أعلن فريق من علماء الآثار في القدس, انهم عثروا جنوب المسجد الأقصي, علي قطعة من لوح من الصلصال, يعود بتاريخه إلي حوالي1400 ق. م نقشت عليه كتابات أكادية, ويرجع العلماء أن هذه القطعة كانت رسالة من أحد ملوك القدس إلي فرعون مصر( أخناتون) وتدخل في نطاق رسائل تل العمارنة, مما يدلل علي خطأ التصور بأن الملك التوراتي( داود) هو باني القدس, وخطأ القول بأن بني اسرائيل, هم الذين أطلقوا عليها اسم( أورشليم) وفوق هذا وذاك, علاقة مصر بفلسطين التي بدأت قبل بزوغ فجر التاريخ, وستبقي إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. فعلي ضوء سجل الآثار المصري. أن هذه العلاقة تعود إلي ما قبل التاريخ, وقد ازدادت في عهد الأسرات الفرعونية الأولي, وقد ابتدأت تجارية, ولكن في عهد الأسرة الخامسة2540 ق. م وفي نقوش( أبو صير) نجد مناظر إقلاع وعودة أسطول مصري إلي أحد شواطئ فلسطين, وبإجماع علماء الآثار, أن استقبال الملك لهذا الأسطول, يحيط به كبار الموظفين, دليل علي أن هذا الأسطول, لم يذهب للحرب أو التجارة, إنما كان في رحلة استكشافية ودية لتلك الشواطئ. وهناك أيضا من الأسرة السادسة في عهد الملك( بيبي الأول) وثيقة مهمة, وهي لوحة القائد المصري( أوني)2400 ق. م وقد ذكر انه ذهب لاخماد ثورة قامت في فلسطين, فجهز جيشين سار أحدهما بطريق البر, وذهب مع الجيش الثاني بطريق البحر, وأنهم نزلوا عند مكان يحتمل أن يكون علي مقربة من جبال الكرمل, وأنه توغل بعد ذلك داخل البلاد وقمع تلك الثورة, وقد ذكر أن أوني كان يجمع في التخوم التي اجتازها من فلسطين, مع رجال القوافل الفلسطينية, الذين كانوا يوثقون الروابط التجارية مع بلاد نهر العاصي بسهل( سارون). ومن المحتمل جدا أن تكون قد انتشرت بواسطتهم السلع والصناعات بين مصر وبلاد مابين النهرين. ومن المعروف أن سنوسرت الأول من الأسرة الثانية عشرة1985 1795 ق. م, قد ارسل حملة جابت فلسطين وسوريا بانتظام, وانتشر المصريون في تلك الانحاء, وانتشرت تبعا لذلك اللغة المصرية, فصار اسم فرعون هناك مقرونا بالخوف والوجل, وفي كنف هذه الأسرة, كانت القدس ضمن المدن الفلسطينية التي تم ذكرها في وثائق أو نصوص اللغة, التي تعود إلي نحو عام1800 ق. م. وتعتبر تلك أول إشارة إلي القدس في السجل التاريخي المصري... وهكذا يمكننا القول علي وجه اليقين, أن مدينة القدس كانت عامرة وذات صيت وذيوع في الشرق القديم. قبل أن يظهر الملك داود المزعوم بحوالي ألف عام, وقد أيد علماء الآثار الاسرائيلية أنفسهم ذلك. ففي يوليو1998, أعلن فريق من علماء الآثار العاملين في دائرة الآثار الاسرائيلية. ان مدينة القدس كانت مدينة مهمة ومتطورة قبل عهد داود المزعوم واستند العلماء في إعلانهم إلي عمليات التنقيب التي أجروها في القدسالشرقية طوال عامين, وأدت إلي اكتشافهم نظاما معقدا لبحر المياه, وصفوه بأنه أحد الأنظمة الأكثر تعقيدا وحماية في الشرق الأوسط, وبأنه يرجع إلي ماقبل عام1800 ق. م, وأعلن جدعون آفني المسئول عن دائرة الآثار في القدس, أن ذلك يغير كل ما نعرفه عن مدينة داود المزعومة فالملك داود لم يبن مدينة جديدة. لذلك يعتبر اعتراف هؤلاء العلماء للمرة الأولي في تاريخ الصهيونية وإسرائيل, ليس اعترافا جريئا فحسب, بل وتناقضا مع واحدة من أبرز المقولات الصهيونية والشائعة, وهي أن الحضارة الاسرائيلية هي أولي الحضارات في المنطقة. وتدور عجلة الزمن, ولكن لصالح عروبة القدس, من خلال سجل الآثار المصرية, فيما أطلق عليه رسائل تل العمارنة التي اكتشفت في نهاية القرن التاسع عشر في موقع تل العمارنة في مصر, وتبلغ379 رسالة, كتبت بالخط المسماري, وهو خط اللغة الأكدية, التي كانت مستخدمة كلغة دبلوماسية, ويعرفها بعض المصريين في بلاط المصريين في بلاط الملك, وتعود في غالبيتها إلي عهدي أمنحوتب الثالث1402 1364 ق. م, و امنحوتب الرابع أخناتون حوالي1364 1347 ق. م, وتعد بمثابة المراسلات الدبلوماسية الرسمية. التي تبودلت بين مصر وحكام فلسطين وسوريا ولبنان وغيرها, وهي أول سجل دبلوماسي كامل تم اكتشافه, يلقي ضوء باهرا علي الحياة السياسية في تلك الفترة التاريخية. والذي يهمنا من هذه الرسائل, تلك التي تبودلت بين مدن فلسطين والملك المصري( اخناتون) وفي غالبيتها رسائل موجهة من ملوك دويلات المدن الفلسطينية وحكامها, الذين ظلوا علي ولاء للفراعنة والمسئولين المصريين. وتبين أن أرض كنعان( فلسطين) تمر باضطرابات وقلاقل. فالمدن الدويلات كانت تحارب بعضها بعضا, وكان الحكام يشكون كذلك من وجود أعداء داخل المدن, ويتوسلون إلي الفرعون أن يمدهم بالعون. وورد أكثر من نصف هذه الرسائل من حكام المدن الفلسطينية, ولسنا نريد أن نتابع هذه الرسائل بالتفصيل, فليس في هذه المقالة موضع لتقصي التفاصيل, ولذلك نكتفي بالاشارة إلي أن حاكم القدس( عبدي خيبا) بادر بإرسال عدة رسائل, وصل إلينا منها ست رسائل إلي فرعون مصر( أخناتون) تتضمن طلب المساعدات, أوشرحا للأوضاع المضطربة, أو يدافع فيها عن نفسه ضد الوشاة الذين اتهموه بخيانة الملك. ولا تعنينا التفاصيل كثيرا. ويكفي أن نقول أن هذه الرسائل, قد أضافت دليلا جديدا علي خطأ التصور بأن داود التوراتي هو باني القدس, وخطأ القول بأن بني اسرائيل هم الذين أطلقوا عليها اسم( أورشليم), فبشهادة أحد نصوص تلك الرسائل, يبدو أن القدس كانت لاتزال في فترة العمارنة علي ولائها للرب المؤسس لها أي( شاليم) إذ أن حاكمها( عبدي خيبا) يتحدث في رسالة إلي اخناتون عن عاصمة أرض أورشليم واسمها( بيت شاليم). وهكذا يتضح لنا جليا, أن العلماء إذا كانوا يبحثون عن أرشيف تاريخي للمرحلة السابقة لمملكتي داود وسليمان, فإنهم لم يعثروا علي ذلك في فلسطين, علما بأن الدول المجاورة قد قدمت أرشيفا تاريخيا للمرحلة نفسها. هذا الغياب هو الذي أسهم بقوة في تحقيق الاجماع علي إسقاط ماضي إسرائيل المتخيل, كما صرح غاربيني وليتش وفلاناغن وهم من أشهر الآثار في إسرائيل : أن الغياب لأي سجل أثري هو الذي يثير أخطر الشكوك حول تصور امبراطورية إسرائيلية كانت تعبيرا عن حضارة نهضوية مجيدة, مما يوحي بأننا بصدد ماض متخيل.ونستطيع أن نستمر طويلا في ضرب الأمثلة من هذا القبيل, نكتفي منها لضيق المجال بما أعلن العالم الأثري الاسرائيلي( زئيف هرتسوغ) في تقريره الذي اثار الجدل في حينه بعنوان التوراة.. لا أثباتات علي الأرض: انه بعد150 عاما من الحفريات المكثفة في فلسطين, توصل علماء الآثار إلي نتيجة مخيفة, لم يكن هناك أي شيء علي الاطلاق, حكايات الآباء مجرد أساطير, لم نهبط إلي مصر ولم نصعد من هناك, ولم نحتل فلسطين. ولا ذكر لامبراطورية داود وسليمان.