إن مأساتي يا سيدي بدأت بموت إبني الوحيد في حادث سيارة ولن أبالغ لو قلت لك انني قبل موته لم أكن أشعر ببنوته أو أنه موجود أصلا في الحياة..كنت مشغولا بحياتي ومتع الدنيا لا أفكر في أحد غير نفسي. وكل علاقتي بابني هذا رحمه الله اني تزوجت أمه لفترة قصيرة لم تتجاوز البضعة أشهر للنيل منها وإشباع رجولتي منها بعد أن استعصت علي ورفضت أن تسلمني نفسها إلا في الحلال..وقتها كنت لا أعرف مامعني الزواج ولا أعمل في مهنة معينة ولا أفهم قيمة بيت الزوجية أو المسئولية التي تقع علي عاتق أي رجل عندما يفتح بيت ويرزقه الله بأطفال يكون من واجبه حسن رعايتهم وتربيتهم حتي ينشأوا تنشئة سليمة..لم أكن أعرف كل هذا.. كل ماكنت أعرفه في حياتي هي الثروة التي ورثتها عن والدي رحمه الله فقد كنت وحيده وكانت أنفق منها علي نفسي لا أبالي بشيء ولا أحسب حسابا ليوم قد تنفد فيه هذه الثروة ويضيع كل شيء ومرت السنون وتعرفت علي أم إبني ولم يكن أمامي غير أن أتزوجها لكي انالها وفي نفس الوقت أرضي أمي التي كانت مريضة بعد وفاة والدي وتكاد تموت هي الأخري حسرة وحزنا علي حالي ولطالما توسلت إلي لكي أتزوج لعل زواجي يصلح من شأ ني وأثوب إلي رشدي.. ولا أخفي عليك يا سيدي ان أمر زواجي وقتها أسعد أمي إلي حد كبير فقد كانت زوجتي بالفعل امرأة فاضلة تعرف معني الحياة وقيمة العيش فيها وحدث أن تواءمت مع أمي حتي باتت وكأنها ابنتها لدرجة أنها كانت قريبة منها أكثر مني وبالفعل كانت زوجتي هذه تبذل قصاري جهدها في خدمة أمي خاصة في الفترة التي كانت فيها أمي مريضة حتي وافتها المنية بعد زواجي ببضعة أشهر.. وقتها كنت قد مللت زوجتي ولم يعد لي حاجة بها فقد نلت منها ما أريد وبدأت أنخرط في علاقات نسائية كثيرة كعادتي قبل أن أتزوج وعبثا حاولت زوجتي أن تقنعني بنفسها وتملأ عيني الفارغة بوجودها في حياتي بل كنت لا أطيق نصائحها لي ليل نهار بالابتعاد عن طريق الشيطان..واستمر بنا الحال في توتر مستمر والمشاكل تتفاقم بيننا يوما بعد يوم حتي انفصلنا..وقتها لم أكن أعلم أنها حامل..كل ماكان يعنيني هو أني استرديت حريتي التي ضاعت معها وعدت لحياة الاستهتار مرة أخري وعاما بعد عام فوجئت بها يوما تطرق بابي وتخبرني أن لي ابنا عمره عشر سنوات وانها جاءت به ليعيش معي فهي سوف تتزوج وزوجها لايريد لابن رجل غيره أن يعيش معه..وقد تعجب ياسيدي أني لم أستقبل هذا الأمر فرحا به فلم تتملكني وقتها لامشاعر سعادة أو حتي غضب تعاملت مع الأمر علي أنه أمر واقع وعاش الولد معي تربيه دادة أحضرتها له المؤسف أنني أسأت لابني لم أنفعه فقد نشأ مثلي وضاعت التربية التي ربتها له أمه خلال السنوات العشر التي سبقت مجيئه لي ولأني كنت ثريا ولم يكن للمال قيمة عندي كنت أعطي منه لإبني كيفما شاء ولم أسأله كيف يقضي حياته ولا ماذا فعل في امتحاناته المدرسية واستمر بنا الحال عدة سنوات علي هذا النحو كل منا في شأنه حتي تجاوز ابني العشرين من عمره وبات في ريعان الشباب ورغم احتراق شعري بالشيب وكوني أباه إلا أن العلاقة بيننا كانت علاقة أصدقاء أكثر منها علاقة أب وابنه..نلهو سويا ونتعاطي الخمور والمخدرات ونتباري في العلاقات النسائية..كان الشيطان يحتل بيتي تماما ويعمد كل حيله وأفاعيله في حياتي حتي جاءت المرحلة الفاصلة والحدث الذي زلزل كياني وكاد أن يقضي علي حياتي تماما فقد كنت أنا وابني داخل السيارة عائدين من أحد الملاهي الليلية مخمورين وفجأة انقلبت الدنيا رأسا علي عقب فقد اختلت عجلة القيادة في يدي ولا أدري ما الذي وقع بالسيارة حيث أخذت تندفع يمينا ويسارا بشكل هستيري حتي انقلبت وخرجت أنا من هذا الحادث عاجزا عن الرؤية فاقدا لبصري الذي كان يقودني دائما للشر وطريق الشيطان أما إبني فقد فارق الحياة وتركني أتلظي بحسرتي عليه أنا الذي قتلته بيدي ولم أشعر به ابنا لي في يوم من الأيام..وها أنا ذا أعيش حبيس العتمة وظلمة اليأس والندم أحاول أن أتقرب إلي الله بالعبادات التي لم أكن أعرف عنها شيئا من قبل ولست أدري هل أنا أفقت من سكرة دنيتي بالفعل وهل جاء هذا بعد فوات الأوان وهل مازال الأمل ممتدا في الحياة للحاق بركب الهداية والخير وتعويض ما فات؟..لست أدري!! م.ن.ل القاهرة ترفق بنفسك يا أخي فأبواب رحمة الله جلت قدرته لاتنغلق في وجه عباده أبدا وثق أنه سبحانه وتعالي يقبل توبة العبد الذي يأتيه تائبا نادما ولو كانت ذنوبه كزبد البحر وللتوبة الصادقة شروط لابد منها حتي تكون صحيحة مقبولة منها الإخلاص لله تعالي حيث يكون الباعث علي التوبة حب الله وتعظيمه ورجاؤه والطمع في ثوابه, والخوف من عقابه, ولهذا قال سبحانه: إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين( النساء:146) ومع التوبة لابد من الإقلاع عن المعصية فلا تتصور صحة التوبة مع الإقامة علي المعاصي والاعتراف بالذنب إذ لا يمكن أن يتوب المرء من شيء لا يعده ذنبا من شروط التوبة أيضا الندم علي ما سلفت من الذنوب والمعاصي والعزم علي عدم العودة ورد المظالم إلي أهلها. وقد قال رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم:( إن الله يقبل توبة العبد مالم يغرغر) رواه أحمد الترمذي وصححه النووي وقال: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتي تطلع الشمس من مغربها رواه مسلم. وللتوبة علامات تدل علي صحتها وقبولها, وتستطيع من خلالها ان يكون قلبك مفعما بالطمأنينة ومن هذه العلامات أن يكون العبد بعد التوبة خيرا مما كان قبلها وكل انسان يستشعر ذلك من نفسه, فمن كان يعد التوبة مقبلا علي الله عالي الهمة قوي العزيمة دل ذلك علي صدق توبته وصحتها وقبولها. ومن العلامات أيضا أن تحدث التوبة للعبد انكسارا في قلبه وذلا وتواضعا بين يدي ربه. فهنئيا لك يا أخي بتوبتك قبل أن تتراكم الظلمة علي قلبك. وتذكر يا أخي أن بعض الناس يسرف علي نفسه بالذنوب والمعاصي, وانت كنت واحدا منهم وأعزك الله بالتوبة فهي رحمة من عنده وصبر الله قلبك علي فراقك لابنك رحمه الله وأبعد عن نفس تلك الهواجس التي تصور لك أنك من قتلت ابنك فهذا هو عمره قد انقضي ادع له بالرحمة ولنفسك بالمغفرة وثق في كرم الله وعفوه والله ولي التوفيق رابط دائم :