نفسك تطلع ايه يا حبيبي لما تكبر؟ يرد الصغير دون كثير من التفكير نفسي أبقي ضابط يعود المذيع الغارق في الكلاسيكية ليسأل الصغير ضابط ايه يا حبيبي؟ مرة أخري تأتي الاجابة جاهزة من مخ الصغير: ضابط شرطة طبعا! يبتسم المذيع ويستكمل حواره المثير مع الصغير واشمعني ضابط يعني يا حمادة؟ أكيد عشان تقبض علي الناس الوحشين الأشرار! هنا يأخذ الحديث منحي مختلفا تماما: أشرار ايه بس؟! ما انت شايف الشارع حواليك أهو ما فيهوش غير أشرار! عادي يعني أنا عايز أبقي ضابط علشان قيمة, والناس تحترمني وتخاف مني! تحولت ابتسامة المذيع المصطنعة أصلا الي تكشيره علي الدقائق التي أضاعها الصغير معه. وامر المخرج بأن يتم قطع كلمات الشيطان الصغير والاكتفاء بالتعبير عن رغبته في أن يكون ضابطا. قلة ذوق المذيع, وخروج الصغير عن الاسكريبت ليس القصة المقصودة هنا. ولكن هذه الواقعة تصادفت مع عدد من الأخبار التي نقرأها جميعا في صفحات الحوادث ولا تستوقفنا كثيرا. ينتحل صفة ضابط شرطة ليشتري سيارة ينتحل صفة ضابط شرطة وينصب علي المواطنين ينتحل صفة أمين شرطة ويفرض اتاوات علي السكان وغيرها من الأخبار التي تدل علي أن هناك من المجرمين من يري أن انتحال صفة الضابط يحقق لهم ما لا تحققه المهن والأعمال الأخري. ففيها سلطة وقوة وبأس وأشياء أخري لن أخوض فيها منعا للمشاكل. ولكن المؤكد أنها مؤشر علي سمة مهمة في المجتمع المصري. لكن السؤال هو: هل هذه السمة تدل علي مؤشرات ايجابية أم غير ايجابية؟ أو بمعني آخر هل الصورة الذهنية والفكرية اللصيقة بضابط الشرطة ينبغي ان تتمحور حول السطوة والقوة والجبروت أم أنها يفترض أن تدور حول العدل والأمن والقانون؟ ولنأخذ مثالا آخر ألا وهو اصرار البعض علي تركيب سارينة سيارات الشرطة في سياراتهم. فهل السبب أن هذه السارينة جميلة أو لطيفة أو موسيقية؟ أم أنها تعطي انطباعا بأن من يجلس خلف مقود السيارة شخصية ذات حيثية ويستحسن أن يفسح الجميع الطريق والا...؟ عموما اذا كان السائق ضابط شرطة فلا أعتقد أ من حقه أن يستخدم مثل هذه السارينة في سيارته لأنها ملاكي وليست ميري. واذا كان السائق ليس ضابط شرطة, فهذا يعني أنه يعتقد أن مثل تلك السارينة تضفي عليه قدرا كبر من الهيبة والبرستيج, لا سيما اذا كانت السارينة مصحوبة بزجاج فيميه( غامق) وقيادة فيها الكثير من الرعونة. وأعود الي نقطة البداية التي هي أيضا نقطة النهاية, وهي الطفل الصغير وحلمه بأن يكون ضابط شرطة. هل يحتاج هذا الطفل الي تصحيح مفاهيم ليفهم عن حق دور ضابط الشرطة؟ وان كان مفاهيمه تعرضت لعملية تشويه, فمن المسئول؟ هل هو البيت الذي أفهمه أن ضابط الشرطة هو نموذج للقوة والسطوة؟ أم المدرسة التي أكدت له مثل هذا المفهوم ولم تبذل الجهد الكافي لتصحيحه؟ ولو كانت بذلت جهدا لتصحيح المفهوم, فهل مايراه الصغير في الشارع ويسمع عنه من حكايات من شأنه أن يصحح المخطئ أم يدعمه ويقويه؟ نحتاج الي جلسة طويلة لعمل مصالحة بين الشرطي والمواطن, ليس لأن الشرطي قبل أن يكون شرطيا هو مواطن, وليس لأن هناك تقصيرا في طريقة تعامل الشرطة مع المواطن, وليس لأن هناك عدم فهم من المواطن لدور الشرطي, ولكن السبب الأهم هو أن العلاقة بينهما باتت سيئة جدا. فيها الكثير من عدم الثقة, وقليل من الحب. ملحوظة: حين كنت طفلة في العاشرة من عمري, وكنت أسأل عن العمل الذي أود أن أعمله حين أكبر كنت أقول: ضابط شرطة, ولكن كان هذا في زمن ما قبل تدهور العلاقة بيننا وبينهم. ملحوظة: حين كنت طفلة في العاشرة من عمري, وكنت أسأل عن العمل الذي أود أن أعمله حين أكبر كنت أقول: ضابط شرطة, ولكن كان هذا في زمن ما قبل تدهور العلاقة بيننا وبينهم. [email protected]