كان «والتر رودني» أحد الذين قاموا برصد وتأصيل وطرح حلول لمشكلات قارة أفريقيا كما يظهر فى كتابه «How Europe Underdeveloped Africa « الذى ترجمه إلى العربية الدكتور «أحمد القصير»، وراجعه الدكتور «إبراهيم عثمان». والكتاب يتناول فى ستة فصول «مفهوم التنمية والتخلف» وكيف أسهمت أوروبا فى تخلف القارة، واستمراره إلى الآن، وقبل عرض الكتاب، يجب التعريف بصاحبه، وهو مفكر ينتمى إلى تيار «الجامعة الأفريقية» «Pan Africanism»، وهو تيار يجمع المفكرين الأفارقة الذين عاشوا فى الخارج.ولد «والتر رودني» فى «جمهورية جويانا التعاونية» عام 1942 وحاز الدكتوراه عام 1966 من جامعة لندن وعمل بالتدريس فى جامعة «دار السلام» وفى «جامعة غرب الإنديز وجويانا». وهو ينحدر من أسرة فقيرة، وتميزت أفكاره بمسحة اشتراكية ظهرت فى كتاباته، وكان يجيد عدة لغات، وكان ناشطا سياسيا، وتم اغتياله عام 1980 بعد القبض عليه بعام لنشاطه العمالي. وفى كتابه هذا يتناول قضايا فكرية مثل «مفاهيم التقدم والتخلف» و«دور الغرب فى تخلف أفريقيا»، ويؤكد رودنى أن البلاد المتقدمة صناعية بالأساس، بعكس البلاد المتخلفة فهى زراعية، ويرى أن أفريقيا قارة ثرية بمواردها، لكنها فقيرة فى واقع الأمر، متهكما على رجال الاقتصاد والمال والأعمال فى تفسيرهم لأسباب فقر القارة كأنه «وحى من السماء»، ويفند التفسير الأوروبى العنصرى لأسباب تخلف أفريقيا، حيث تقول عقول إمبريالية رأسمالية انه تخلف نوعى للجنس الأسود، وتساءل رودنى « أليس استنزاف موارد القارة واستعمارها واستمرار الهيمنة إلى الآن سبب هذا التخلف؟ ويجيب رودنى عن السؤال بأن «النظام الإمبريالى الرأسمالى المسئول عن إعاقة نمو أفريقيا بنزح ثروات القارة من بقدرات الاستعمار وأعوانه من النخب الذين سماهم «شركاء الغرب»، مؤكدا فى الوقت ذاته تحمل الأفارقة والشعوب السوداء جزءا مهما من مسئولية هذا الوضع. ويؤصل أسباب رجوع القارة إلى الوراء، على عراقة حضارتها وكياناتها الاجتماعية، رافضا الاعتراف بحضارة أوروبا القديمة فى مرحلة العبودية، مدللا على ذلك بعراقة حضارات مصر والسودان وإثيوبيا، وأشكال الفنون الأفريقية من الرقص والغناء، والممارسات الدينية التقليدية التى سبقت الديانات السماوية. ويشير إلى أن أفريقيا قبل الاستعمار عرفت المسئولية الجماعية، وشهدت تطوراً فى أدوات ممارسة الأنشطة الاقتصادية، وعرفت كيفية استخراج المعادن، وصهرها، وصناعة الأدوات التى تحتاجها الجماعات، وبقدر ما أسهمت أفريقيا فى تطور وتنمية الغرب، لعب الغرب دوراً كبيراً فى تخلف القارة الأفريقية، فتجارة الرقيق أسهمت فى ظهور وتطور العديد من الصناعات مثل صناعة السفن، والشحن، وتطور الملاحة البحرية وتكنولوجياتها، كما أدت لبروز مدن بعينها فى مجال الصناعة شكلت لاحقاً أساس الثورة الصناعية فى أوروبا، مثل ليفربول فى إنجلترا وإشبيلية فى إسبانيا أقيمت نتيجة لتجارة العبيد. وارتبطت هذه المدن لاحقا بعضها ببعض، وصادف ذلك بروز مراكز التصنيع وبداية الثورة الصناعية فى بريطانيا، وكانت أفريقيا مصدراً أساسياً للذهب الذى كان يشكل عملة التداول آنذاك، وسبب القوة الاقتصادية الآن، وكان لهذه العلاقة أثر سلبى على أفريقيا من خلال الركود التقنى وتشويه الاقتصاد الأفريقي. ومن النتائج السلبية التى صاحبت تجارة العبيد، برايه، نمو العنصرية البيضاء تجاه الأفارقة، فى فترة الاستعمار التى دفعت أفريقيا ثمنا باهظا بسببها، حيث لعبت أفريقيا دورا كبيرا فى تنمية وتطوير أوروبا والنظام الرأسمالى الدولي. وكذلك أشار إلى التطورات فى المعدات الحربية؛ لأن التنافس على المستعمرات شجع على صناعة أسلحة مثل المدمرات والغواصات، وفى البحث العلمى والشحن تم تصنيع السفن الثلاجات، وحاملات النفط، وأنواع جديدة من التجهيزات الخاصة بالموانئ. ويؤكد رودنى أن الرأسمالية العالمية من مصلحتها استمرار التخلف فى القارة، وأن تظل السوق التى نشأت على الرق والاستعمار لن يسمح لها بتحقيق التنمية فى أفريقيا، ويرى أن أدوات تحقيق التنمية فى أفريقيا تبدأ بالاستفادة من الدروس التاريخية، والثورة والعنف كأدوات تغيير وتنمية، والتعليم كأداة للتنمية، والتنمية الذاتية واستخدام الموارد الأفريقية، وتصبح الاشتراكية مرجعية أيديولوجية تنموية لهذه الدول. وتتركز أفكار رودنى حول التأثير المتبادل بين مفهومى التخلف والتنمية والعلاقة الجدلية بينهما، حيث يرى أن تقدم أوروبا جاء على حساب أفريقيا بالسيطرة على الممرات المائية، وجعل القارة سوقا رائجة للمنتجات والسلع الغربية، وتكفى نظرة الغرب لنا كأفارقة بأننا سلع قابلة للنقل، أضف إلى ذلك تعمير الأمريكيتين على أكتاف الأفارقة بعد إبادة السكان الأصليين. وتناول قضية الاستعمار الجديد وأشكاله باستبدال الفئة الحاكمة بأخرى تنتمى للقارة إثنيا، لكنها ذات ولاءات غربية مع تركيز السلطة فى أيديهم وتأجيج الصراعات والقضاء على الثقافات الوطنية. وحدد رودنى كيفية مواجهة هذا الاستعمار بتبنى الفكر الاشتراكي، ورفض الاستثمارات الأجنبية التى تعتبر استمرارا لاستعمار وتبعية القارة، ولا سبيل لمواجهتها إلا بالوحدة السياسية والتعليم، والاستفادة من دروس التاريخ والقوة السوداء وإعادة الاعتبار للتاريخ الأفريقى والوعى الأسود كبناء فكرى. من النسخة الورقية للأهرام اليومى- صفحة ثقافة أفريقية.