تمر فلسطين بلحظة تاريخية فارقة بعد وضعها الدولي الجديد وتمتعها بصفة الدولة غير العضو( مراقب) في الأممالمتحدة, بفضل إرادتها السياسية المانعة ووحدة شعبها وتوحد فصائلها خلف سلطتها, وذلك بعد ماراثون طويل من التهديدات الأمريكية والإسرائيلية والمساومات الدولية الأوروبية. وكان الهدف طبعا إقصاؤها عن الذهاب إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقديم طلبها للحصول علي صفة مراقب أو تأجيل ذلك لما بعد الانتخابات الإسرائيلية التي أجريت22 يناير الماضي, أو تعهد فلسطين بعدم دخول معترك المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة إسرائيل وملاحقتها جنائيا ودوليا, أو منعها من إعادة الملف الفلسطيني إلي مجلس الأمن وإعطاء فلسطين العضوية الكاملة في الأممالمتحدة وفقا لما أعلنته قياداتها في سبتمبر الماضي. فبعد دخول فلسطين التاريخ الدولي من أوسع أبوابه أصبح لها الحق الشرعي في مطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته الدولية لتحقيق حلم إعلان دولتها المستقلة وتجديد الشرعية لحل الدولتين وإقامة فلسطين بحدود عام1967 م وعاصمتها القدسالشرقية ووقف الاستيطان الإسرائيلي وممارساته العدوانية علي الأراضي المحتلة.. ليتحقق بذلك عنصر سياسي دبلوماسي ومعنوي للسلطة الفلسطينية, يضاف إلي نجاحها في اعتماد اللجنة الثالثة والمتمثلة في لجنة الشئون الاجتماعية والثقافية والإنسانية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. إن انتصار فلسطين لشرعيتها السياسية الدولية, جاء نتاج توافق السلطة الفلسطينية مع حركتي الجهاد الإسلامي وحماس, وهو ما أدي إلي التأثير بفعالية علي المجتمع الدولي ومباركته ودعمه للخطوة الفلسطينية في الحصول علي صفة مراقب, وهو ما يفتح الطريق للمصالحة الوطنية في المستقبل القريب ويسبغ الشرعية علي السلطة الفلسطينية ووجود ممثل شرعي لفلسطين يتفاوض مع إسرائيل ليردها إلي كيدها ويكذب إدعاءاتها. وتزامنا مع ذلك لابد من الوضع في الاعتبار أنه بعد الهزيمة الدبلوماسية لأمريكا وإسرائيل في الأممالمتحدة وتظاهرهما باللامبارة السياسية تجاه حصول فلسطين علي وضع مراقب في الأممالمتحدة, أنه لا تزال عندهما هواجس ومخاوف من إقدام فلسطين علي طرح قضيتها أمام المحكمة الجنائية الدولية وملاحقة إسرائيل جنائيا ودوليا, رغم تطمينات السلطة الفلسطينية بتركيزها علي استعادة مسار مفاوضات السلام في المستقبل القريب. وإزاء تلك المخاوف والهواجس لابد من تبني فلسطين والدول العربية والإسلامية سيناريوهات مستقبلية للرد علي التصعيد السياسي والاقتصادي, الأمريكي الإسرائيلي تجاه فلسطين. فمن أجل مواجهة العقوبات السياسية والاقتصادية الأمريكية بقطع علاقتها مع السلطة الفلسطينية وإغلاق مكتبها في واشنطن وتقييد حركة مسئوليها ودبلوماسييها ونزع الشرعية عنهم ووقف مساعداتها للسلطة الفلسطينية وعدم الإفراج عن200 مليون دولار وعدت بها السلطة, مع تلويحها بتعطيل مسار المفاوضات الدامية إلي التسوية السلمية علي أساس حل الدولتين, بل والتهديد الأمريكي بقطع تمويلها عن تلك المنظمات التابعة للأمم المتحدة والداعمة لحقوق فلسطين وشعبها مثلما حدث مع منظمة التربية والعلوم والثقافة( اليونسكو), ولم يتمكن الداعمون للقضية الفلسطينية من تعويض الحصة الأمريكية والبالغفة20% من إجمالي تمويل المنظمة. أما عن إسرائيل فرغم محاولاتها لتقليل أهمية حصول فلسطين علي صفة مراقب واعتباره رمزيا لا يغير من سياستها شيئا, وعدم استفراز المجتمع الدولي والمحافظة علي علاقاتها مع الولاياتالمتحدة, فإنها ستحاول الموازنة بين تصعيد سياساتها وعقوباتها تجاه فلسطين والمحافظة علي كيان السلطة الفسلطينية والهدوء في الضفة الغربية. ويأتي ذلك من خلال تلويحها بحجب عائدات ضريبية للسلطة لأشهر لتسديد دين السلطة لشركة الكهرباء الإسرائيلية والمقدر ب مائتي مليون دولار بداعي أن اتفاق باريس الاقتصادي يخولها ذلك, مع قيام إسرائيل باحتجاز أموال الجمارك الفلسطينية البالغة نحو100 مليون دولار شهريا. فضلا عن تخفيض عدد التراخيص الممنوحة للفلسطينيين, مع إشهار سلاح ملاحقة قيادات حماس أمام المحكمة الجنائية الدولية دعوي جرائمها في عملية( عمود السحاب) وذلك إذا أقدمت فلسطين علي نفس الخطوة مستقبلا لملاحقة إسرائيل جنائيا ودوليا. وعلي ضوء ذلك لابد من تبني برامج عمل عربية وفلسطينية لمواجهة العقوبات المالية والاقتصادية ودعم القضية الفسطينية والتأكيد علي حل الدولتين وفقا لمبدأ الأرض مقابل السلام وفقا للمبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت, وتفعيل قرار مجلس الجامعة بالقاهرة في19 نوفمبر2012 لتوفير شبكة أمان مالية بقيمة(100) مليون دولار شهريا, مع دعم الدعوات الدولية لمقاطعة إسرائيل عسكريا من خلال فرض حظر عسكري شامل وإلزامي علي إسرائيل بعد حربها العدوانية الأخيرة علي غزة. والأهم من ذلك هو ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية بين كل الفصائل الفلسطينية عن طريف عقد حوار فلسطيني شامل فيما بينهم لمناقشة القضايا الخلافية والتوحد فيما بينهم واستخدام حصول فلسطين علي صفة مراقب وأحداث العدوان علي غزة وتوطد العلاقة بين حماس والجهاد الإسلامي والسلطة الفلسطينية, للإسراع بخطي المصالحة والتوصل إلي حكومة وطنية توافقية, ما يجعل المجتمع الدولي يضغط علي إسرائيل لإبرام اتفاق تهدئة طويل الأجل والإسراع في خطوات عملية السلام, مع إبعاد القوي الإقليمية( لا سيما الإيرانية) عن العبث في الشأن الداخلي الفلسطيني. فبالدعم العربي والمساندة الدولية والوحدة الوطنية والمصالحة بين حماس وفتح, ستنهض القضية من جديد, ويسترد الشعب حقوقه وكرامته. رابط دائم :