في مرحلة المد والجزر بين الإخوان والمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي عهد اليه الرئيس السابق حسني مبارك بادارة شئون البلاد بعد تنحيه في11 فبراير2011 أطلق الاخوان شعار( يسقط يسقط حكم العسكر) رغم أن المجلس لم يسع الي تولي الحكم ولم يقم بانقلاب لتحقيق تلك الغاية. تلقف الشعار شباب غاضب من حالة السيولة التي كانت تمر بها البلاد وما شابها من أخطاء وقع فيها المجلس الاعلي للقوات المسلحة وردده غير مدرك أنه ابتلع طعما صدره اليه الاخوان الذين سرعان ماتخلوا عنه عندما تحسنت علاقتهم مع المجلس. عاد الشعار يتردد مرة أخري بعد الدور الذي لعبته القوات المسلحة في مساندة ثورة30 يونيو التي أدت الي عزل الرئيس محمد مرسي. مرة أخري كان الإخوان الذين يصرون علي وصف ماحدث في الثالث من يوليو هذا العام بأنه انقلاب هم الذين عمدوا إلي إعادة بث نفس الاسطوانة وللمرة الثانية يبتلع بعض من شباب ثورة يناير نفس الطعم دون استيعاب لدرس الماضي ودون توقف أمام الشعار لمعرفة ماهو حكم العسكر وان كان ينطبق علي ماحدث في مصر منذ عزل مرسي حتي الآن وما إن كان ينطبق علي المرحلة القادمة في حال إقدام الفريق أول عبد الفتاح السيسي علي ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة وفوزه فيها. المصطلحات السياسية شأنها شأن أي شيء آخر لاتتسم بالجمود بل هي مرنة ومطاطة في الوقت ذاته. ومن هنا ضرورة التوقف أمام شعار حكم العسكر ومعرفة الفرق بينه وبين وصول مرشح له خلفية عسكرية إلي كرسي الرئاسة في انتخابات حرة وإلي أي مدي يمكن وصف تولي مثل هذا الشخص منصب الرئاسة بأنه حكم للعسكر. المفهوم القديم الجديد لحكم العسكر هو قيام قوة من الجيش بانقلاب عسكري تتم فيه الاطاحة بنظام الحكم القائم بكل رموزه وتولي أعضاء مايطلق عليه مجلس قيادة الثورة إدارة شئون البلاد إما مباشرة وأما من خلال أشخاص مدنيين تكون مهمتهم تنفيذ السياسة التي يرسمها ضباط الانقلاب. مثل هذا عرفناه في مصر في انقلاب عام1952 الذي تحول إلي ثورة ذات مضامين اجتماعية واقتصادية تميل الي جانب الفقراء والمهمشين في المجتمع بالاضافة إلي معركة التحرر الوطني من نير الاحتلال البريطاني. كان من المفترض أن ينتهي الدور الصريح للجيش بعد انتخاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية عام1956 لكن الأمر لم يكن كذلك بسبب العلاقة المتداخلة والملتبسة بين عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر حتي حدوث نكسة1967 والتي مثلت خروج الجيش من العملية السياسية وتحوله إلي جيش وطني محترف لكل المصريين. يصعب وفقا لأي تعريف سياسي الحديث عن حكم العسكر في عهد الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك رغم أن الاثنين شأنهما شأن عبد الناصر من خلفية عسكرية لكن كون الرؤساء الثلاثة لمصر قبل مرسي كانوا ضباطا رسخ الاعتقاد بأن المنصب مقصور علي الضباط. تولي أشخاص ذوي خلفية عسكرية مقاليد الرئاسة ليس بدعا في مصر حدث ذلك في بعض أعرق الديمقراطيات في العصر الحديث كما حدث في كثير من دول العالم الثالث الفارق هو هل ظل شاغل المنصب أسيرا لخلفيته أم أنه تحول إلي شخصية مدنية لها انتماء سياسي إلي حزب من الأحزاب ثم أصبح مسئولا عن جموع الأمة. الجنرال دوايت ايزنهاور تولي رئاسة الولاياتالمتحدة لفترتين رئاسيتين في خمسينيات القرن الماضي كما تولي ونستون تشرشل رئاسة الوزارة في بريطانيا أكثر من مرة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي وهو ضابط في الأساس ولم يقل أحد ان تولي هؤلاء هذه المناصب الرفيعة كان حكما للعسكر. لم تكن هذه هي الصورة في الانقلابات العسكرية العديدة التي شهدتها دول إفريقية وآسيوية وفي أمريكا اللاتينية حيث إن قادة الانقلابات عندما انتخبوا لمنصب الرئيس لم يتخلوا عن خلفياتهم وولاءاتهم العسكرية الأمر الذي أدي إلي تداعي الانقلابات واحدا اثر الآخر. سوريا كمثال شهدت ثلاثة انقلابات عسكرية خلال عام واحد بعد حرب فلسطين عام1948. حكم العسكر شيء وتولي شخص من خلفية عسكرية منصب الرئاسة بعد تخليه عن منصبه العسكري شيء آخر, بحكم القانون العسكريون ممنوعون من ممارسة السياسة والانضمام إلي الأحزاب طالموا كانوا في الخدمة لكن ليس هناك مايمنع من ممارستهم أي نشاط والترشح لأي منصب إذا توافرت فيهم شروطه بعد خروجهم من الخدمة شهدنا ذلك في بعض من ضباط الجيش والشرطة السابقين الذين خاضوا انتخابات مجلس الشعب السابق علي قوائم الإخوان. العبرة ليست بخلفية المرشح بقدر ماهي جدارته وكفاءته وقدرته علي القيام بمهام المنصب وبالبرنامج الانتخابي الذي يطرحه ومدي الوفاء به. ثمة دستور جديد يجري إعداده وعلي أساسه ستجري انتخابات الرئاسة والدستور هو الفيصل والمعيار في مراقبة ومحاسبة الرئيس القادم بغض النظر عن خلفيته. الذين يتحدثون عن حكم العسكر عليهم أن يتدبروا ماشهدته مصر خلال عام واحد من حكم جماعة الإخوان رغم أنهم ليسوا من العسكر. صدر الاخوان للشباب شعار يسقط حكم العسكر ولم يسقط الجيش وهتف العديد من المصريين يسقط حكم المرشد وسقط حكم الاخوان. بشكل شخصي أفضل ألا يرشح الفريق اول السيسي نفسه. [email protected] رابط دائم :