لا يختلف اثنان على أن السودان يمثل العمق للأمن القومي المصري .. والطرح السوداني - وكذلك المصري - في العلاقة بين البلدين اليوم يقوم على تجاوز الخلافات الهامشية لما هو أسمى وأبقى وأنفع للشعبين اللذين يتطلعان للتكامل في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.. ولاخلاف بين السودانيين على أن مصر هي الدولة الأولى في المحيط العربي والإسلامي، ومصر بريادتها في الكثير من المجالات العلمية والثقافية والصناعية، تتعامل الآن مع الشأن السوداني بما يؤسس لمكانتها في قلوب السودانيين، استنادا إلى أن الأمن المصري لا يستقيم بدون السودان، ولا الأمن السودانى يستقيم بدون مصر. وينظر الجانبان الآن إلى علاقاتهما على أنها استراتيجية وليست تكتيكية مرحلية، ويمنح البلدان العلاقة بينهما مساحة أكبر في الفهم المشترك، والتداول المريح والشفيف دون تحفظ أو حرج، ورفع الوعي لدى المواطنين في البلدين حتى يتداول الشعبان كلمة أشقاء على نحو حقيقي، واحترام جوهري، وندية تعزز من قوة البلدين المشتركة، وجعل الخرطوموالقاهرة نموذجًا للأخوة العربية والجوار الآمن. والمؤكد أن البلدين قد أعادا قراءة العلاقات بينهما في ظل المعطيات والإفرازات السياسية الجديدة على الساحة المصرية، في استصحاب للثوابت في العلاقات بينهما والتي لا تزول بتغير الأنظمة. وقد شهدت كل من القاهرةوالخرطوم خلال الفترة الأخيرة ومنذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية، زيارات رسمية وشعبية متبادلة بين مسئولين رفيعي المستوي وقيادات شعبية وحزبية، واكتسبت هذه الزيارات أهمية تاريخية ملموسة كونها تعبر عن توجهات القيادة المصرية بعد الثورة وتوجهات القيادة السودانية لتعزيز العلاقات الاستراتيجية وضرورة النهوض بها وترقيتها ووضعها في المسار الصحيح، وذلك وفاء للتاريخ المشترك وتحقيقًا للمصالح الحيوية للشعبين الشقيقين وتأكيدا للمصير والوجهة المشتركة. ويؤكد الجانبان المصرى والسودانى خصوصية العلاقات بين البلدين، وتجلى ذلك بزيارة الرئيس عمر البشير لمصر بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، فكان أول زعيم عربي يزور القاهرة بعد الثورة واستلام الجيش زمام الأمور، في رسالة مؤازرة ومساندة من السودانيين للشعب المصري تؤكد استعداد السودان للتعاون مع مصر في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية. وجاءت زيارة الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء الى السودان في مارس الماضي التي كانت الاولى له خارج القاهرة بعد الثورة وبعد الزيارة الناجحة التى قام بها الرئيس البشير الى مصر - لتعكس الاحساس المشترك بخصوصية العلاقة وأهمية تطوير الوشائج التاريخية وتحقيق تطلعات شعب وادي النيل. وزار وفد شعبي مصري السودان في مارس الماضي للتشاور والتنسيق المشترك بالنظر للعلاقات الأزلية بين البلدين والتي ليست شعارا وإنما هي واقع تدعمه الحقائق والأحداث التي جرت في مراحل مختلفة من تاريخ البلدين، وتعاضدهما مع بعضهما البعض في أصعب المواقف، إدراكا بأن الإرادة الفاعلة هي الطريق الأقصر لرعاية المصالح العاجلة والآجلة على حد سواء. وضم الوفد شخصيات سياسية وعامة ومن منظمات المجتمع المدني برئاسة الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد، والتقي مع الرئيس عمر البشير رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم وقيادات حزبه، حيث جاءت الزيارة إستكمالا للزيارة التي قام بها الرئيس البشير للقاهرة واللقاءات التي أجراها مع القوى السياسية والحزبية المصرية خلالها، كما عبرت عن متانة العلاقات الثنائية بين الخرطوموالقاهرة التي بنيت على الثوابت وليست المتغيرات. تأتي زيارة السيد علي عثمان محمد طه، نائب الرئيس السوداني للقاهرة غدا الإثنين في هذا الإطار، حيث تستغرق الزيارة ثلاثة أيام يلتقي خلالها رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي ويجري مباحثات مع الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء. كما تأتي الزيارة في إطار التواصل المستمر بين المسئولين في البلدين من أجل التنسيق على المستويات الثنائية والاقليمية والدولية في هذه الظروف التاريخية التي يمر بها البلدان الشقيقان بجانب متابعة ملفات الشراكة السودانية المصرية التي حظيت بدفعة قوية عقب ثورة الشعب المصري في 25 يناير من العام الجاري . وستتابع الزيارة الملفات التي تمت مناقشتها خلال زيارة رئيس الوزراء المصري إلى السودان في مارس الماضي ، ومن بعده الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية آنذاك (الامين العام الحالي لجامعة الدول العربية) وزيارات كثير من المسئولين السودانيين للقاهرة خلال الاشهر الخمسة الاخيرة . وعلى المستوى الثقافي ، وفي اطار التواصل بين البلدين ، شهدت محلية وادي حلفا بالولاية الشمالية في السودان في الآونة الأخيرة حراكا ثقافيا وتبادلا للزيارات الفنية مع بقية ولايات السودان من جانب ، ومصر من جانب آخر .. واعتبر مهتمون بالثقافة أن هذا الحراك يعد الخطوة الأولى لإعادة حلفا الى سيرتها الأولى . ويقول عضو المجلس التشريعي للولاية الشمالية علي بتيك ، إن ما تشهده مدينة وادي حلفا من حراك ثقافي وأنشطة إبداعية يمثل بداية لمشروع ثقافي سينتظم مدن الولاية . ويحاول الجانبان أن يضعا أيديهما على القواسم المشتركة لتفعيل العلاقات السودانية المصرية ولتمتين العلاقات بين شطري وادي النيل وتحريك الركود الذي أفرزته علاقات البلدين قبيل ثورة الخامس والعشرين من يناير المصرية. وفي اطار حل عدد من القضايا التي تهم منطقتي حلفاوأسوان وتكريس التواصل والاندماج لتشكيل حركة تكاملية في اطر متعددة، زار وفد شعبي من مدينة وادي حلفا محافظة اسوان مؤخرا ، ووقف على عدد من القرى النوبية وخاصة قرى التماس بغرض التواصل الاجتماعي لاعادة الهمة وبناء أواصر الصلة لابناء النوبة في البلدين وحيث التشابه موجود في العادات والتقاليد ، سواء كان من القبائل النوبية أو العبابدة أو الجعفرية، لأن الثقافة منصهرة ولا توجد اختلافات. ووضع الوفد الشعبي جملة من القضايا الاساسية في قائمة أجندته خلال لقائه بالجهات الشعبية وعلى رأسها فتح الطريق البري الذي كان من المفترض تنفيذه منذ عام 2008 وتفعيل اتفاقية الحريات الاربع، والمساعدة على الاستقرار في القرى الاصلية لابناء النوبة في البلدين والاستفادة من الطريق البري والاراضي الزراعية وانتاج السمك وتسويقه بحيث تسهم كل هذه المشاريع في توفير فرص العمل لابناء المنطقتين، وتتوج هذه الجهود بانشاء منطقة تكامل وسوق حرة. وزار محافظ أسوان اللواء مصطفى السيد محلية وادي حلفا في أوائل الشهر الجاري وتم خلال الزيارة التوصل لاتفاق على أهمية الطريق الشرقي الاقتصادية في سهولة انسياب التجارة بين حلفاواسوان والعمل على تفعيله في أسرع وقت ممكن وتفعيل اتفاقية الحريات الاربع والتي تسهم في دعم حركة التجارة وتفعيلها وتذليل معوقات التبادل التجاري. واتفق الجانبان على بذل الجهد لانشاء مخازن للسلع في كلتا المنطقتين واقامة معارض في اطار ترويج المنتجات وتشجيع عمليات الصادر والوارد على ان تكلل هذه الجهود بانشاء اسواق مشتركة في منطقتي "قسطل" و"اشكيت" والعمل على تنشيط تجارة الحدود على أساس أنها الانسب لتنمية رءوس الاموال الصغيرة. كما اتفقا على اكمال المعابر بين البلدين في "اشكيت" ودفع الجهات ذات الاختصاص من الجمارك والجوازات للاسراع فى انشاء مكاتبها، وانشاء مخازن ومستودعات في "أرقين" وتشجيع صادر اللحوم الطازجة بإنشاء مسالخ وبرادات للخضر والفواكه في المنطقة "التكاملية".