تعبرالعملات الورقية لكل دولة عن تاريخها الذى تفخر به وتتباهى به أمام مثيلاتها من الدول فى جهات العالم الأربع، فمثلًا يتم وضع صور للعلماء أو الأدباء أو الشعراء أو حتى تماثيل تمثل حضارة من الماضى السحيق على بعض العملات ، لتأخذنا فى جولة لمحاولة سبر أغوار تاريخ تلك الدولة أو تخليدًا لمن ساهموا فى قيام وازدهار حضارة ما. فالعملات الورقية ليست مجرد أوراق مخصصة للمعاملات التجارية فقط، ففى مصر على سبيل المثال نجد مسجد أحمد بن طولون على الورقة فئة ال 5 جنيهات، ومسجد الرفاعى على ورقة ال10 جنيهات، ومسجد السلطان حسن على فئة ال 100 جنيه ومسجد القانيبياى الرماح على فئة ال 200 جنيه. بينما فى الولاياتالمتحدة نجد صور رؤساء مثل لينكولن على فئة ال 5 دولارات أو جرانت على فئة ال50 دولارا وآخرين. أما فى تونس الخضراء، حيث الطبيعة الملهمة الساحرة والخلابة للألباب والتى تأخذنا إلى عالم من نسج الخيال فنجد مثلا على العملة الورقية فئة ال 5 دينارات صورة للقائد القرطاجى العظيم هانيبال. أما فئة ال 10 دينارات فنجد صورة الشاعر التونسى أبو القاسم الشابى، أو مثلاً صورة خير الدين باشا على فئة ال20 دينارًا أو ابن رشيق على فئة ال50 دينارًا أما بقية العملات الورقية فألغيت مثل العملات فئة ال 30 أو 100 دينار. ..ونستعرض نبذة عن حياة هؤلاء العباقرة الذى تركوا بصماتهم ليس فقط فى بلادهم بل امتدت لتشمل الوطن العربى، ونبدأ بالعملة الورقية فئة ال 5 دينارات. القائد القرطاجى "هانيبال" على العملة الورقية فئة ال5 دينارات: حنبعل بن حملقار برقا الشهير ب "حنا بعل" أو ب "هانيبال" (247 ق.م - 182 ق.م) هو قائد عسكري قرطاجي فينيقي ينتمي إلى عائلة بونيقية عريقة، ويُنسب إليه اختراع العديد من التكتيكات الحربية في المعارك. كان أبوه حملقار برقا قائدًا للقرطاجيين الفينيقيين في الحرب البونيقية الأولى، وكان أخواه صدربعل وماجو من أعظم القادة القرطاجيين الفينيقينين، وكان شقيقاً لزوجة القائد صدربعل العادل، ووصف المؤرخون حنبعل بأنه أسوأ كوابيس روما وبكاسر هيبتها وصوّره الرومان على أنه وحش يهوى القتل و سفك الدماء. ولد حنبعل في شمال أفريقيا بمدينة قرطاج (مستوطنة فينيقية، إحدى ضواحي مدينة تونس حاليا) ورافق وهو في التاسعة من عمره والده حملقار برقا إلى هسبانيا. وفي عام 221 ق.م، اختاره الجنود قائدًا بعد اغتيال صدربعل العادل زوج أخته، فتمكن من بسط نفوذ قرطاج على جزء من جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية بما في ذلك ساجونتو إحدى المعسكرات الرومانية. وكنتيجة لهذا الأمر، رأت روما أن ذلك يعد خرقًا للمعاهدة التي عقدت إثر الحرب البونيقية الأولى، وطالبت بتسليمها حنبعل وقد كان رفض هذا الطلب سببًا في اندلاع الحرب البونيقية الثانية بين عامي 218 ق.م. و201 ق.م. شهد حوض البحر المتوسط العديد من التوترات والأزمات عندما حاولت روما فرض سطوتها على القوى العظمى في المنطقة مثل قرطاجنة الفينيقية ومملكة مقدونيا الهلستينية وسرقوسة والإمبراطورية السلوقية. كانت أكبر إنجازاته خلال الحرب البونيقية الثانية، عندما سار بجيش يضم فيلة حربية، من أيبيريا إلى شمال إيطاليا عبر جبال البرانس وجبال الألب، ففي سنواته القليلة الأولى في إيطاليا، حقق ثلاثة انتصارات عظيمة في معارك تريبيا وبحيرة تراسمانيا وكاناي ، وخلال 15 عاما ، احتل حنبعل معظم إيطاليا مع ذلك اضطر إلى أن يعود لمواجهة الغزو الروماني لشمال أفريقيا حيث هزمه القائد الرومانى سكيبيو الإفريقي في معركة زامة. بعد الحرب، أصبح حنبعل حاكمًا لقرطاجنة الفينيقية، وعندئذ قام بسنّ العديد من الإصلاحات السياسية والمالية ليتمكن من دفع تعويضات الحرب المفروضة على قرطاجنةلروما، كانت هذه الإصلاحات لا تحظى برضا الطبقة الأرستقراطية القرطاجي فوشت به لروما ، ففرض عليه النفى. خلال منفاه ، عاش في الإمبراطورية السلوقية، حيث قام بدور المستشار العسكري لأنطيوخس الثالث في حربه ضد روما ولكن بعد هزيمة أنطيوخس،اضطر إلى قبول شروط روما ، وفر هانيبال مرة أخرى إلى مملكة أرمينيا، واستقر في بيثينيا، حيث ساعدهم لتحقيق فوزاً بحرياً بارزاً على أسطول من بيرجامس وبعد ذلك تعرض للخيانة وكان من المفترض أن يسلم إلى الرومان، إلا انه آثر تناول السم الذي قيل أنه احتفظ به في خاتم لبسه لوقت طويل على أن يموت أسيرًا في يد الأعداء. يعتبر حنبعل واحدًا من أعظم القادة العسكريين في العصور القديمة، جنبًا إلى جنب مع الإسكندر الأكبر ويوليوس قيصر وسكيبيو الإفريقي وبيروس الأيبيري، يعزى إليه المقولة الشهيرة: "سوف نجد حلاً، أو سنصنع واحداً". أبو القاسم الشابى (فئة ال 10 دينارات): أبو القاسم الشابي الملقب بشاعر الخضراء (24 فبراير 1909 - 9 أكتوبر 1934) شاعر تونسي من العصر الحديث ولد في قرية الشابية في ولاية توزر، عمل والده الشيخ محمد الشابي في القضاء متنقلا بين مختلف المدن التونسية. كان رجلاً صالحًا تقيًا، وفي هذا الجو نشأ أبو القاسم الشابي، ومن المعروف أن للشابي ثلاثة أخوة هم محمد الأمين وعبد الله وعبد الحميد، وكان الأمين الشابي أول وزير للتعليم في الوزارة الدستورية الأولى في عهد الاستقلال فتولى المنصب من عام 1956 إلى عام 1958. وتخرج أبو القاسم من الكلية الزيتونية عام 1927 والتحق بكلية الحقوق وخاض عدة معارك لإصلاح مناهج التعليم وساعد في تأسيس جمعية الشبان المسلمين والنادي الأدبي في تونس. وفي عام 1929 توفي والده ليثير ذلك صدمة عنيفة في نفسيته، فطغى على قصائده ألم جارف، وازداد الأمر بسبب ضعف بنيانه حيث كان مصابا بمرض القلب ولكن حالته ازدادت سوءاً فيما بعد بسبب وفاة حبيبته وكذلك إهماله لنصيحة الأطباء في الاعتدال في حياته البدنية والفكرية ومنها أيضاً زواجه فيما بعد. وخضع الشابي لعلاج كثير من الأطباء منهم الدكتور التونسى محمود الماطري و الطبيب الفرنسي كالو، وكانوا ينصحونه بالبقاء في الأماكن المعتدلة المناخ ثم وافته المنية وهو فى سن ال25. وكان من الشعراء الذين تغنوا بالمستقبل وآمنوا بالتجديد ورفضوا الجمود والتقليد وسكبوا ذاتهم في واقعهم الاجتماعي فهو يتغنى بالحياة والفن والوطن والطبيعة والثورة مثل قصائده التالية: " صلوات في هيكل الحب " ونشيد الجبار" و" أغاني الرعاة " و " تحت الغصون " وغيرها...ويمتاز شعره بالرومانسية فهو صاحب لفظة سهلة قريبة من القلوب وعبارة بلاغية رائعة يصوغها بأسلوب جميل. ومن أهم قصائده: "إرادة الحياة" التى تم استخدام جزء منها في النشيد الوطني لتونس. خير الدين باشا (20 دينارًا): خير الدين التونسي أو خير الدين باشا هو أحد رموز الإصلاح بالبلاد التونسية، ولد سنة 1820 في قرية بجبال القوقاز وكان عبدا مملوكا ينتمي إلى قبيلة "أباظه" ببلاد الشركس بالجنوب الغربي من جبال القوقاز وتوفى والده في إحدى المعارك العثمانية ضد روسيا، فأسر وهو طفل ثم بيع في سوق العبيد بإسطنبول، فتربى في بيت نقيب الأشراف تحسين بك. وانتهى به المطاف إلى قصر باي تونس (ممثل الدولة العثمانية فى تونس قبل استقلال البلاد عن تركيا) عندما اشتراه رجال الباي من سيده، وجيء بخير الدين إلى تونس وهو في السابعة عشر من عمره سنة 1837. وأصبح مملوكا لأحمد باشا باي الذي قربه وحرص على تربيته وتعليمه وأقبل على تحصيل الفنون العسكرية والسياسية والتاريخ وعين مشرفاً على مكتب العلوم الحربية، وولاه أحمد باي أميرا للواء الخيالة سنة 1849. كما عين فى منصب وزير البحرية عام 1857 وقام بالعديد من الإصلاحات من أهمها تحسين ميناء حلق الوادي وتنظيم إدارة الوزارة وتطوير زى الجيش البحري وضبط اتفاقيات وقوانين مع الأجانب لحفظ الأراضي التونسية. وقاوم الحكم الاستبدادي وعمل على إقامة العدل وساهم في وضع قوانين مجلس الشورى الذي أصبح رئيسا له سنة1861...ولكن أمام ازدياد فساد الوضع السياسي في البلاد نتيجة سوء تصرف المسئولين وسرقاتهم، تقدم باستقالته من جميع وظائفه سنة 1862، واستغرقت فترة انقطاعه سبع سنوات، من سنة 1862 إلى سنة 1869 انعزل فيها في بستانه وقد ترك لنا حصيلة تأملاته وأفكاره الإصلاحية في كتابه الشهير: "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك". وكلفه محمد الصادق (باى تونس الثانى عشر منذ 1859 إلى 1882) سنة 1869 برئاسة لجنة الكومسيون المالي، ولنجاحه في هذه المهمة كلفه سنة1871 بدعم العلاقات بين تونس والدولة العثمانية، ثم عينه وزيرا أكبر في أكتوبر 1873. وأمام اشتداد الوشايات استقال خير الدين باشا من جميع وظائفه، ثم هاجر إلى تركيا في أغسطس سنة 1878 بأمر من حاكم البلاد محمد الصادق باي وذلك إرضاء للقناصل المعتمدين لديه ، وهناك ألح عليه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني أن يتولى وزارة العدل لكنه رفض، ثم عاد وقبل الوزارة الكبرى وتوفي بتركيا يوم 7 جمادى الثانية 1307ه الموافق ليوم 30 يناير 1890. وفي مارس 1968 أوتي برفات خير الدين باشا إلى تونس، ودفن فى عام 1971 على مشارف مقبرة الجلاز. لم يكن "خير الدين" إداريًا عظيمًا ومصلحًا فَذًّا فحسب، وإنما كان مفكرًا إصلاحيًا دوَّن أفكاره في كتابه "أقوم المسالك"، وهو يتألف من مقدمة طويلة، وجزءيْن؛ يحتوي الجزء الأول على عشرين بابًا، كل باب مخصص لبلد من البلاد الأوروبية، وتضم الأبواب فصولا عن تاريخ البلد، وجغرافيته، وموقعه، ومساحته، وأهم ملوكه، وتنظيماته الإدارية والسياسية والعسكرية ، أما الجزء الثاني فيحتوي على ستة أبواب ؛ خمسة منها في جغرافية القارات الخمس، وخصص الباب السادس للبحار. كان "خير الدين" داعية إلى الإصلاح الشامل الذي يقوم على أساس تحقيق العدل والمساواة في حكم الرعية ، ورفع مظاهر الظلم والتعسف عن كاهله، واحترام حقوقه الإنسانية، ولن يتحقق هذا إلا من خلال نظام حكم يقوم على الشورى، وتعدد مؤسسات الحكم، وعدم انفراد شخص مهما أوتي من قدرة وكفاءة وحسن سياسة في تصريف شئون البلاد وإدارة أمور الرعية ؛ لأن في الاستبداد والانفراد مدعاة للتفريط في الحقوق، في مقابل ذلك اشترط أن تكون الأمة واعية مستنيرة تدرك مسؤولياتها، وتحسن ممارسة حريتها، وتراقب سير أمور الحكم ، وتطالب بما لها من حقوق. ابن رشيق القيروانى (50 دينارًا) هو أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني، أديب و ناقد و شاعر، ولد بمدينة المسيلة المعروفة بالمحمدية عام 390ه، وتقع شرقي الجزائر بجهة قسنطينة وهي حاليا عاصمة ولاية المسيلة ،وكان والده مملوكاً روميا لرجل من الأزد، يعمل في صياغة الذهب، وقد علَّم ابنه صنعته بيد أنه كان يميل إلى الأدب. فقد بدأ في نظم الشعر وغادر إلى القيروان عام 406ه، والتى كانت في ذلك الوقت عاصمة لدولة بني زيري الصنهاجيين، وتعج بالعلماء والأدباء، فدرس النحو والشعر واللغة والعروض والأدب والنقد والبلاغة على عدد من نوابغ عصره، من أمثال أبي عبد الله محمد بن جعفر القزاز وأبي محمد عبد العزيز بن أبي سهل الخشني الضرير وأبي إسحاق الحصري القيرواني. قام ابن رشيق بمدح حاكم القيروان، المعز بن باديس، بقصائد حازت على إعجابه وكانت سببا في تقريبه له، ثم اتصل برئيس ديوان الإنشاء بالقيروان ، أبي الحسن علي بن أبي الرجال الكاتب ومدحه. وقد ولاه علي بن أبي الرجال شئون الكتابة المتصلة بالجيش ثم غادر ابن رشيق القيروان بعد فترة إلى مدينة المهدية، حيث أقام في كنف أميرها تميم بن المعز ، ولكنه ما لبث أن ترك المهدية إلى جزيرة صقلية، حيث أقام بمدينة مازر إلى أن وافته المنية عام 456. ألف ابن رشيق كتبًا كثيرة ضاع بعضها ووصل إلينا بعضها، وأشهر مؤلفاته : كتاب العمدة : في محاسن الشعر ونقده وآدابه وهو يتكون من جزءين ويحتوي على خلاصة آراء النقاد الذين سبقوه في النقد الأدبي.