مولد السيدة زينب واحد من أكبر الموالد السنوية في مصر، يتوافد الآلاف من محبي آل البيت والصوفية للمشاركة فيه كل عام في شهر رجب من جميع المحافظات، توسلاً في تلبية دعائهم عن طريق ذكر الله بالابتهالات والتواشيح الدينية. والسيدة زينب، هي بنت الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، التي يرتبط قدومها إلى مصر، بحادث استشهاد أخيها الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه في معركة كربلاء، فقد قررت بعدها الرحيل لمصر، واستقرت بها لمدة 9 أشهر ثم توفيت. ومنذ ذاك الحين يحتل المسجد مكانة كبيرة في قلوب المصريين، حيث يعتبرون أن زيارته شرف وبركة يدعون الله أن ينالوها، لاسيما أنه يعد منبرًا مهمًا من منابر الطرق الصوفية في مصر. "بوابة الأهرام" تجولت في ميدان السيدة زينب، ورصدت خلالها احتفالات المصريين بالمولد الثلاثاء الماضي، ومن أبرز المظاهر المصاحبة لهذا الحدث السنوي انتشار خيام الخدمات التابعة للطرق الصوفية، التي تحرص علي تقديم المأكولات والمشروبات في سبيل الله وخدمة أهل البيت. كما ينتشر البائعة الجائلون لبيع ألعاب الأطفال والحلويات التي يشتهر بها المولد، وعلت الميكروفونات في أنحاء الميدان لتملأ الأجواء بذكر الله وتعطرت أفواه المنشدين بالابتهالات والتواشيح الدينية المصاحبة بالرقص الصوفي. وقال بيومي السيد - 44 سنة من محافظة سوهاج- إنه معتاد علي التواجد في جميع الموالد، بداية من مولد سيدنا النبي (عليه أفضل الصلاة والسلام)، ثم مولد السيدة فاطمة النبوية، يليه مولد سيدنا الحسين وعلي زين العابدين وأخيراً مولد السيدة زينب بعدها يحل شهر رمضان الكريم. وأشار بيومي إلى حرصه علي ذلك يرجع لكونه منتميا للطريقة الشاذلية، لافتًا إلى أن كل طريقة ولها "ورد معين"، وكلها تتبع ذكر وتوحيد الله، بمعني أنه يذكر الله ويستغفره ثم يدعوه بإصلاح شأنه ومباركة أهله، ثم يصلي علي النبي الكريم. وتابع: "تتعدد الطرق من جماعة لأخري، فهناك الطريقة الإبراهيمية والشاذلية والأحمدية والرفاعية والجعفرية، الاختلاف بينهم فقط في الترتيب الذي تتبعه كل طريقة عند ذكر الله، فهناك طريقة تبدأ بالذكر ثم الصلاة علي النبي ثم التواشيح، وأخري تبدأ بالصلاة علي النبي ثم ذكر الله ثم قراءة سورة يس.. وهكذا". وأضاف السيد: "كل طريقة تتطلب منا خدمات وحضّرات، بمعني أننا نقوم بتوزيع المأكولات والمشروبات علي الناس الغلابة، وهو أمر مشابه لموائد الرحمن التي تقام في شهر رمضان الكريم، وكل صوان من هؤلاء، يكون منتميا لشيخ، وكل شيخ يأتي قبل بدء المولد بأيام قليلة، ويبدأ في إقامة الصوان ثم نعلق شعار الطريقة التي ينتمي لها الشيخ علي مقدمة الصوان كما نري. ويواصل السيد "المولد تشرف عليه مجموعة تنظيمية -أنا من ضمنها- حرصاً منا علي توزيع الطعام بشكل متساو علي المارة والمتوافدين علي الصوان، وعقب الانتهاء من الأكل نبدأ في الحضرات، حيث نقرأ سورة يس لأهل البيت والمشايخ وأمواتنا وأموات المسلمين جميعاً، وندعوا لهداية وإصلاح أحوال شباب المسلمين والمسلمات، ثم أغادر لمنزلي في البساتين، الذي أقطن فيه طوال أيام الموالد". واستطرد: "عند الانتهاء أعود لموطني في الصعيد بمحافظة سوهاج، لكن هناك عددا كبيرا من الأشخاص يحرصون علي المبيت والتواجد بجوار المسجد ليلاً ونهاراً طوال أيام المولد، وأغلبيتهم من القري والصعيد، وبصراحة هم من يعمرون الموالد، في مختلف الموالد". بينما أكد محمد جمال -25 سنة من محافظة القليوبية- أنه يحرص كعادته علي حضور كافة الموالد علي رأسها المولد النبوي وسيدنا الحسين والسيدة نفيسة، قائلاً: "أحضر مع عائلتي جميع الموالد سنويًا، لخدمة أهالي البيت وإطعام الفقراء والمحتاجين، ثم نحضر منشد ديني للاستماع للذكر والابتهالات الدينية في حب الله ورسوله". وعن رأيه فيما يتعلق بالاستماع للأغاني الشعبية في الموالد، شدد قائلاً: "هذا الأمر مرفوض رفضاً تاماً لا جدال فيه، فهو لا يمد للمولد باي شكل من الأشكال، فالمولد أساسه روحانياً والتغني بذكر الله وإطعام الفقراء في سبيل حب الله، لكن من يفعل هذه التصرفات لا يعير أي انتباه للخير، وإنما يضع نصب أعينه الطرق التي تمكنه من تحقيق مصالحة الشخصية، والتي تكون منافية للأهداف الروحانية التي يقوم عليها المولد". أما هاجر عبد الحميد –36 سنة من محافظة الإسكندرية– قالت إنها تقطن في منطقة المرسي أبو العباس بالإسكندرية، وقد ورثت حب الموالد في قلبها أباً عن جد، حتي زوجها كان متفرغاً لخدمة أهالي البيت، فهي تسير علي خطى الطريقة الصوفية. وأضافت قائلة: بحضر كل الموالد، وبعد الانتهاء أعود لمنزلي في الإسكندرية، ونحن نقيم في هذا الصوان طوال أيام المولد، ونستقبل الناس منذ الصبح حتي فجر اليوم التالي، وكل شخص يأتي لزيارتنا، نحرص علي ضيافته علي أكمل وجه، ثم نشدو بأذكار في حب الله مثل: (الله الله .. في حضرة النبي)، محلقين في ملكوت الله، واللي بيبقي طاير مع الله لايشغل تفكيره أي شيء سواه، لأن جسده يظل علي الأرض وتعلو روحه مع الله". وفي السياق نفسه، قال عويس عبد الله محمد- 50 سنة من محافظة الفيوم- إنه اعتاد علي القدوم للمولد مع والده منذ نعومة أظافره، ومنذ ذلك الحين أصبحت زيارة المولد بمثابة هواية لديه، من منطلق مشاهدة المنشدين الذين يتغنون بالذكر والتواشيح الدينية، ومعايشة الأجواء الروحانية للمولد. وأضاف أن طريقة احتفاله تتلخص في زيارة مقام السيدة زينب، يليه الصلاة والدعاء لله، ثم بعد ذلك يقوم بشراء الحلوي من أجل عائلتي متوجهاً للمنزل، مشدداً علي عدم دعوته بقول "مدد يا أم هاشم" علي الإطلاق، وإنما دعواته تكون لوجه الله، لافتاً إلى أنه يحرص علي زيارة المولد للاحتفال بالسيدة "زينب" لكونها من أهل البيت لا أكثر ولا أقل. وتابع قائلاً: "هناك العديد من الأشخاص الذين يسيئون إلي سمعة المولد بأفعالهم المشينة كالسرقة والتحرش وعروض السيرك والتسول، كلها أفعال لا تمت للمولد بصلة وتعتبر بدع محرمة، فالموالد هي موطن للذكر والتواشيح والابتهالات الدينية ومدح النبي وضيافة المحتاجين في حب الله، فلا يصح علي الإطلاق الرقص والتصفيق علي أٌغاني المهرجانات الشعبية في الموالد". وكان لمحمود الطحاوي -45 سنة من محافظة أسيوط- وجهة نظر أخري، حيث أٌوضح قائلاً: "اللي جاي المولد بضمير صاف، يعود لمنزله سالم، لأن المكان ده طاهر، لكن من يأتي بنية سيئة سيقع في المحظور لا محالة، فمثلاً يتردد البعض علي الموالد بهدف السرقة والتحرش والتسول، وليس حباً لأهل البيت". وتابعت "اللي يقولك يا سيدي ده مولد وصاحبه غايب، مين قالك أنه غايب؟!!، والله متواجد ولا يخفي عنه أمر، فهو يعلم ما في جوف الإنسان وباطنه، ومن يتق الله ورسوله يجعل له مخرجًا يوم الدين، ومن كانت دعواته وصلاته لوجه الله، فإن ثوابه عند الله ورسوله، لذا نحن نحرص علي خدمة الناس في سبيل الله، لذا نترك مصالحنا وعائلتنا وأراضينا، ونمكث لمدة أسبوع في المولد، من أٌجل خدمة أهل البيت بأنفسنا".