من "رباعيات الخيام" تغنت أم كلثوم قائلة: أفق خفيف الظل هذا السحر، فما أطال النوم عمرًا ولا قصر فى الأعمار طول السهر. والمعنى المقصود، أن الوقت الذى نقضيه فى النوم لا نستفيد منه على الإطلاق، لكن العلماء اكتشفوا مؤخرًا أن الإنسان يمكنه الاستفادة من وقته وهو نائم في تعلم أشياء جديدة، فلو راجع الطالب دروسه جيدًا حتى نال منه التعب ثم نام، فإن المخ سيستمر في العمل أثناء النوم بنفس الطريقة، كما لو كان يردد ما درسه طوال الليل، كما أن كل ساعة نوم إضافية تقلل الوزن الزائد. فهل بات علينا أن ننام أكثر، حتى نصحو ونحن متعلمون أشياء جديدة، وخصوصًا الطلاب والباحثين والمبدعين؟ ربما.. لكن علينا أن نتمهل لنعرف تفاصيل هذه الدراسة الجديدة التى نشرتها مجلة "توب سانتيه" حول كيفية الاستفادة من الوقت أثناء النوم، أشارت فيها إلى أن العلماء في معهد "ماكس بلانك" بألمانيا يعكفون حاليا على تحري الذكريات وطرق تخزينها وآلية عمل الذاكرة، وقد فوجئوا عندما وجدوا أن النوم يمثل معجزة عظيمة في التذكر والتعلم. وتمثل هذه النتائج قفزة في معرفة كيفية التعلم والتذكر لدى الإنسان، حيث وجدوا أن قشرة الدماغ تنشط أثناء النوم، وأن المعلومات تخزن في منطقة عميقة من الدماغ تدعى "هيبو كامبوس" لفترة قصيرة ثم تتحرك خلال عدة أيام، خصوصًا أثناء النوم العميق، إلى قشرة الدماغ في منطقة تدعى "نيوكورتكس" لتصبح في مجال الذاكرة الطويلة الأمد. وأكد العلماء أهمية النوم في عملية التعلم والتذكر حيث لاحظوا نشاطًا كبيرًا للخلايًا العصبية أثناء النوم، وتبين أن النوم العميق يقلل من مشكلة زيادة الوزن خاصة عند الأطفال، حيث أن كل ساعة نوم إضافية، تقلل من مشكلة زيادة الوزن والسمنة، فى حين أن قلة النوم تؤثر على الهرمونات المسئولة عن الشعور بالجوع وخصوصًا عند الأطفال. ويضيف العلماء فى دراستهم، أن أكثر الفئات التي تهمهم هم الطلاب الذين يعانون ليلة الامتحان من الإحساس بأنهم نسوا المعلومات التي درسوها، ويحتارون بين اختيار النوم أو مزيد من المراجعة، حيث وجد الباحثون أن النوم يساعد بصورة كبيرة على حدوث التغيرات المطلوبة عقليًا في اتصال الخلايا العصبية والمخ، ولهذه الاتصالات دور أساسي في قدرة المخ على التحكم في السلوك والتعلم والذاكرة، وأن النتائج قدمت دليلًا قويًا على أن النوم يساعد العقل على أداء وظيفته جيدًا، وأنه يحول الخبرة إلى ذاكرة، وتظهر أهمية هذا الأمر أثناء طريقة استعدادنا للامتحانات. ووجد الباحثون أن التغيرات التى تحدث فى المخ ذات صلة بالنوم العميق، أكثر من النوم الخفيف، واكتشفوا أن النوم يلعب دورا مهما في تنمية العقل، وهذا الاكتشاف سوف يساعد الباحثين في الإجابة عن التساؤل المعقد: لماذا ننام؟ كما أكدت الدراسة أن المعلومات الجديدة التي يحصل عليها الإنسان يتم تخزينها أولاً في جزء من الدماغ يطلق عليه اسم "هيبو كامبوس"، وفي نهاية اليوم، لا يقوم الدماغ بحذف هذه المعلومات ونسيانها، بل إنه يتم استدعاؤها من جديد وتخزينها في الدماغ. ويقول البروفيسور "مايكل ستريكر": لو راجع الطالب دروسه جيدًا حتى نال منه التعب ثم نام، فإن المخ سيستمر في العمل أثناء النوم بنفس الطريقة، كما لو كان الطالب طوال الليل يردد ما درسه . وأوضحت الدراسة الدور المهم جدا الذي يلعبه النوم في أداء العقل لوظائفه الفعالة، وذلك من خلال أبحاث أجريت على القطط، وسوف تكون لها آثار على البشر الذين يريدون تحسين قدرات التعلم والتذكر لديهم، خاصة الطلاب.وقد أثبتت التجارب على القطط أن أداءها يتحسن إذا نامت بشكل جيد حيث تصبح أكثر قوة ونشاطًا وحركة. كما أجرى العلماء اختبارات على التغيرات التي تحدث في عقول القطط بينما إحدى عينيها مغطاة لمدة ست ساعات، فقد تبين أن عقول القطط التي سمح لها بالنوم لمدة ست ساعات بعد التجربة، أظهرت تغيرًا وتكيفًا أكثر من تلك التي لم يسمح لها بالنوم. ويؤكد الباحثون أن الحقائق التي ينساها الناس خلال يوم حافل بالعمل ربما يمكن استرجاعها، إذا أعقب ذلك النوم بشكل جيد. وطلب الباحثون من متطوعين تذكر كلمات بسيطة، ووجد كثيرون أن ذاكرتهم تخذلهم في نهاية اليوم، لكن في صباح اليوم التالي استطاع أولئك الذين ناموا بعمق استرجاع المعلومات بشكل أفضل بكثير. ويعني هذا أن المخ يمكن أن يسترجع خلال الليل الذكريات التي كادت أن تُنسى، وعندما يطلب من المخ تذكر شيء لأول مرة تكون هذه المعلومة في حالة غير مستقرة وهو ما يعني أنها ربما تكون قد نسيت، وفي مرحلة ما يضع المخ المعلومات المهمة في حالة أكثر استقرارا وثباتا. لكن الباحثون يرون أنه من الممكن أن تعود الذاكرة المستقرة إلى حالة عدم الاستقرار مرة أخرى عندما يتم استرجاعها، ويعني ذلك أن الذكريات يمكن تعديلها وحفظها مرة أخرى عند مواجهة تجارب جديدة. وتمثل مسألة النوم قضية مهمة تحير العقول، فهل الطبيعة هي التي صممت هذا النظام الدقيق للنوم؟ وهل المصادفة العمياء هي التي جعلت الكائنات الحية تنام، وهي تعلم أن النوم مفيد لها؟ فى الإجابة عن هذه التساؤلات تستشهد مجلة "توب سانتيه" بصورة مأخوذة بجهاز المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي، نرى في الصورة اليسرى دماغ النائم في بداية نومه ولا يبدو أي نشاط عليه، وبعدما تم إسماع النائم عبارات ومعلومات تجاوب دماغه مع هذه المعلومات وبدأ ينشط، ومن هنا تأكد العلماء أن الدماغ يعمل أثناء النوم ويتلقى المعلومات ويخزنها. ويقول الباحثون: إن النوم العميق والمريح يمكنه أن ينمي ويطور المهارات الفردية الخاصة والمواهب الشخصية، وخصوصًا ما يتعلق بتنشيط الذاكرة وتنشيط استذكار ما حدث في الماضي، واستذكار التصورات. وأشار الدكتور "ستيفان فيشر" الذي ترأس هذه الدراسة: إلى أن النوم مفيد بل ضروري لتحقيق مستوى أفضل من المهارات، ويقول رئيس جمعية النوم البريطانية نيل ستاندلي: إن الدراسة الجديدة تؤكد من جديد على أهمية النوم في حياة الإنسان وأنه من الخطأ أن يتصور البعض أن النوم مجرد مضيعة للوقت وبلا فائدة. واستنادًا إلى دراسة ألمانية، تؤكد المجلة الفرنسية وجود علاقة بين النوم والإبداع، فقد أثبتت سلسلة من الدراسات الألمانية وجود علاقة بين النوم والقدرة على الإبداع، وأن الدماغ يمارس نشاطات "إبداعية" أثناء النوم.