تمر فلسطين بلحظة تاريخية فارقة بعد وضعها الدولي الجديد وتمتعها بصفة الدولة غير العضو ( مراقب ) في الأممالمتحدة , بفضل إرادتها السياسية المانعة ووحدة شعبها وتوحد فصائلها خلف سلطتها, وذلك بعد ماراثون طويل من التهديدات الأمريكية والإسرائيلية والمساومات الدولية الأوروبية.
وكان الهدف طبعا إقصاؤها عن الذهاب إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقديم طلبها للحصول علي صفة مراقب أو تأجيل ذلك لما بعد الانتخابات الإسرائيلية المزمع عقدها في 22 يناير 2013 م, أو تعهد فلسطين بعدم دخول معترك المحكمة الجنائية الدولية لمقاضاة إسرائيل و ملاحقتها جنائيا و دوليا, أو منعها من إعادة الملف الفلسطيني إلي مجلس الأمن و إعطاء فلسطين العضوية الكاملة في الأممالمتحدة وفقا لما أعلنته قياداتها في سبتمبر الماضي .
فبعد دخول فلسطين التاريخ الدولي من أوسع أبوابه أصبح لها الحق الشرعي في مطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته الدولية لتحقيق حلم إعلان دولتها المستقلة وتجديد الشرعية لحل الدولتين و إقامة فلسطين بحدود عام 1967م وعاصمتها القدسالشرقية ووقف الاستيطان الإسرائيلي و ممارستها العدوانية علي الأراضي المحتلة ...
ليتحقق بذلك عنصر سياسي دبلوماسي و معنوي للسلطة الفلسطينية, يضاف إلي نجاحها في اعتماد اللجنة الثالثة والمتمثلة في لجنة الشئون الاجتماعية والثقافية والإنسانية التابعة للجمعية العامة للأم المتحدة لقرار حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. إن انتصار فلسطين لشرعيتها السياسية الدولية، جاء نتاج توافق السلطة الفلسطينية مع حركتي الجهاد الإسلامي وحماس, وهو ما أدى إلي التأثير بفعالية علي المجتمع الدولي و مباركته و دعمه للخطوة الفلسطينية في الحصول علي صفة مراقب, وهو ما يفتح الطريق للمصالحة الوطنية في المستقبل القريب ويسبغ الشرعية على السلطة الفلسطينية ووجود ممثل شرعي لفلسطين يتفاوض مع إسرائيل, ليردها إلى كيدها ويكذب إدعاءاتها.
وتزامناً مع ذلك لابد من الوضع في الاعتبار أنه بعد الهزيمة الدبلوماسية لأمريكا وإسرائيل في الأممالمتحدة وتظاهرهما باللامبالاة السياسية تجاه حصول فلسطين علي وضع مراقب في المنظمة الدولية, أنه مازالت عندهما هواجس ومخاوف من إقدام فلسطين علي طرح قضيتها أمام المحكمة الجنائية الدولية وملاحقة إسرائيل جنائياً ودولياً, رغم تطمينات السلطة الفلسطينية بتركيزها علي استعادة مسار مفاوضات السلام في المستقبل القريب.
وإزاء تلك المخاوف والهواجس لابد من تبني فلسطين والدول العربية والإسلامية سيناريوهات مستقبلية للرد على التصعيد السياسي والاقتصادي , الأمريكي الإسرائيلي تجاه فلسطين.
فمن أجل مواجهة العقوبات السياسية و الاقتصادية الأمريكية بقطع علاقتها مع السلطة الفلسطينية وإغلاق مكتبها في واشنطن وتقييد حركة مسئوليها و دبلوماسيها ونزع الشرعية عنهم ووقف مساعداتها للسلطة الفلسطينية وعدم الإفراج عن 200 مليون دولار وعدت بها السلطة , مع تلويحها بتعطيل مسار المفاوضات الدامية إلي التسوية السلمية علي أساس حل الدولتين, بل والتهديد الأميركي بقطع تمويلها عن تلك المنظمات التابعة للأمم المتحدة والداعمة لحقوق فلسطين وشعبها مثلما حدث مع منظمة التربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو ), ولم يتمكن الداعمون للقضية الفلسطينية من تعويض الحصة الأمريكية والبالغة 20% من إجمالي تمويل المنظمة.
أما عن إسرائيل فرغم محاولاتها لتقليل أهمية حصول فلسطين علي صفة مراقب و اعتباره رمزيا لا يغير من سياستها شيئا, وعدم استفزاز المجتمع الدولي والمحافظة علي علاقاتها مع الولاياتالمتحدة, فإنها ستحاول الموازنة بين تصعيد سياساتها وعقوباتها تجاه فلسطين والمحافظة علي كيان السلطة الفلسطينية والهدوء في الضفة الغربية.
ويأتي ذلك من خلال تلويحها بحجب عائدات ضريبية للسلطة لأشهر لتسديد دين السلطة لشركة الكهرباء الإسرائيلية والمقدر ب مائتي مليون دولار بداعي أن إتفاق باريس الاقتصادي يخولها ذلك , مع قيام إسرائيل باحتجاز أموال الجمارك الفلسطينية البالغة نحو 100 مليون دولار شهرياً.
فضلا عن تخفيض عدد التراخيص الممنوحة للفلسطينيين, مع إشهار سلاح ملاحقة قيادات حماس أمام المحكمة الجنائية الدولية بدعوى جرائمها في عملية (عمود السحاب ) وذلك إذا أقدمت فلسطين علي نفس الخطوة مستقبلا لملاحقة إسرائيل جنائيا ودوليا.
وعلي ضوء ذلك، لابد من تبني برامج عمل عربية وفلسطينية لمواجهة العقوبات المالية والاقتصادية ودعم القضية الفلسطينية والتأكيد علي حل الدولتين وفق لمبدأ الأرض مقابل السلام وفقا للمبادرة العربية التى أقرتها قمة بيروت, وتفعيل قرار مجلس الجامعة بالقاهرة في 19 نوفمبر 2012م لتوفير شبكة أمان مالية بقيمة ( 100 ) مليون دولار شهريا, مع دعم الدعوات الدولية لمقاطعة إسرائيل عسكريا من خلال فرض حظر عسكري شامل و إلزامى علي إسرائيل بعد حربها العدوانية الأخيرة علي غزة.
والأهم من ذلك هو ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية بين كافة الفصائل الفلسطينية عن طريق عقد حوار فلسطيني شامل فيما بينهم لمناقشة القضايا الخلافية والتوحد فيما بينهم واستخدام حصول فلسطين علي صفة مراقب وأحداث العدوان علي غزة وتوطد العلاقة بين حماس والجهاد الإسلامي والسلطة الفلسطينية، للإسراع بخطى المصالحة والتوصل إلي حكومة وطنية توافقية، ما يجعل المجتمع الدولي يضغط علي إسرائيل لإبرام اتفاق تهدئة طويل الأجل والإسراع في خطوات عملية السلام, مع إبعاد القوى الإقليمية ( لاسيما الإيرانية ) عن العبث في الشأن الداخلي الفلسطيني.
فبالدعم العربي والمساندة الدولية والوحدة الوطنية والمصالحة بين حماس وفتح، ستنهض القضية الفلسطينية من جديد، ويسترد الشعب حقوقه وكرامته. رابط دائم :