استطاع وليد أبوموسى الطالب بجامعة الأزهر أن يصل بسيارته الصغيرة إلى مشارف جامع عمرو بن العاص، بالرغم من أنه في العام الماضي وفي الليلة ذاتها توقف بها على بعد أكثر من كيلو في طريق الفسطاط المؤدي إلى المسجد الأقدم في بر مصر. وعندما بدأت الركعة الأولى عرف الشاب الأزهري سر أن الزحام أقل هذا العام وهو أن القاريء محمد جبريل الذي اعتاد إحياء ليلة 27 رمضان، منذ أكثر من 20 عاما، تغيب بسبب معلن وهو أنه في الأراضي المقدسة لأداء العمرة. الملاحظة الأساسية في صلاة التراويح بمسجد عمرو بن العاص مساء أمس الخميس هو أن الزحام أقل بكثير من المعتاد كل عام حيث كان يمكن للمارة السير بسهولة أمام المسجد في الشارع الذي كانت الحركة تتوقف فيه مع اقتراب صلاة العشاء ليلة 27 رمضان من كل عام. منذ بداية التسعينيات في القرن الماضي اعتاد المصلون رجالا ونساء أن يفترشوا الطرقات والأرصفة للاستمتاع بالصلاة خلف الشيخ محمد جبريل الذي حصل قبل نحو 25 عاما على لقب القاريء الأول في العالم الإسلامي خلال مسابقة أقيمت في مكةالمكرمة. ويشتهر جبريل بصوت عذب وقدرة على التعبير بصوته في آيات القرآن صعودا وهبوطا مع المعنى وهو ما لا يتوافر لكثيرين من القراء، وبرغم حلاوة أصوات من تقدموا للصلاة في جامع عمرو لتعويض غياب جبريل إلا أن معمهم قرأ القرآن بحياد شديد لم يكن سمة الصلاة في "جامع عمرو"، فلا صوت يعلو أو ينخفض ولا صوت يُرهب أو يُرغب. وقد أعلنت إدارة المسجد بعد صلاة العشاء عن اعتذار الشيخ محمد جبريل عن عدم الحضور لأداء العمرة في الأراضي المقدسة، وهي المرة الأولى التي يتخلف فيها جبريل عن "تراويح جامع عمرو". وقد فتح غياب جبريل الباب لتأويلات مثل أن جبريل ممنوع أمنيا أو أن هذه أول صلاة تراويح بعد فض اعتصامي "رابعة والنهضة" وأنه كان يخشى من تجمع أنصار الإخوان أو أن جبريل لم يكن يريد تحمل عبء هذا التجمع وما قد ينجم عنه من احتكاكات. أيا كان السبب فإن غياب جبريل كان لافتا بقوة حيث تناقصت أعداد الحضور، كما كان لافتا زيادة أعداد النساء والأطفال حيث خرجت أسر كثيرة بمنطق الرحلة والترفيه للإفطار في محيط مسجد عمرو بن العاص. تناقل عدد من المصلين خبر غياب جبريل قبل إعلانه من مكبرات الصوت بالجامع العتيق، وأكد بعضهم أن الخبر إشاعة وأن جبريل لن يتخلف عن صلاة التراويح أبدا، لكن بعضهم أكد نقلا عن عاملين في المسجد أن القارىء الأشهر في مصر لن يحضر الصلاة. بدأ صلاة العشاء وأم المصلين فيها الشيخ عيد زكي وقرأ في الركعتين الأولى والثانية أواخر سورة الفرقان في الجزء ال 19 بداية من الآية 61 (تبارك الذي جعل في السماء بروجا)، وحتى نهاية السورة، والآيات حوالي صفحة ونصف الصفحة وهو أقل من ما كان يقرأ خلال الصلاة مع جبريل. وتم الإعلان عن أسماء الأئمة ثم تم استئناف التراويح حث قرأ الدكتور محمد عبدالكريم سورة تبارك في الركعة الأولى وسورة القلم في الركعة الثانية، وكرر آية (فلا تطع المكذبين) وآية (ولا تطع كل حلاف مهين). في الركعة الثالثة قرأ عبدالكريم سورة الحاقة وفي الرابعة سورة المعارج. استراحة قصيرة ثم تقدم الدكتور محمد عيد قرشي لإكمال صلاة التراويح، وقرأ سورة نوح في الركعة الخامسة. ووفقا لترتيب المصحف الشريف الذي بدأت به التراويح من سورة "الملك" فإن الركعة السادسة كان يجب أن تقرؤ بسورة "الجن"، لكن الإمام أسقط سورة "الجن" من الترتيب وقرأ سورة المزمل في الركعة السادسة. وفي الركعة السابعة بدا الإمام أقرب مايكون إلى طريقة جبريل في القراءة عندما وصل إلى الآية 32 (كلا والقمر، والليل إذا أدبر) إذا علا صوته ثم نزل بنبرته مع تواتر الآيات. في الركعة الثامنة قرأ قرشي سورة القيامة، وقام بتكرار آيتين أكثر من مرة مع تفاعل المصلين وهما آيتا ( كلا إذا بلغت التراقي) و(أيحسب الإنسان أن يترك سدى). في الركعة الأولى من ركعتي الشفع قرأ سورة الإنسان، ثم تجاوز سورتي المرسلات والنبأ وقرأ سورة النازعات في الركعة الثانية وقام بالضغط والتكرار بصوت متهدج في آية (فإذا جاءت الطامة الكبرى). وفي ركعة الوتر قرأ الصمدية، ثم تلا الدعاء الذي كان وقته أقل من الدعاء الذي كان يؤديه الشيخ جبريل لمدة ساعة كاملة. الدعاء الذي ختم به الدكتور محمد عيد قرشي صلاة التراويح بمسجد عمرو، كان أقل اشتباكا بالأحداث الجارية مما اعتاده المصلون من جبريل، لكنه دعا كثيرا بأن يرفع الله عن مصر الغلاء والوباء والبلاء. كما دعا لمصر بالأمن وقال كلاما عاما، دعا به على من أراد بمصر سوءا. ودعا لأمهات وزوجات وأطفال الشهداء. ذكر الإمام البلاء الذي يتعرض له المسلمون في العراق وسوريا لكن أصوات البكاء والنحيب ارتفعت وهو يدعو لأهل غزة مرارا. انتهت الصلاة ولم يكن فقط عدد المصلين هو الذي تضاءل لكن البهجة أيضا، إذ أطلقت "شماريخ" الاحتفالات على استحياء، بعد أن انفض الجمع غير الغفير. ولم يجد الشاب وليد صعوبة في الخروج بسيارته، بعد أن ظل لأكثر من ساعة العام الماضي يحاول المرور وسط الزحام. لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :