من المعروف عن سينما الثمانينيات أنها اهتمت إلي حد كبير بالبعد الاجتماعي للحكاية التي يسعي صناع الفيلم والي سردها عبر الشاشة الفضية. غير أن معظم الأفلام في تلك الفترة أغفلت العناصر الفنية الأخري لحساب العنصر الاجتماعي وانعكاسه علي السياسة بشكل عام داخل القصة بشير الديك واحد من أشهر كتاب السيناريو منذ عقود و تأتي شهرته في أنه كان من كبار الكتاب الذين ساهموا في صناعة أفلام تلك الفترة. غير أن الغريب في تاريخ بشير الديك السينمائي هو أنه لاينتمي لمدرسة واحدة في كتابة السيناريو ويستطيع الناقد من مجرد مشاهدة فيلم واحد أن يقول هذا الفيلم كتبه الديك إذ ان قائمة أعماله تحتوي علي العديد من التنويعات المختلفة من الأفلام فلديه تجارب متميزة يقف أمامها أي ناقد وهو في حالة دهشة من براعة السيناريو وتماسكه مثل أفلام موعد علي العشاء وطائر علي الطريق والحريف التي أخرجها محمد خان أو أفلام سواق الأوتوبيس وضربة معلم وضد الحكومة للراحل عاطف الطيب. غير أن لديه بعضا من الأفلام التي بدت أقل بكثير من مثيلاتها السابقة مثل فيلم امرأة هزت عرش مصر أو حسن اللول من اخراج نادر جلال. المؤكد في الأفلام التي يوضع علي لافتتها جملة سيناريو بشير الديك أنها لا تحتوي علي أخطاء في الدراما أو البناء مثل تلك التي نشاهدها هذه الأيام. فيلم الكبار الذي يعرض حاليا واحد من تأليف الديك وهو التجربة الاخراجية الأولي لشاب من عائلة العدل السينمائية وهو محمد جمال العدل. غير أن هذا الفيلم يقترب بالنسبة للمشاهد من أن يكون اجترارا لنمط ما تكرر في أفلام الثمانينيات, أنه القالب الذي يعتمد علي شخص ذي صفات بطولية يحارب الفساد المنتشر في العالم من حوله. تلك التركيبة الدرامية معروفة في السينما إذ انها تستند علي فكرة دون كيشوت التي كتبها المؤلف الأسباني سربانتس في القرن السادس عشر. إلا أن فكرة البطل الضد الذي يحارب كل أشكال الشرور في مجتمعه صعدت لقمة الأعمال السينمائية في الفترة التي تلت سياسية الانفتاح الاقتصادي في منتصف السبعينات, أي أن ذروة تلك الأعمال كانت في الثمانينيات تقريبا. كانت حالة التحول في استراتيجية الاقتصاد المصري قد تسببت في التغير في القيم الاستهلاكية في المجتمع المصري فبعد سياسات التأميم الاقتصادية التي قام بها جمال عبد الناصر منذ تأميم القناة في1956 سعي الرئيس أنور السادات بعد حرب1973 إلي التحرك نحو سياسة نقيضة تماما وهي فتح الأسواق والسماح للقطاع الخاص بالدخول بقوة في الاقتصاد المصري, أيضا من هذا المنطلق كانت فكرة ترويج السلع تحل محل ترشيد الاستهلاك, الأمر الذي جعل المجتمع المصري في سينما الثمانينيات تسيطر عليه المادة والمال أكثر من القيم الانسانية. الافلام السينمائية في معظمها وقفت علي الجانب الآخر من تلك التحركات الاقتصادية وتجاوزتها لتصل إلي مراحل أبعد من نقد الفساد الذي يصاحب عمليات التحول الاقتصادي الراديكالي في مصر. وتلك الأفكار تبدو في العديد من السيناريوهات التي قام بشير الديك بكتابتها مثل ضد الحكومة أو ضربة معلم. فيلم الكبار يبدأ بوكيل نيابة يدعي كمال عمرو سعد وهذا الرجل ليس لديه أي رغبة في النظر أبعد مما يراه أمامه, يقوم بعمله بكل طاقته إلا أن التحول الرئيسي في الخط الدرامي ظهر منذ البداية عندما شك كمال في الأدلة التي سقاها للمحكمة في جريمة قتل متهم بها شاب صغير يدعي محمود ولا يستطيع أن يوقف تنفيذ الحكم. يقرر كمال أن يستقيل من النيابة وأن يعمل كمحام حتي يستطيع أن ينقذ الأبرياء من الأحكام. وفي ظل تلك الحالة من الاحساس بالذنب ينزلق كمال في حالة شديدة من الاكتئاب, وعلي الرغم من كون علي ضابط المباحث محمود عبد المغني صديق كمال وضميره الحي إلا أنه لا يستطيع أن ينقذه من تلك الحالة النفسية السيئة, كل المحاولات تبوء بالفشل حتي محاولته في أن يحبسه في قسم البوليس. تتفاقم حالة الاحساس بالذنب وتستمر حالة الاهمال التي يعيشها كمال إلي أن يقتحم شقته مجموعة من الرجال التابعين لرجل أعمال يدعي الحاج خالد الصاوي الذي يسعي لاستغلال معرفته بأحد القضاة سامي العدل ليقوم برشوته لمصلحة قضية تخص الحاج. الفيلم لا يخلو من المشاكل الدرامية, فنحن نجد أن كمال وكيل النيابة الذي تسبب في إعدام الشاب محمود يسعي للتقرب من عائلته المكونة من الأم الضريرة صفاء الطوخي وشقيقته هبة زينة إلا أنه أثناء العزاء في محمود تطرده هبة من الشقة. يستمر كمال في مساعدة العائلة من خلال صديقه علي إلي هنا تبدو الدراما منطقية إلي أن نصل إلي الفترة التي يصبح فيها كمال غنيا بعد أن يتعامل مع رجل الأعمال الفاسد الحاج ويحصل بسبب ذلك علي العديد من الأموال هنا تنتقل العلاقة بين هبة وكمال بشكل غريب من مجرد علاقة عابرة يشوبها الحذر ولم تتكرر مقابلتهما سوي مرتين في المحكمة وفي العزاء, ثم نجد أنهما في مقابلتهما الثالثة يصبحان وكأنهما يعرفان بعضهما منذ العديد من السنين وذلك عندما ينقذها من الشارع في اليوم الأول الذي تقرر فيه أن تعمل كفتاة ليل. لايبدو التمثيل في الفيلم متميزا إذ ان عمرو سعد يستمر في تلبس طريقة أداء النجم الراحل أحمد زكي بعد أن كان يقلده بشكل مبالغ فيه في فيلم دكان شحاتة الذي اخرجه خالد يوسف في العام قبل الماضي. بدت هذه الطريقة في التمثيل واضحة في العديد من المشاهد وربما يكون أقربها للذاكرة مشهد المحكمة الذي بدا في تمثيله وأخراجه أقرب إلي مشهد مشابه في فيلم ضد الحكومة الذي أخرجه عاطف الطيب وكتب السيناريو له بشير الديك عام1992 أيضا فإن أدا محمود عبد المغني خرج عن سيطرته في العديد من المشاهد وأصبح الصياح هو الأسلوب الأقرب إلي ذهنه للتأكيد علي انفعاله. من المؤكد أن قلة خبرة المخرج الشاب محمد العدل تسببت في تجاوزه عن هذا الاداء ولم تسمح له بتوجيه الممثلين بالشكل الكافي. أما خالد الصاوي فقد سمح له رسم شخصية الحاج المتقن أن يقدم أداءا متميزا باستثناء مشهد وحيد خرج عن سيطرة الصاوي وهو المشهد الذي يواجه فيه خيانة كمال في حفل عيد ميلاده. وتحديدا فإن هذا المشهد كانت من أسوأ المشاهد في الفيلم ككل. رؤية المشهد من الناحية الاخراجية كان أقرب للاسلوب المسرحي بدرجة شديدة المباشرة وربما يكون هذا الاسلوب في حركة الكاميرا والاضاءة وحركة الممثلين تسبب في هذا الخروج عن السيطرة. يسعي صناع الفيلم لأن يقدموا نقدا لحالة سيطرة الفساد وتغلغله. ومن المؤكد أن عالم الفساد عالم شديد الإغراء من الناحية الدرامية غير أن مجرد تناول هذا الصراع في فيلم روائي لايعني بالضرورة أنه فيلم متميز, خاصة أن السيناريو من الممكن ان يشوبه الكثير من المباشرة السياسية التي لاتمثل أي قيمة فنية في السينما الحديثة.