ربما نبتلع على مضض تزوير الموسوعات الغربية والعالمية في تاريخنا، وإنكارها لانتصارنا الساحق على اسرائيل في حرب أكتوبر، ولكن ما لا يمكن السكوت عليه أو التهاون فيه أن يتم تزييف التاريخ في عقول أبنائنا من خلال حقائق مغلوطة عن بلادهم؟ وأين؟ في مدارس طلابها مصريون ومقامة على أرض مصر وبأموال الآباء والأمهات من أبناء شعب مصر. وبينما تعزف الصحف ووسائل الإعلام لحن التغني بالنصر العزيز في حرب أكتوبر العظيمة، نكتشف أن طلاب الصف الأول الثانوي في إحدى المدارس الدولية الخاصة للغات - والتى يديرها النظام المدرسي (SABIS (في مختلف بلدان الشرق الأوسط - وتتخذ من مدينة أكتوبر مقراً لها يتعلمون في كتاب التاريخ الأمريكي "العالم المعاصر منذ عام 1870" المقرر عليهم أن اسرائيل لم تهزم بل كانت على وشك الهزيمة. وأن كلا الطرفين في الحرب خسر الحرب ولم يكسبها أي منهم. في صفحة 237 من الكتاب قفز المؤلف بصورة مبتورة غير متوازنة من الحديث عن المفاجأة القاسية التي تلقتها اسرائيل في يوم السادس من أكتوبر على يد الجيش المصري والسوري إلى الحديث عن الثغرة التي أحدثها الجيش الاسرائيلي بقيادة آرييل شارون، وأسهب بشدة في ذكر تفاصيل التفوق الاسرائيلي في الثغرة، ولم يصنع أي توازن بحديث مكافئ عن تفاصيل التفوق المصري والسوري خلال الأيام الأولى من الحرب. يغالط الكتاب الحقائق ويذكر أن اسرائيل بدأت تلم شتات نفسها وترد الضربات لمصر وسوريا منذ اليوم الأول حيث يقول: "لأن اليوم كان عيدا مقدسا منح الاسرائيلين ميزة واحدة، وهي أن الطرق كانت خالية لمرور المركبات والدبابات والمدافع وانتقالها إلى الجبهة، وقرر الاسرائليون صد المصريين أثناء دحر السوريين الذين كانوا قريبين من حدود اسرائيل. وطوال أيام، كان مصير اسرائيل (لاحظ كلمة مصير) معتمدا على مجموعات صغيرة من الرجال الذين حاربوا حتى الرمق الأخير ضد ظروف صعبة غير مواتية، غير أن تضحياتهم أنقذت (لاحظ أيضا كلمة أنقذت وتكرار كلمة اسرائيل ثلاث مرات) دولة اسرائيل". من الواضح أن السرد يحتوي على قدر غير قليل من التعاطف مع اسرائيل في هذه الحرب والتمجيد لنضال جنود اسرائيل، ويتحدث من وجهة نظر تصور تشعر فيها بفزع غير قليل على مصير اسرائيل وكيانها، ففي ثلاث سطور ذكر كلمة اسرائيل" ثلاث مرات". وقال الكتاب بالنص: "ثم حان دور المصريين لكي يشعروا بالمفاجأة، فقد حدثت ثغرة بين الجيش الثاني والثالث عند رأس البحيرات المرة، وكان المصريون يخططون لخطواتهم المقبلة غير شاعرين بأي خطر، لكن الجنرال الاسرائيلي آرييل شارون ترك مواقع ضعيفة في الجدار الرملي القديم (خط بارليف) عندما كان يخطط لغزو مصر منذ سنوات عديدة قبل ذلك. وكانت هذه المواقع مميزة بالطوب الأحمر. وتحرك رجال شارون عبر هذه الفجوات، وعبروا القناة وكسبوا معارك عنيفة. وبذلك شقوا الجيش المصري إلى نصفين، وخلال أيام، توغل الاسرائيليون في مصر، وأصبحوا يقاتلون بين أشجار النخيل وحقول الذرة بدلا من الصحراء". وتأمل السطور التالية التي تكشف عن مدى الشماتة والسخرية من الرئيس السادات( بطل الحرب والسلام)، إذ يستطرد المؤلف قائلا: "وبينما كان السادات يخبر المصريين بأنهم حققوا نصرا عظيما، كان الجيش الثالث المصري معزولا ومحاصرا. وكان الروس هم الذين أدركوا هذا الخطر أولا، حيث طار قائدهم أليكسي كوسيجين إلى القاهرة ليخبر السادات بالأخبار الدرامية. وما لم تدع الدولتان لهدنة، لخسرت مصر وسوريا الحرب. يقول المؤلف بعد ذلك أن القتال انتهى في 25 أكتوبر وخسر العرب 12 ألف جندي بينما فقدت اسرائيل ألفي جندي، ويعترف المؤلف بأن اسرائيل باعتبارها دولة صغيرة لا يمكنها أن تتحمل هذه الخسارة، ثم يقول المؤلف جملة عجيبة للغاية "كلا الطرفين أوشكا على خسارة الحرب"، والميزة التي حققها العرب أن الاسرائيليون لن يسخروا من قدراتهم القتالية بعد الآن. اي قول عجيب هذا، كيف أوشك الطرفان على خسارة الحرب، هل معنى ذلك أن الحرب انتهت بالتعادل بهدف لكل فريق؟ وكيف يتعلم أولادنا هذا التعاطف الضمني مع اسرائيل؟ ولماذا ذكر المؤلف الثغرة بالتفصيل ولم يذكر بتفصيل مماثل أي انتصار أو تفوق مصري أو شق القناة أو هدم خط بارليف أو معارك الدبابات أو الطائرات. لم يشأ مؤلف الكتاب (إل إي سنيلجروف) أن يعترف بحقيقة هزيمة اسرائيل، فأخذ يراوغ ويناور حولها وينتقل بالحديث إلى نقطة فلسفية تقول بأنه لم ينتصر أحد في هذه الحرب، لا مصر ولا سوريا ولا اسرائيل بل ولا العالم أجمع، ويصفها بأنها "الحرب التي خسرناها جميعا"، مفسرا قوله بأن الغرب خسر أيضا في هذه الحرب بسبب ارتفاع أسعار البترول والغذاء بعد أن فرضت السعودية حصارا نفطيا على أوربا والولايات المتحدة للضغط على اسرائيل، ويوحي الكتاب بكل خبث بأن تنازل اسرائيل عن الأرض لم يكن بسبب حرب أكتوبر بل سبب ضغط الغرب الذي كان متضررا بشدة بسبب نقص إمدادات البترول من الشرق الأوسط. ويواصل المؤلف سخريته من العرب حتى في الأسئلة، وبالتحديد في السؤال رقم (2) صفحة 239 حيث قال بالنص: "لقد قررنا أن نغرق هذه الأرض بدمائنا وأن نطردكم أيها المعتدون ونلقي بكم في البحر للأبد – مقتطف من بث إذاعي في المحطة الإذاعية للحكومة السورية، 1966) ثم يأتي السؤال كالصدمة إذ يحمل كل معاني التشفي والسخرية فيقول: "إلى أي مدى نجح العرب في "إلقاء اليهود في البحر" خلال حرب الأيام الستة 1967 (يقصد بها نكسة يونيو). وهناك سؤال آخر يطلب من الطلاب تحليل أسباب خسارة الجميع للحرب، مما يرسخ وجهة نظر المؤلف التي ترى أن هذه الحرب لم يكسبها الجميع. والسؤال هنا، هل راجعت وزارة التربية والتعليم محتوى الكتب التي تدرس لأبنائنا في مدارس اللغات ومدارس الشهادات الأمريكية والأجنبية؟ وكيف نسمح لهم بأن يتعلم أبناؤنا وطلابنا وصناع المستقبل تاريخنا من كتب أجنبية ويا ليتها كتب منصفة بل منحازة أشد الانحياز لاسرائيل كما رأينا؟ ربما نقبل أن يتم تدريس مثل هذه الكتب في الخارج، ولكن لماذا يتم تدريسها في مصر؟ وإذا كانت الوزارة قد أضافت مواد اللغة العربية والدين والتاريخ والتربية القومية لمنهج مدارس اللغات، فلماذا يتم تدريس مواد موازية من الأساس؟ طالما يدرس الطلاب التاريخ الذي كتبته الوزارة، فلماذا يتم تدريس كتاب تاريخ آخر مواز له؟ ولماذا هذا الكتاب بالذات؟ هناك كتب تاريخ أخرى كثيرة أكثر انصافا، ولماذا لا تترجم الوزارة كتب التاريخ المقررة على الطلاب في المدارس الحكومية لكي يدرسها طلاب مدارس اللغات، بدلا من أن يدرسوا هذه السخرية من أوطانهم وتاريخهم وانتصاراتهم من كتب ألفها مؤرخون متعصبون متحيزون لاسرائيل على طول الخط.