قال د. أنور مغيث، أستاذ الفلسفة بجامعة حلوان، أنه لا يحق لنا أن نصف ما حدث في 25 يناير بأنه ثورة، لأنه لا توجد قيادة محددة، ولا زعامة رمزية، ولم يصل الثوار إلي الحكم لتحقيق برنامجهم الثوري، كما أن لكل ثورة ملامح تعطيها دلالاتها.. وأضاف أن اليسار المصري لا يزال قادرًا علي أن يقوم بدوره وأن يساهم بشكل قوي في المشهد السياسي المصري، بشرط وجود يساريين يفهمون طبيعة المرحلة التي تمر بها مصر، معتبرًا أن الثورة المصرية تمثل نموذجًا جديدًا يطرحه التاريخ للثورات في العالم. وأوضح مغيث في حواره ل "بوابة الأهرام" ضرورة الاتجاه إلي مفهوم حديث للعلاقة بين الأقلية والأغلبية في العالم العربي لا يعتمد علي أساس فصل ديني بين مسلمين ومسيحيين، ووصف ثورة 25 يناير بأنها ثورة ما بعد حداثية، لأنها ألفت بين مطالب ذات خلفيات مختلفة للوصول إلي نظام فعال لدولة جديدة، ورأى أن المجتمع المصري مقبل علي مرحلة اختيارات جذرية ومؤثرة في اجيال كثيرة مقبلة، وبالتالي أصبحت الحاجة أكبر إلي وجود فلاسفة، لأن الفلسفة توفر رؤية عقلانية ونقدية للوضع الحالي وتساهم في تحديد المسارات التي يمكن أن تتخذ في المستقبل. أنور مغيث، أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بجامعة حلون، حصل علي الدكتوراة من جامعة باريس 10 عن "تلقي الماركسية في مصر وله العديد من الكتب المترجمة عن الفرنسية منها "في علم الكتابة" للفيلسوف الفرنسي جاك ديريدا و"نقد الحداثة" ل آلان تورين وأسباب عملية ل "بيير بورديو". يري مغيث أن مصر تعيش الآن لحظة مفصلية مهمة فهي تعيش حالة مشدودة إلي الشهور الماضية بما حملته من ثورة وشعارات ثورية ومشدودة للشهور المقبلة بما تحمله من انتخابات ودستور فمن وجهة نظره أن أي موقف يحاول تكوين تصور عن المستقبل يستند إلي شعرية الأشهر الماضية وأي تصور يحاول تقييم الثورة ونتائجها ومدي ما حققته يستدعي المستقبل وما سيسفر عنه، ومن هذا المنطلق يقول مغيث إن تلك الفترة التي نعيشها هي التي ستحدد ما إذا كان للثورة دلالة كبيرة ومؤثرة علي مسيرة مصر في العقود المقبلة أم أنها ستكون حدث خطير ومهم لكنه عابر في السياسة المصرية. ولكل ثورة ملامح تعطيها دلالتها ويجد مغيث تلك الدلالات في ملمحين الأول هو مشاركة الشباب بشكل كبير أما الملمح الثاني هو مطالبة الثوار بالدولة المدنية واعتباره مطلباً أساسياً اتفق عليه الجميع أثناء الثورة. ويعتبر أستاذ الفلسفة البارز أن مسألة مشاركة الشباب لها بعد سياسي، حيث تعني التمرد علي السلطة الأبوية والبنية التسلطية بالمجتمع بما يمثله من رفض لكل أشكال الوصاية المتعددة سواء من الأهل أو الأستاذ أو الرجل، تلك الوصاية التي ينبغي أن يطاح بها. وبحسب مغيث يطرح النموذج الثوري المصري نموذجاً جديداً للثورات، فعادة ما يطيح الثوار بالطبقة الحاكمة ليحلوا محلها وهو ما لم يحدث في مصر فالثوار لم يصلوا للحكم، كما أن المؤسسات الرئيسية بالدولة لم تنهار ليعاد بناؤها من جديد ولكنها تمر بعمليات تحول داخلية، وهنا يطرح السؤال حول مدي المشروعية التي يمكن أن تعطي لكلمة ثورة في الحالة المصرية فبتطبيق المعايير الكلاسيكية المستقاة من الثورة الفرنسية والبلشفية في روسيا لا يحق لنا أن نصف ما حدث في 25 يناير بأنه ثورة لأنه لا توجد قيادة محددة، ولا زعامة رمزية ولم يصل الثوار إلي الحكم لتحقيق برنامجهم الثوري وأبسط مثال علي ذلك حالة الطوارئ فالثوار لا يزالون يطالبون برفع حالة الطوارئ من سلطة أخري وهذا وضع غير ثوري في رأي مغيث فالثورات لا تطالب وإنما تستولي علي الحكم، ولكن هذا لا يعني أن ما قام في مصر ليس ثورة وإنما هو نموذج مختلف للثورات يطرحه التاريخ، ويطرح مغيث ثورة الطلبة بفرنسا عام 1968 التي تمثل أكثر الثورات تأثيرًا في الحياة الإجتماعية الفرنسية فالمجتمع الفرنسي بعد 1968 يختلف جذريًا عن المجتع الفرنسي بعد ذلك التاريخ رغم أن أيًا من الثوار لم يصل للحكم. يطرح البعد الاجتماعي للثورات والذي قد يكون الأهم بين باقي الأبعاد السؤال عن خلق المجتمع الجديد في مصر وآليات تحقيقه، ويري مغيث أن المجتمع الجديد لم يخلق بعد وتظل النقطة الحاسمة في تأثير الثورة المصرية هي تغييرها للسلوك الاجتماعي وإرسائها لمفاهيم اجتماعية جديدة وتحولها لممارسات ملموسة في الواقع ومن أهم آليات تحقيق المجتمع الجديد وضع دستور ينص وبوضوح علي احترام الحريات الشخصية وحرية الاعتقاد والتعبير والاجتماع والاعتصام والتظاهر بحيث تتحول إلي حقوق للناس يحميها القانون، وأن تتأثر الثقافة بحرية الإبداع بالشكل الذي نتحول فيه من مجتمع كان يعتبر الإجماع علي الرأي قوة للأمة والخروج علي الجماعة إضعاف لها إلي مجتمع حديث يحتفي بإختلاف الآراء وتعدد التيارات والاتجاهات ويعتبر الاختلاف مصدر قوته. يرتبط بالجدل حول المجتمع الجديد، العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر فالجدل الدائر حول تعديل المادة الثانية بالدستور وإمكانية تولي قبطي لمنصب الرئاسة في بلد تقطنه أغلبية مسلمة يثير إشكالية العلاقة بين الأغلبية والأقلية في الشرق الأوسط وهي العلاقة التي اعتبرها إدوارد سعيد في أحد حواراته علاقة ذات خصوصية يصعب إداركها بمعايير العنصرية الغربية، ولكن مغيث لا يرى في تلك العلاقة أية خصوصية فعلي المثقفين العرب أن يدركوا أن لهم تاريخًا خاصًا نعم ولكنه ليس فريدًا من نوعه فالعرب مثلهم مثل لكل البشر يريدون أن يكسبوا عيشهم ويربوا أطفالهم وهكذا تبني المجتمعات علي هذا السعي في كل مكان. ويرى مغيث أننا في حاجة للخروج من حصر العلاقة بين أقليات وأغلبيات علي أسس دينية فهذه مسألة لن تتم إلا بالدستور الذي يحقق المواطنة بالممارسة السياسية التي لا يترتب عليها خوف. ويوضح مغيث أن جزءًا من الجدل حول المادة الثانية من الدستور ومظاهرات السلفيين العنيفة وحركة التغير التي يفترض أن يشهدها المجتمع في بنيته كنتيجة للثورة تثير المخاوف لدي البعض علي فكرة الهوية، هوية الدولة أو المجتمع سواء كان صاحب الهوية ذا توجه إسلامي أو قومي أو مسيحي ولا تجد تلك المخاوف ما يبررها لدي مغيث، ويتساءل ما الذي يضرني إذا تبدلت الهوية وتغيرت، فالبنسبة لمغيث الهوية يجب أن تكون ديناميكية أيضًا وقابلة للتغيير وما يستحق الخوف والقلق حوله هو مستقبل التعليم والصناعة، فلا يوجد في تجربة الشعوب أن شعبًا اتخذ هوية ثابتة عبر التاريخ فالشعوب تغير ملابسها ونشيدها القومي ولغتها أحيانًا ولا يكون التغيير بدافع الملل ولكن لأن الهوية القديمة واجهت تحديات لم يمكنها الصمود أمامها، وبالتالي فالهوية تصنع في المستقبل لا الماضي. وقال مغيث جمعت الثورة المصرية في مطالبها بين التغيير والحرية والعدالة الإجتماعية وهي مطالب ذات خلفيات مختلفة فالتغيير والحرية هي مطالب ليبرالية بالأساس والعدالة الإجتماعية هي مطلب إشتراكي ويفسر مغيث هذا التأليف بين تركيبة مطالب يراها متآلفة رغم أنها تأتي من خلفيات متنافرة بانه تعبير عن روح فلسفة جديدة تتجاوز الحداثة إلي ما بعد الحداثة ويلجأ مغيث إلي الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ليوتار لتوضيح فكرته فالحداثة بحسب ليوتار هي عصر الحكايات الكبري التي تسعي إلي إيجاد نظام شامل يحدد كل شيء الأخلاق والسياسة والسلوك الشخصي والإطار القانوني لذلك تجد لديك المذهب الليبرالي والماركسي كمذاهب شمولية كلية أما ما بعد الحداثة فهي فلسفة الحكايات الصغري التي لا يكون معيار الصحة فيها الحقيقة ولكن الفاعلية في الواقع والقابلية للإستخدام في سياق يعطي مردود مادي أو ثقافي فلا تتعامل مع الماركسية كحزمة واحدة وإنما تفك تلك الحزمة وتقيم التركيب الذي تريده بين المذاهب لتدمجها في نظام فعال وهذا ما حدث في ثورة 25 يناير ومن قبله حين توصلت البرجوزاية الأوروبية لصيغة تجمع بين الليبرالية الإقتصادية والإستراكية لتحقيق العدالة الإجتماعية. من بين الأوصاف التي أطلقت علي الثورة المصرية أنها ما بعد قومية وكلن في نفس الوقت يعول آخرون علي أن تتجه مصر إتجاهاً قومياً جديداً خاصة من التحولات التي يحدثها الربيع العربي بالمنطقة وقد يبو في الأمر تناقضاً إلا أن مغيث يري أن الثورة تحمل البعدين القومي والما بعد قومي، فالبعد القومي يتمثل في أن الثورة المصرية بحسب مغيث تتجاوب مع الشعوب العربية من منطلق تشابه ظروف القهر والإستبداد وتشابه المطالب أيضاً ولكنها تتجاوز البعد القومي التقليدي الذي يمثل يختار فيه شعب نفسه ليكون له رسالة خالدة فنحن قد تجاوزنا هذه الروح، ويلفت مغيث النظر إلي أن الظروف الإقتصادية التي تفرضها العولمية تفرض الإنتقال إلي إتحادات إقليمية عربية من باب تدعيم المنافسة علي مستوي الكوكب بحيث تكون تلك الإتحادات قائمة علي توحيد الثقافة والتعليم والإقتصاد قبل أي شكل سياسي. وانتقد مغيث التيارات اليسارية في مصر لأنها لم تقم بنقد التراث بشكل جذري فمعظم الكتابات النقدية للتراث توجد لدي اللليبراليين مثل قاسم أمين ومحمد حسين هيكل وعلي الرازق ويري مغيث أن اليسار لازالت لديه مهمة ليضطلع بها وهو القيام بنقد جرى للتراث الديني. وهو أمر يشترط أن يكون هناك يساريين يفهمون المرحلة ويدركون إلي أين يتجه العالم قبل أن يفهموا إلي أين تتجه مصر. ويحدد مغيث ثلاثة سمات رئيسية تحدد تيار يساري قوي تتمثل في نقد ثقافي قوي يدعم حرية المرأة والتعبير والإبداع والثقافة العلمية في وجه اخرافة والشعوذة وإنحياز للعدالة الإجتماعية والإهتمام بالناحية الأممية بمعني الهم بالإنسان أينما كان.