في أوقات معينة, بدت فكرة الدور الإقليمي مثل' العصاب', وبدا أن الدول تهتم بها أو تتصارع عليها, وأنها مستعدة لتضييع الوقت أو إهدار الأموال في سبيلها, فأحيانا ماتبدو المسألة من بعيد وكأنها' حاجة ملحة' أو' مصلحة عليا', لكن من يقتربون من الأمور أكثر يرون بعض الفوارق, فمسألة الدور تكتسب تلك' السمعة' لدي الدول الثورية التي تجرب نفسها مع تغيير الأمر الواقع في الإقليم, أو الدول الصغيرة التي تبحث لنفسها عن مساحة إعلانية علي الشاشات الفضائية, أم بالنسبة للدول الرئيسية القديمة, التي جربت الأدوار وغرقت فيها, فإنها تعرف القصة الكاملة, لذا فإنه عندما سئل مسئول عربي كبير عن الدور التركي, ابتسم وقال إنهم عقلاء, لكن مالذي يمنع' مرحبا بهم في الشرق الأوسط'. كانت المذكرات التفسيرية لتلك الكلمات مهمة, ففي بدايات الحديث عن الدور التركي, ضمن' بورصة الأدوار الإقليمية', كان الأمر بالنسبة للمسئولين الرسميين في الدول الأخري التي حاول تيار' الصوت والضوء' في القنوات أن يصور مايحدث وكأنه يأتي علي حسابها, واضحا, فتركيا تقوم بتحركات كريمة هادئة تبدو وكأنها مواقف, وهي كذلك, لكنها في النهاية أقرب إلي العلاقات العامة, فهي لاتدفع شيئا, وتحصل علي مقابل إعلامي جيد, وقد احتفظت طوال الوقت بمسافة كافية بين ماتقوم به, وبين مايمكن أن يسمي' الدور', عبر عدم الدخول بالفعل في المستنقع, أو مواجهة الخيارات الصعبة, أو إلزام النفس عمليا بما لا تنوي الحكومة فعله لو لم تقم بإلزام نفسها إعلاميا بذلك, كل هذا شيء, آخر, ومن يقترب منه سوف يفاجأ بحقائق الأمور في المنطقة, أو سيدفع ثمنا. في الفترة الأخيرة, بدا أن تركيا قد بدأت تتجاوز التقاليد المتبعة للأدوار, وتقترب من مساحات صعبة, تتعلق بتحركات عملية, في قضايا ربما لم تتم بشأنها أعمال تنسيق من نوع ما, ولو بقراءة التوجهات من بعد, كما حدث عندما أقدمت مع البرازيل علي عقد اتفاق نووي يتعلق بإيران, قبل أن ترتفع الأيدي الأوروبية الأسيوية اللاتينية معا أمام العدسات, ثم قامت بتبني تسيير قوافل السلام البحرية تجاه قطاع غزة, وبدأت الأمور تتعقد بشدة بالنسبة لها في المنطقة, فهناك مشكلة مع الإدارة الأمريكية, وجدل في لبنان حول ما إذا كانت تركيا' العلمانية' شيعية وليست سنية, وتيار في إسرائيل يعتقد بنسبة78% أن تركيا دولة معادية, وربما يجد كثيرون في المنطقة أن كل هذا جيد, وقد يسألني أحد: وإنت زعلان ليه ؟, فتركيا تتحول لدولة ممانعة. وفي الحقيقة, ليست لدي مشكلة مع كل ذلك, فلدي مشكلة أخري, مفادها أن هناك مؤشرات قلق داخل تركيا ذاتها تجاه مايدور, ولدي أصدقاء عديدون هناك, فعلي الرغم من أن تيار' العثمانية الجديدة' يعبر عن نفسه بقوة, إلا أن تركيا كانت تفضل دائما ألا يوضع تأثيرها محل اختبار, وقد بدأت تختبر, وكانت النتائج مقلقة, لها. [email protected]