هناك من الشحاذين من يلجأ الي أسلوب الابتزاز العاطفي, فيستخدم أدوات مساعدة في المهنة مثل الرضع المستأجرين, أوماكينة سن السكاكين, أو دهن أجزاء من الجسم بالميكروكروم, أو ما شابه رغم أننا كثيرا ما نشكو من قلة التخطيط وانعدام التكتيك في مصر, ومن أن الغالبية العظمي من تصرفاتنا لا تعدو كونها ردود فعل لأحداث تقع رغما عنا, إلا أن هناك فئات عدة لديها قدرة فائقة علي التخطيط طويل ومتوسط وقصير المدي. ورغم أن العلم والدراسة يصقلان هذه القدرة, إلا أن السليقة والخبرة والفطرة كثيرا ما تمكن صاحبها من التخطيط الجيد صحيح أن هذا التخطيط يحدث إما لأن النظام العام يؤهل المواطنين ويدفعهم للتخطيط لأنه هو قائم علي فكرة التخطيط وعدم ترك الأمور للمصادفة, أو لأن الأفراد يرون أن مصلحتهم تحتم عليهم التخطيط لها.. وما يحدث في مصر من قيام بعض الفئات بالتخطيط ينتمي في أغلبه للنوعية الأخيرة وعلي الرغم من بشاعة الظاهرة, وما تعكسه من غياب القانون وتفشي العشوائية وانتشار النصب والبلطجة, إلا أن النظر بإمعان في تفاصيل الظاهرة يدل علي أننا قادرون تماما علي التخطيط.. فقبل بدء شهر رمضان المبارك نظمت جموع المتسولين وجيوش الشحاذين أنفسهم وشهدت القاهرة زحفا منظما ظهرت معالمه واضحة في طرقها الصغير منها قبل الكبير رجال مسنون, ونساء عجائز, وشابات في مقتبل العمر, ومراهقون من الجنسين, وأطفال ورضع والجميع يتبع اللعبة بالقواعد نفسها مسكنة, وتراجيديا, وموهبة خارقة في رسم ملامح البؤس والشقاء, وكلمات منسقة منمنمة تدغدغ مشاعر الصائمين الباحثين عن أي صدقة إضافية في الشهر الكريم, وأدعية بالصحة وطول العمر والرضا وراحة البال ومنهم من يلعب علي وتر خوف الصائم من العين والحسد, فتجد الشحاذ أو المتسول يتوجه بثقة بالغة الي صاحب سيارة فارهة يقدر ثمنها بنصف مليون أو يزيد, أو الي سيارة بشوكها, أي تكون قد خرجت لتوها من التوكيل والمقاعد مازالت في أكياسها البلاستيكية, وصاحبها يقودها وكأنه ماش علي قشر بيض, ويقول له بنبرة فيها الكثير من التهديد ربنا يحفظك من شرها يا بيه! أو يارب يحميك من شر الطريق وغيرها من العبارات التي تثير مخاوف صاحب السيارة لدرجة تدفعه الي أن يدس يده في جيبه ويهرع لإعطاء المتسول أي مبلغ ليسكته ويصرفه بأفكاره السوداء بعيدا عنه.. وهناك من الشحاذين من يلجأ الي أسلوب الابتزاز العاطفي, فيستخدم أدوات مساعدة في المهنة مثل الرضع المستأجرين, أوماكينة سن السكاكين, أو دهن أجزاء من الجسم بالميكروكروم, أو ما شابه أما اختيار الأماكن, فيتم بطريقة بالغة الدقة والذكاء فمنهم من يتمركز عند مطلع كوبري6 أكتوبر حيث العقد المرورية التي لا تنفك, أو عند إشارة المرور التي لا تتحول من اللون الأحمر الي الأخضر إلا فيما ندر, أو أمام محلات الحلويات التي يتهافت عليها الصائمون في سويعات ما قبل الإفطار, ففي مثل هذه المواقع الإستراتيجية عادة تكون عملية تطويق الصائم سهلة, إذ يكبس الشحاذ علي الصائم وينظر نظرات لها معان عدة علي عبوة الحلويات التي اشتراها الصائم بمبلغ وقدره, ويبدأ في تكثيف الدعوات له بأن يتقبل صومه, ويجعل لقمته هنية وهو ما يضع الصائم في موقف محرج ويدفعه دفعا الي التصدق. الطريف هو أن مئات, إن لم يكن آلاف الشحاذين والمتسولين من جميع الأعمار ظهرت في خلال أيام عدة وزحفوا الي المواقع الحيوية وكأن اتفاقا مسبقا قد أبرم بينهم علي تقسيم أماكن النفوذ حتي الساعات المخصصة للشحاذة فتخضع لنظام صارم هي الأخري فهناك ساعات ذروة للعمل وأخري ساعات اختيارية, وثالثة لا تكاد تري فيها شحاذا أو متسولا أغلب الظن أن قدرة الشحاذين والمتسولين علي التخطيط والتنظيم لو تم تعميمها علي المستوي القومي لاصبحت مصر في صفوف الأمم الأكثر تقدما. رمضان كريم!