قلبت اوروبا الطاولة علي أمريكا الجنوبية بوجود ثلاثة منتخبات من القارة العجوز في دور الاربعة من المونديال بعد ان كانت الافضلية لغريمتها في الدورين الثاني وربع النهائي. وكان الجميع يعتقد ان أمريكا الجنوبية ستكون المهيمنة علي نصف النهائي بعد ان وجد اربعة ممثلين لها في دور ربع النهائي, مقابل ثلاثة لاوروبا لاول مرة منذ اعتماد الدور ربع النهائي في مونديال1954. وبلغت البرازيل والأرجنتين والأوروجواي والباراجواي ربع النهائي من أمريكا الجنوبية, في حين تأهلت ألمانياوهولندا وأسبانيا من القارة الأوروبية, ومن بين المنتخبات الأمريكيةالجنوبية الخمسة التي تأهلت الي الدور الثاني, وحدها تشيلي عجزت عن بلوغ ربع النهائي, لكن أمام فريق من قارتها( البرازيل صفر-3). ومنذ مونديال1954, كان ممثلو أوروبا أكثر بمرتين أو ثلاث مرات من المنتخبات الأمريكيةالجنوبية في ربع النهائي. وفي مونديال2006, خاضت هذا الدور ستة منتخبات من أوروبا ومنتخبان من أمريكا الجنوبية, وهي أرقام مشابهة للنسخ السابقة:5-1 في2002 و6-2 في1998 و7-1 في1994 و6-1 في1990 و5-2 في1986. وكان النظام مختلفا في نسخ1974 و1978 و1982, لكن النسبة كانت مشابهة سابقا, ما عدا العام1970 عندما وجدت أربعة منتخبات أوروبية وثلاثة منتخبات أمريكية جنوبية. لكن كبار اوروبا قلبوا الطاولة تماما في دور نصف النهائي بتأهل اسبانياوالمانياوهولندا, فيما بقي ممثل واحد لأمريكا الجنوبية هو الاوروجواي التي كانت قد تخلصت من' الدخيل' الوحيد علي الدور ربع النهائي وهو ممثل القارة الافريقية المضيفة المنتخب الغاني. وتبدو القارة الاوروبية مرشحة اكثر من اي وقت مضي في كسر روتين تبادل دور البطل مع أمريكا الجنوبية, وستكون الانظار مواجهة بعد غد الأربعاء الي ملعب' موزيس مابهيدا' في دوربن حيث الموقعة النارية المرتقبة بين العملاقين الالماني والاسباني, فيما تتواجه هولندا غدا الثلاثاء مع الاوروجواي. وكان مسار المنتخبات الاوروبية نحو دور الاربعة مختلفا, فخطفت المانيا الاضواء تماما وحققت' الثورة' والمفاجأة, مخالفة التوقعات التي اعتبرت ان ال'مانشافت' سيعاني خصوصا في ظل غياب قائده مايكل بالاك, لكن رهان المدرب يواكيم لوف علي تشكيلة شابة لا يتجاوز معدل اعمارها24 عاما كان في مكانه تماما. لعبت الظروف والاصابات دورها في ان يخوض المنتخب الالماني مونديال جنوب افريقيا2010 باصغر تشكيلة له في النهائيات منذ نسخة1934, الا ان ذلك لعب في مصحلته نظرا الي المستوي الذي ظهر به لاعبوه الشبان في النسخة التاسعة عشرة حيث تعملقوا وقدموا كرة رائعة سمحت لهم في الحاق هزيمة نكراء في كل من العملاقين الإنجليزي(4-1) والارجنتيني(4- صفر) في الدورين الثاني وربع النهائي. دخل وصيف بطل اوروبا2008 وثالث مونديال2006 العرس الكروي الاول علي الاراضي الافريقية بمعنويات مرتفعة بفضل العروض التي قدمها خلال تحضيراته بقيادة جيل من اللاعبين الشبان الذين شقوا طريقهم الي التشكيلة في فترة زمنية قصيرة لم يكن يتوقعها الكثيرون. اجبر لوف علي اتخاذ خيار الاعتماد علي الشبان نتيجة قراره استبعاد بعض المخضرمين مثل تورستن فرينجز وكريستوف ميتسلدر والحارس ينز ليمان وتوماس هيتسلسبرجر الذين كانوا من العناصر الاساسية خلال كأس اوروبا2008. ثم مني المنتخب ببعض الاصابات ابرزها للقائد بالاك ما دفع لوف الي البحث عن بديل تمثل في صانع العاب فيردر بريمن مسعود اوزيل(21 عاما), فيل تراجع باستيان شفاينشتايجر ليلعب امام المدافعين. وتسلم فيليب لام الذي لا يتجاوز السادسة والعشرين من عمره مهام القائد الذي يحث زملاءه الشبان مثل المتألق توماس موللر(20 عاما) علي الاندفاع والتألق, والمفارقة ان جيل المخضرمين في تشكيلة المانيا الاساسية يضم لام(26 عاما) وشفاينشتايجر(25) وبير ميرتيساكر(25) ولوكاس بودولسكي(25 ايضا). وهناك ثلاثة لاعبين فقط يتجاوزون حاجز ال26 عاما, وهم ميروسلاف كلوزه(31 عاما) وكاكاو(29 عاما) وارنيه فريدريتش(31 عاما), اضافة الي الحارس الثالث هانز-يورج بوت(36 عاما). وبتسجيله13 هدفا في خمس مباريات فقط, لم يعد ال'مانشافت' ذلك المنتخب الذي يلعب بواقعية قتالية دون ان يمتع, بل تحول اداؤه الي سلسلة من التحركات السلسة والسريعة والحيوية التي تمتع الجماهير بفنيات لاعبين مثل شفاينشتايجر واوزيل وموللر وبودولسكي وبفعالية كلوزه وكفاحية خضيرة. اما في المعسكر الاسباني, فكان التعويل علي عامل الاستمرارية مع التشكيلة التي توجت بلقب كأس اوروبا2008 علي حساب المانيا بالذات, وقد تسلم فيسنتي دل بوسكي مهام الاشراف علي' لا فوريا روخا' بعد التتويج القاري بدلا من لويس اراجونيس, وقد نجح مدرب ريال مدريد السابق في الارتقاء الي مستوي المسؤولية الملقاة علي عاتقه وقاد بلاده الي الدور نصف النهائي للمرة الاولي منذ1950 بالفوز علي منتخب الباراجواي1- صفر في ربع النهائي. تسلم دل بوسكي مهامه في المنتخب بعد كأس اوروبا مباشرة ونجح في قيادته لمواصلة عروضه الرائعة ومسلسل نتائجه المميزة, ولم يلق ابطال اوروبا طعم الهزيمة بقيادته سوي مرتين في خلال ثلاثة اعوام تقريبا, الاولي علي يد الولاياتالمتحدة في نصف نهائي كأس القارات العام الماضي( صفر-2), والثاني في مستهل المشوار المونديال علي يد سويسرا( صفر-1). لا يزال المنتخب الاسباني يقدم العروض التي سمحت له بان يتوج بطلا لكأس اوروبا للمرة الاولي منذ1964, بقيادة' رئتيه' تشافي هرنانديز واندريس انييستا وسلاحه التهديفي الفتاك دافيد فيا الذي توج هدافا لكأس اوروبا2008 باربعة اهداف, وهو يتجه علي الارجح للظفر بلقب هداف المونديال بعدما سجل حتي الان خمسة من اهداف بلاده الستة. اما من ناحية هولندا التي خرجت فائزة بمبارياتها الثلاث في دور المجموعات للمرة الاولي في تاريخ مشاركاتها, فيبدو انها وضعت خلفها مشاركتها في مونديال2006 ومواجهتها الدموية مع البرتغال, واخفاق كأس اوروبا2008. ويحقق المنتخب الهولندي نتائج مميزة حيث حافظ علي سجله الخالي من الهزائم للمباراة الرابعة والعشرين علي التوالي( رقم قياسي محلي), بدأها مع الفوز علي مقدونيا في10 سبتمبر2008, علما بان هزيمته الاخيرة تعود الي6 سبتمبر2008 عندما خسر امام استراليا1-2, وقد حقق رجال المدرب بيرت فان مارفييك19 فوزا في هذه السلسلة مقابل5 تعادلات, وجاء الفوز التاسع عشر بنكهة خاصة تماما لانه كان ثأريا علي المنتخب البرازيلي(2-1) الذي كان قد اطاح بالبرتقاليين من نصف نهائي1998 بركلات الترجيح وربع نهائي1994. نجح الهولنديون بالواقعية التي يعتمدها مدربهم بيرت فان مارفييك, في تجنب سيناريو مشاركتهم الاخيرة في العرس الكروي عندما ودعوا من الدور الثاني علي يد البرتغال, ويبدو انهم محو صورة الفريق الخارق في الادوار الاولي والعادي في المباريات الاقصائية, من خلال التخلي عن اسلوب اللعب الشامل الذي طالما تميزت به الكرة الهولندية في السبعينيات عبر منتخبها الوطني الذي بلغ نهائيات كأس العالم عامي1974 و1978, او ناديها الشهير اياكس امستردام الذي اعتلي عرش الكرة الاوروبية ثلاث سنوات متتالية(1971 و1972 و1973) بفضل لاعبين افذاذ يقودهم الطائر يوهان كرويف وروبي رنسنبرينك ورود كرول وأري هان وغيرهم. وكانت هولندا تحديدا مدربها الشهير الراحل رينوس ميكلز صاحب الفضل في تعريف العالم علي اسلوب الكرة الشاملة, المبنية علي قيام كل اللاعبين بالهجوم عندما تكون الكرة في حوزتهم, والدفاع عندما تكون الكرة في حوزة الخصم, لكن هذه الخطة لم تنجح في منح البلاد المنخفضة اللقب العالمي حيث سقط علي اعتاب المباراة النهائية. وتغير الوضع مع فان مارفييك في المونديال الحالي, اذ ان المنتخب الهولندي يبرع بنظامه وانضباطه داخل الملعب اكثر من اعتماده علي الكرة الجميلة والاستعراضية, وقد اعطت هذه الخطة ثمارها وتأهل الهولنديون الي نصف النهائي للمرة الاولي منذ12 عاما, وتبدو الطريق ممهدة امامهم لبلوغ النهائي للمرة الاولي منذ1978 والثالثة في تاريخهم لانهم يواجهون الاوروجواي في دور الاربعة.