لم يعرف أي عمل درامي هجوما شرسا كالذي يتعرض له مسلسل' الجماعة' الذي يعرضه التليفزيون هذه الأيام لا لشيء سوي لأنه يعرض التاريخ الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها علي يد الراحل حسن البنا. ومنذ بدأ الكاتب وحيد حامد في كتابة سيناريو المسلسل بدأت الحرب الإخوانية علي الكاتب والمسلسل, بينما كان لا يزال فكرة في عقل وخيال كاتبه, مما يضعنا أمام حالة من الهحوم الاستباقي استهدفت التأثير علي الكاتب وإرهابه, وربما النجاح عبر تلك الضغوط في تحويل مجري الدراما لتصبح أكثر تعاطفا مع الجماعة, وأقل هجوما عليها. ومع بدء عرض المسلسل في رمضان لم تستطع الجماعة السيطرة علي انفعالاتها فبدأت حربا ضروسا, تستهدف تشويه المسلسل والقضاء علي مصداقيته, في محاولة لإيهام المشاهدين, كما قال وكيل نقابة الصحفيين الإخواني صلاح عبد المقصود في قناة الجزيرة قبل يومين:' المسلسل منحاز ويدس السم في العسل, ويصور رجال أمن الدولة علي أنهم ملائكة, والإخوان شياطين'. ومبعث هذا القلق الإخواني عبر عنه عبد المقصود صراحة بالقول إن توقيت عرض الجماعة قبل انتخابات مجلس الشعب المقبلة من شأنه التأثير في الناخبين, وبالطبع علي الأصوات والمقاعد التي يمكن أن يحصل عليها مرشحو الجماعة. أما ما لم يقله الإخوان أن تأثير الدراما التليفزيونية خاصة في رمضان حيث نسب المشاهدة المرتفعة جدا من شأنه ترك تأثيرات كبيرة لدي المشاهدين قد تفوق بكثير ما يمكن أن تكتبه الصحافة أو يظهر في كتب أو تتم مناقشته في برامج تليفزيونية, لأن الدراما الصادقة التي تدخل إلي عقول وأفئدة المشاهدين تترك تأثيرات من الصعب محوها بعد ذلك بأي طريقة أخري. ويخشي الإخوان أن يؤدي المسلسل إلي عرض التاريخ السري للجماعة علي الملأ, فيعرف الناس حقيقة هذا التنظيم المغلق, وعلاقاته مع الإنجليز أثناء احتلالهم لمصر, وعلاقتهم بالقصر الملكي الذي كان عنوانا للفساد في مصر قبل الثورة, وكيف تحالف الإخوان مع القصر لضرب الحركة الوطنية المصرية. في تاريخ الإخوان أيضا حلقات من العنف, فقد أسست الجماعة جناحا مسلحا, نفذ العديد من عمليات الاغتيال ضد مواطنين مصريين, بعضهم من رجال الشرطة وبعضهم من معارضيهم السياسيين. ومن أبرز مخاطر عرض التاريخ الحقيقي للجماعة في التليفزيون أنه سينقل للمصريين والعرب بشكل بسيط وسلس حقيقة هذه الجماعة التي تتستر بالدين من أجل القفز علي الحكم, ومن ثم السيطرة علي دفة الأمور في البلاد, وإعادة الحياة فيها إلي العصور الوسطي, حيث تصادر الجماعة الحقوق السياسية للمرأة وتتعامل مع الأقباط باعتبارهم أهل ذمة عليهم دفع الجزية ولا يجوز لهم الخدمة في القوات المسلحة. ومنذ ظهور حركة الإخوان عام1928 اجتهد الكثير من المفكرين والسياسيين في كشف زيف ادعاءات الجماعة, وأنها ليست عنوان الحقيقة ولا هي الوريث الشرعي للدين, وإنما هي مجرد جماعة تستخدم الدين لصالح تنفيذ مخططات سياسية لا أكثر ولا أقل. من حق الإخوان أن يغضبوا ويبالغوا في غضبهم, فالجماعة ستكشف حقيقتهم, وتزيل الكثير من الأقنعة التي يرتدونها, وستظهر الحقيقة البسيطة لهذا التنظيم أمام الناس بدون رتوش وفي قالب درامي جميل وبسيط يمكن للمواطنين البسطاء الذين طالموا انخدعوا بالجماعة وصوتوا لها في الانتخابات أن يعرفوا حقيقتها المرة وهي بمرارة العلقم. وللأسف الشديد أن مصر والعالم العربي تذوقوا هذا العلقم طويلا, عبر الإخوان, والكثير من الجماعات التي خرجت من عباءتهم, وصنعوا دوامات من العنف الأسود, وأفكارا متطرفة وتكفيرية, لا تزال عبر كتب مفكر الجماعة سيد قطب تمثل أهم مرجعية للإسلام السياسي والحركات المتأسلمة العنيفة والمتطرفة, ولاتزال دماء تزهق, وأرواح تهدر بسبب أفكار الجماعة.