يصعد بخطوات هادئة ممسكًا بيد الموسيقار وعازف البيانو الألماني ماتيس فراي في الدقائق الأخيرة قبل انتهاء الحفل، يقابله الجمهور بشوق كبير وكأنه يحتضن صديقًا غاب عنه سنوات فما بين الصيحات والهتافات المنادية بلقبه الشهير "الكينج". ووسط تصفيق امتد لأكثر من عشر دقائق كان اللقاء بين النجم محمد منير وجمهوره في الأوبرا في حفل يحمل طابعًا روحانيًا خاصًا تحت شعار "المولد والميلاد". يقابل منير جمهوره بدار الأوبرا المصرية التي غاب عنها لسنوات طويلة، ولكن هذه المرة على خشبة المسرح الرسمي لدار الأوبرا المصرية، وليس بالمكان الضخم الذي كانت الأوبرا تعده للفنان قديمًا بساحة الأوبرا من أجل استقبال ما يقرب من 60 ألف شخص خلال حفله بالعام الجديد. ورغم اختلاف المكان، إلا أن المشهد لم يتغير، فالنجم الذي اعتاد جمهوره على استقباله بحفاوة لا يمكن وصفها بمجرد كلمات عابرة، كان الجمهور على شوق ولهفة لمقابلته رغم علمه بأن مشاركته لا تتعدى سوى أغنية واحدة. أضفى الكينج على حفل "المولد والميلاد" مذاقًا خاصًا في الدقائق القليلة التي قدم فيها أغنيته الشهيرة "مدد يا رسول الله" تبعها بأغنيته الجديدة "أنا منك أتعلمت" التي طرحها منذ أيام عبر موقع اليوتيوب، فلأول مرة يستمع الجمهور ل "مدد" بإيقاع جاز معاصر وبتنويعات موسيقية مختلفة أعطت مذاقًا مختلفًا للأغنية التي اعتدنا على سماعها برؤية موسيقية معينة. بل يكلل ذلك بمشاركة متأنية في بعض المقاطع الصوتية من قبل النجوم الذين أحيوا حفل "المولد والميلاد" ليلة أمس الأحد، منهم الفنانة مروة ناجي، والمنشد علي الهلباوي إضافة إلى تواجد كلاً من مونيكا جورج كورس والذين قدموا وصلات من الترانيم القبطية، وأيضًا الدكتورة إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا التي شاركت بالعزف مع فرقة "كايرو ستبس". بدى منير في فقرته الغنائية أكثر أريحية وإندماج رغم كونه يغني داخل هذا المسرح المغلق الذي يخالف قواعد حفلاته التي تميل إلى الساحات الواسعة، ويبدو أن الحضور الألماني الذي تضمنه فريق "كايرو ستبس" لصديقه ورفيقه باسم درويش حيث وجود العازفيين المحترفيين إضافة إلى وجود الموسيقار ماتيس فراي كان له أثره في إضفاء هذه الحالة على منير الذي اعتاد على تقديم حفلاته هناك بألمانيا بهذا الأسلوب الموسيقي. ليس هذا فقط بل أن حالة الحماس الذي استقبل به الكينج في الكواليس وعلى خشبة المسرح من الجمهور الذي تفاعل أيضًا مع المقطوعات الموسيقية التي قدمتها الفرقة، والأناشيد الصوفية والترانيم القبطية قبل صعوده كان لها أثر آخر. ويفاجىء الكينج جمهوره بغناؤه آخر أغنياته التي طرحها منذ أيام "أنا منك أتعلمت"، والتي شهدت تفاعلاً من الحضور أيضًا الذي بدي عليه حفظه وترديده لكلماتها رغم مرور أربعة أيام فقط علي طرحها. أما الجانب الآخر من الحفل، فقد كان الإبداع والإبهار شعارًا له، فهو ليس بالحفل التقليدي الذي نذهب فيه للاستماع لأغاني السيرة النبوية بل أنه حالة خاصة نستمع فيها لابتهالات تتحرك معها الروح على إيقاعات موسيقية جريئة وحيوية ولا تمثل غربة أيضًا لمن يستمع إليها، وكذلك على مستوى الأغاني التي قدمتها مروة ناجي وتم اختيارها بعناية مثل برضاك، كم ناشد المختار ربه. وليس هذا فقط، بل أن الترانيم القبطية التي تم تقديمها ويعود بعضها تاريخيًا إلى عام 11 ميلاديًا مثل "اربسالين" وهو لحن قبطي قديم وقدمته مونيكا جورج، حملت إيقاعًا مختلفًا ليكمل اللوحة التي رسمها الحفل الذي أخذ الجمهور في عالم آخر يجمع بين عالم الإنشاد والترانيم في شكل وحدة متكاملة ومتناسقة. أما فرقة "كايرو سبتس" فكانت إطلالتها مثل أبطال العرض المسرحي الذي يدخل كلاً من أبطاله في فاصل معين ليضع بصمته، فقد بدأ الحفل بعزف لمؤسسها باسم درويش على ألة العود بمصاحبة لعازف البيانو سباستيان موللر، وستيفن هردنرجر عازف الباص جيتار تلاها في كل مقطوعة دخول عازف ألو معين يتم التركيز عليه داخل الوصلة الموسيقية لكن الملاحظة الأهم في هذا الأمر هو مدى التناغم الذي جمع بين أعضاء الفرقة وبعضها بشكل بدى فيه العازفيين يقومون بمبارة موسيقية كلاً منهم يبرز مهارته فيه رغم اختلاف الهوية بين استخدام ألة شرقية ومثل العود وآخرى غربية مثل الباص. ومن بين المقطوعات التي تم تقديمها في الحفل، ألف، سلطان، بكرة، نوبيان جرووف، ذكريات.