشرين عاما في جمعها. هناك روايات كثيرة للسيرة, بحسب الشعراء الذين تفننوا في تأليفها وحبك أحداثها, لكن كلها تتفق في البدء بمدح الرسول الكريم, قبل حتي توحيد رب الخلق الذي خلق مسلمين ونصاري علي تعبير راوي السيرة. والمديح في السيرة الهلالية لايقف عند بدء القصة بكاملها, بل إن كل حدث بها لابد وأن يبدأ بالمديح والصلاة علي الحبيب, حتي إن أشهر جمل السيرة أصبحت: قال الراوي ياسادة ياكرام.. بعد ذكر المصطفي عليه الصلاة والسلام ثم تبدأ الاحداث( أي أحداث), فمثلا عندما يفتتح الراوي قصة خضرة الشريفة يقول في بدايتها: مدح النبي خدته تجره أحمد.. حبيب الحبايب عند قرضة بنت تسمي خضرة دواما.. تتلو في الكتايب من هنا لايمكننا أن نتجاهل رواة السيرة الهلالية وشعراءها عند الحديث عن المديح, حتي ولو لم يكن إنتاجهم مقصورا علي المديح, أو علي الجانب الديني. ولايمكن أن نحدد من هم رواة السيرة الأوائل, ولا كيف انتشرت الاحداث, فمن الثابت تاريخا أن رواية السيرة قديمة قدم التاريخ, وفي تحقيق تاريخي مصور أجراه الفنان الكبير حلمي التوني ونشرته مجلة المصور في الاربعينات كشف أن طقس الاستماع إلي رواة السيرة كان ثابتا في ليالي رمضان قبل قرون. وفي القرن العشرين عندما بدأ الباحثون يهتمون بهذا التراث العظيم, ظهرت أسماء مثل أبو حسن حفني( وهو غير الريس حفني أحمد حسن صاحب شفيقة ومتولي) وكذلك محمد أبو قناوي, لكن هذين الراويين لم نقف لهما علي سيرة أو إنتاج. فقط اسم يتردد هنا وهناك, أما أقدم رواة السيرة الهلالية فهو الشاعر الرائع جابر أبو حسين الذي بدأت شهرته من خلال برنامج إذاعي شهير كان يقدمه من خلاله الشاعر عبد الرحمن الابنودي الأب الشرعي للسيرة في العصر الحديث, وكان الابنودي ينهي كلامه في كل قصة بمقولة أصبحت مشهورة: قول ياعم جابر. وعم جابر أبو حسين من مواليد3 نوفمبر1913 في قرية أبار الوقف بمركز أخميم محافظة سوهاج, كان يحفظ السيرة الهلالية كاملة عن ظهر قلب. ولمن لايعرف فإن السيرة الهلالية تبلغ نحو مليون بيت شعري, وعندما أراد الباحث الأمريكي جون رينولدز, من جامعة برنستون, أن يسجل السيرة الهلالية عن العم جابر استغرق الامر عدة مئات من الساعات ليؤدي العمل كاملا وهناك شهادة مهمة عن عم جابر قدمها الشاعر الكبير الأبنودي في حوار أجراه معه الصحفي اللامع أسامة الرحيمي: لما كنت أشوف عمك جابر أبو حسين في حي الصهاريج في قنا, موقع قبائل الأشراف, وأري تلك الحشود الهائلة أمامه, يبدو لي أن عدد الناس لانهائي, جاءوا من القري والمدن والنجوع, وهو كان رفيعا مثل هذه العصا, ومسنا, وحاد المزاج, وشبه كفيف, وأذكر مرة كان يرثي عامر الخفاجي حاكم العراق الذي أغرم ببني هلال وراح معهم, وهناك نازل الزناتي خليفة فقتل, وإذ بالناس اللي قدامه يصيحون أرفع يارب, زيح ياكريم.. رجال مسنون ومن أفضل القوم. لكن جابر أبو حسين إذ مال مالوا وإذا ضحك ضحكوا وإذا بكي بكوا. وكانت هناك مرحلة مهمة من حياة الريس جابر أبو حسين وهي التي أقام خلالها في قرية الكوم الأصفر, وهي مشهورة بارتباط عائلاتها بالهلالية, وكان يقيم لدي عائلة المعاتيق, وأحيا هناك العديد من الليالي. وقد عاش عم جابر بالطول والعرض والارتفاع, وكانت لديه زوجتان, وتوفي عام1992, بعد أن سلم الراية للريس سيد الضوي الذي يقدم السرية الهلالية يوميا علي شاشة التليفزيون المصري. وسيد الضوي هذا هو اسمه, فوالده هو الحاج الضوي, أنجبه في فبراير1934 في قنا, تحديدا مركز قوص. وبدأ في تعليمه شيئا واحدا هو السيرة الهلالية, لم يذهب به الي مدارس أو كتاتيب, بل ذهب به إلي القري والكفور والنجوع يحييان الليالي, ويتبعان الموالد وفي النهاية يجلسان مع الرواة لحفظ السيرة, وقد التقي الضوي بعمه وريسه وأستاذه جابر أبو حسين في مرحلة مبكرة من حياته, وعنه أخذ السيرة, وتعلم أداءها وحفظها. وعندما أصبح في العاشرة من عمره وقف سيد الضوي أمام الجمهور ليلعب دور الراوي لأول مرة. وهكذا تجاوز رهبة التقاء الجماهير, وبمرور الأيام أصبحح أسطي في أدائها. ومادام الابنودي قد تعرف علي عم جابر أبو حسين, فإنه بكل تأكيد تعرف علي سيد الضوي, وبعد رحيل عم جابر أصبح الضوي هو شاعر السيرة الأول عند الابنودي, وأحيا معا ليالي وليالي في بيت السحيمي, حتي جاء عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الاخبار والمستنير, علي حد وصف الأبنودي, فأدرك أهمية هذه الملحمة الشعبية, وجعل الأبنودي يسجل السيرة مع سيد الضوي, لتكون وثيقة في التليفزيون, ولحفظ التراث الذي لم يكن مزعا بل تاريخا, ولعبت المخيلة العربية دورا هاما هائلا في نسج هذه السيرة الكبري. قدم سيد الضوي فن السيرة في أكثر من مكان, من أهم هذه الأماكن هي التي دارت فيها احداث السيرة الهلالية الحقيقية, أي تونس العاصمة, وباب عليوة وباب العسل وباب الرئيسي الذي دخل منه أبو زيد الهلالي, كما زار فرنسا وبريطانيا وهولندا والنرويج ومعظم الدول العربية, وكنا قد أشرنا إلي دور عم سيد في تدريب فرقة الورشة خصوصا الشيخ زين محمود علي الإنشاد, رغم أن الشيخ زين كان مداحا بنسبة مائة بالمائة وهو ليس من رواة السيرة. وحاليا هناك أكثر من فرقة وأكثر من راو للسيرة نذكر منهم فرقة أحمد حواس التي تقدم روايات السيرة الهلالية خلال شهر رمضان بمختلف محافظات مصر. والفنان سيد أحمد السيد حواس من مواليد أول سبتمبر عام1944 ابن قرية سند مسط مركز رفتي محافظة الغربية, تعلم أداء السيرة وحفظها مجددا في أسلوب مدرسة والده الشاعر الراحل سيد حواس الكبير. وهو يجيد أكثر من شكل أدائي من الفنون الشعبية, كما يبرع في أداء المواويل الفردية التي قدمها الفنان الراحل( صالح عبد الحي) وسيدة الغناء العربي أم كلثوم, وقد اعتاد جمهوره بمحكي القلعة علي حضور فرقة حواس والتفاعل معها بكثافة, خاصة وهو يذكر بإبداعية والده الراحل السيد حواس. وهكذا فإن حواس من رواة وجه بحري, وليس صعيديا مثل أبو حسين أو الضوي ومن أهم رواة السيرة في الوجه البحري كذلك برز من مركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ كل من الشاعر مبروك الجوهري( قرية النوايجة) والشاعر فوزي جاد( قرية الباكتوش) أما أصغر رواة السيرة فهو ابن عائلة نصر الدين وهي من أبرز العائلات التي أفرزت رواة السيرة. عمره(16 سنة) وهو محمد عزت نصر الدين, ابن شقيق أحد أكبر رواة السيرة الهلالية الشاعر الراحل عز الدين نصر الدين. ويرجع الفضل لإدارة أطلس المأثورات الشعبية في تقديمه لأول مرة للجمهور في محافظة سوهاج, ضمن حفل تكريم أقامته الهيئة العامة لقصور الثقافة العام الجاري تكريما لمسيرة ابداع وعطاء الراحل عز الدين نصر الدين, والذي قال عنه العالم الجليل الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي( أقول أن عز الدين نسخة كاملة تكاد تكون متطابقة من جابر أبو حسين الذي قدم كل روايات الهلالية بالمسبعات والمربعات والقافية في الرواية) وتضم فرقة محمد عزت جل أعضاء فرقة عمه الراحل محمد عزت نصر الدين شاعر السيرة...